حَريقُ الإحتِجاجاتِ في فرنسا.. تعَمُّقٌ في الأسبابِ و الخلفيّات.. و كَيفَ سيُؤِثِّرُ هذا الحِراكُ على المُستقبلِ السياسيّ الأوروبيّ ؟

news image

مروة شاهين - تقرير خاص - بث:
على عكس التصور الذهني لمعظم مواطني دول العالم وخصوصاً الدول العربية عن أوروبا كجنةٍ على الأرض، و كمجموعة دول تعيش في رفاهية مطلقة وأمن اجتماعي متقدم تكفل فيه الدولة كافة وسائل الأمان و الاستقرار لمواطنيها في كافة الجوانب؛ تأتي الاحتجاجات الفرنسية المتتالية و ما تشهده من أعمال شغب و عنف من قبل المحتجين و قوات حفظ النظام و تطبيق القانون لتدحض هذه التصورات المثالية عن "النعيم الأوروبي".

إنه من ما لا شك فيه أن دول الاتحاد الأوروبي هي أكثر دول العالم تحقيقاً للرفاهية و الازدهار والضمان الاجتماعي لشعوبها، نظراً لكونها دولاً متقدمة اقتصادياً و صناعياً حيثُ يعتبر الاتحاد الأوروبيّ قوة اقتصاديّة عالمية، حيث يعتبر القوة التجاريّة الأولى على مستوى العالم، ويظهر ذلك في النقاط التالية:
التطوّر الصناعيّ على مستوى العالم، وذلك لأنه يمتلك العديد من القطاعات الصناعيّة القوية التي تنافس على مستوى الأسواق العالمية، مثل: قطاع صناعة النفط، والأسلحة النوويّة، بالإضافة إلى قطاع صناعة السيارات، فضلاً عن وجود العديد من الