العملة الرديئة والعملات الجيدة

news image

 

كتب - عبدالله العميره

من آخر ما قرأت عن الفكر العربي؛ موضوع للدكتور كرم الحلو- وهو كاتب من لبنان (الموضوع منشور في وكالة بث)
عنوانه: "الفكر النهضويّ العربيّ بعيون المُستجِدّين"


وطالما راودتني فكرة " تأثير الأدباء والمفكرين والمثقفين العرب على المجتمعات العربية"..
موضوع الدكتور كرم؛ استنهض فكرة كامنة في داخلي، منذ أيام ما سمي بـ " الربيع العربي".

كتبت ذات مرة - خلال تلك الفترة؛ أن بَيْنَ المجتمعات العربية والمثقفين بَوْنٌ شَاسِع.

مثقفون؛  إنتاجهم عالي، في برج عاجي،  يخاطبون العقليات المتفتحة القادرة على التمييز.. وأسميها؛ في تقسيمات (الجمهور)؛ الجمهور القائد، وأعني الجمهور الواعي الذي لاتؤثر فيه الشائعات، ويفهم جيداً ما يحاك له، وبه.
ولا يخاطبون الأكثرية ..
الأكثرية من الجمهور- التي تحتاج إلى تثقيف وتوعية ؛ هو ما شاهدناه ثائراً في شوارع بعض العواصم العربية.. هائم تحركه أيادي خفية، وترمي به في أتون التطاحن، من حيث لايدري. وكما في كثير من جمهور كرة القدم المتعصبون - لأسباب سأذكرها لاحقاً.
وبعض بلاد عربية، لم نشهد فيها - في ذاك الحين - ذلك الحراك البائس. ولكنه ليس ببعيد عن البائسين، بل أكثر.

ويبدو أن من صنع "الربيع العربي" يعلم أنه لاغنى عن الجمهور المتخلف البائس لإنجاح مخططاته العبثية (؟!!)

يتحدث بعض المثقفين عن الإيمان بنظرية المؤامرة.. وأقول دائما لمن يستنكر : 
الحرب خدعة / أي مؤمرة، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "لست بالخب ولا الخب يخدعني".
والخب؛ هو الماكر المخادع.
والمؤامرة تنبت وتترعرع في البيئة الصالحة.
وأصلح البيئات وأنسبها لإنجاح المؤمرات والتآمر، هي البيئة التي يتفشى الجهل فيها.
لذلك يسعى المتآمرون لغرس الجهل والتخلف بكل الوسائل الممكنه وتكريسه والإبقاء عليه .. يرونها حربهم، ويسعون لكسبها!

( وقصة السفير الإنجليزي في الهند الذي صفع شاباً هنديا ركل بقرة .. قصة مشهودة،  يمكنكم معرفة تفاصيلها من غوغل).


تلك الأحداث / أعني ما جرى في أيام ما سمي بـ " الربيع العربي"، أظهرت لنا هذا " البون الشاسع"، فقد تأكد لنا أن الأدباء كانوا في أبراج عالية بعيدين عن التأثير على مجتمعاتهم، كذلك أظهر لنا تأثير الإعلام السلبي!!
ولو أن الإعلام العربي ( لحق نفسه )، أخيراً،  وبذل جهداً للمساهمة في إعادة السفينة التي كادت أن تغرق، و رقّع مجاذيفها المكسورة.

ويعود هذا لأسباب - أعني أسباب تدني مستوى عقلية (معظم الجمهور العربي )، وقد وضعته / أعني الجمهور العربي، في التصنيف - بعد دراسة مستفيضة؛ أنه يقع في إطار (المتردد).
. وأسباب التدني، أربعة.. منا إثنان رئيسيا، وآخران على درجة كبيرة من التأثير (التربية، والبيئة):
1- التعليم .. سلبي / قمعي (تلقيني) ، عكس التعليم التحليلي.. والتعليم القمعي أو التعليم الذي يأخذ بالناس إلى التجهيل أكثر منه إلى التنوير. وتحويل المجتمعات إلى تشكيلات متخلفة تتعارك مع نفسها وإرثها المضطرب .. غير منتجة، وغير نافعة في أي مهمة، إلا في إفشال أي مشروع نهضوي فكري أو مادي.
2- إعلام يرسخ الجهل، من خلال برامج "توك شو" فاشلة الأهداف، أومسلسلات تافهة - قد تكون قليلة بالنسبة لعروض البرامج الجيدة، ولكن؛ كما يقول قانون الإقتصاد “جريشام”: " العملة الرديئة تطرد العملات الجيدة".. وعليه قانو الحال "النماذج الرديئة تطرد النماذج الجيدة" !

والتركيز على برامج مخاطبة الذات، أو إرضاء الذات - وأحياناً تضخيم الذات - وهذا يتقاطع مع التعليم القمعي!
وبطبيعة الحال، الأدباء - كانوا، ومازالوا - في أبراج عالية ، يخاطبون ذاتهم، في منأى عن مجتمعاتهم ( إلا القليل غير المؤثر).

(وممكن القول أن بعض البرامج؛ فرصة لتكشف مستوى الجمهور، ووضع العلاج، أو التطوير المناسب.. ).
ما هو الحل؟
كيف (ينزل) الأديب والمثقفف والصحفي إلى مستوى الجمهور ليؤثر فيهم ويرتقي بهم. بدلاً عن ترك الساحة لقليلي الأدب، وأرباع المتعلمين وأنصاف الصحفيين ليكتبوا لنا " سيناريوهات" لمسلسلات وأفلام تافهة، والحديث حول أفكار تافهة - في منتديات ومؤتمرات  تبقينا على ما نحن فيه ، بل تعزز التخلف والجهل؟!

تلك مسؤلية الجهات ذات العلاقة، كوزارتي الثقافة والإعلام. والهيئات المرتبطة بالإنتاج الفكري.

( ذات مرة  كنت أناقش أحد الأفاضل، فقال: هل تريد أن نتبع الأسلوب "التغريبي"؟! .. قلت له: أبداً أريدك أن تسير على نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - في التعليم التحليلي، كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه القرآن الكريم ومعاني الآيات، وكان لايتخطى آية حتى يعرفوا معانيها ويطبقوها)..


الآن سأتطرق إلى محور آخر - في ذات الدائرة..
وهو:
من يفكر بطريقة غير معتادة، هل يعتبر مصاباً بالفصام أو الإنفصام؟!

الفصام باختصار؛ التفكير والسلوك غير الطبيعيين.
والإنفصام؛ اضطراب عقلي يؤثر على طريقة تفكير الشخص وشعوره وسلوكه.
وأرى أن المعنيين متلازمين!
ولا يعني أن الفصام والإنفصام يعنيان التفكير والسلوك السئ .

فإن المبدعين والمبدعات، ماهم إلا أشخاص يتميزون بعقلية غير طبيعية - مختلفة عن الآخرين، دائماً يفكرون خارج الصندوق، وإبداعاتهم تؤتي أكلها، نافعة مفيدة على المديين القريب والبعيد!
قد لايستوعبها البعض، ولكنها الحقيقة: المبدع لايفهمه إلا المبدع .
وأكبر أعداء المبدع، هو الشخص الفارغ الممسك بمنصب.
مطلب المبدع المشاكس، في دائرة عمل يترأسها مبدع، والعمل مع مجموعة من المبدعين والمبدعات، يكملون بعضهم بعضاً في التخصصات.

طيب..
ما علاقة هذا بالتأثير؟
للإجابة؛ أعود للتأكيد على ما سبق :
قد يظهر لك برنامج تلفزيوني موجه للجمهور ومتفاعل معهم .. يبين لكم مستوى ودرجات وعي الجمهور، ويكشف تأثير انتاج الأدباء والمثقفين والإعلام.

ومن الممكن جداً ، أن برنامجاً واحداً سيئاً يخرب مشروع نهضوي وإعلامي كامل - عندما يؤدي عملاً عكس ما ينتظره الجمهور في دائرة الإنتشار الأوسع.
والأمثلة أمامكم حية..
المملكة تسير وفق رؤية واسعة التطور، وبعيدة المدى.
وأمام التحول الكبير الحضاري المشهود؛ ينتج عنه الآن رسائل إعلامية سعودية في قوالب زاهية.
ورسائل مشاهدة من خلال برامج " توك شو" تشوش على الإيجابيات والسمعة الطيبة، بالتركيز على أسوأ ما في المجتمع ( وهذا السئ قليل) ولكن التركيز عليه وإبرازه، - بلا أدنى شك - يؤثر على الصورة العامة.
ولا أعني بالصورة، قوة المملكة في المجالات الأخرى الرائعة: الدينية، والسياسية، والإقتصادية، والثقافية.
بل أعني أيضاً ، التأثير على نظرة العالم  تجاه أسلوب إدارة تلك القوى الرائع.. وقد يتساءلون عن الفشل في إدارة المشروع الرياضي! وهو قوة لايستهان بها، قد سُلم إلى أشخاص أقل من المستوى المطلوب، ولم يتم معالجة فشلهم - حتى الآن. مما قد يؤثر - ولو قليل على عناصرة القوة الأخرى.

الإثارة الإيجابية لايستطيع صناعتها إلا أشخاص يتميزون بوعي ومعرفة وإخلاص شديد للقيادة والوطن ( خبرة وممارسة للإعلام + تعليم). وخطة وطنية دقيقة المنهج، واضحة الهدف أمام ممارس الإعلام الوطني الخالص.
والخطة واضحة / أعني استراتيجتنا العظيمة ( رؤية2030 )، كافية وشافية ، وتتضمن مواداً إعلامية ضخمة.

ربما يظهر شخص؛ ويقول: 
آه؛ هدفك من المقال، هو ما جاء في الجزء الأخير؟
أقول : أها؛ بدأت تفكر.. لكن عليك استيعاب ما قبله من عناصر، وما جاء في صلب المقال أبعد بكثير.. زبدته في (الرؤية). 
من المؤكد أن قادة الفكر يفهمون ما أقصده  وأعنيه!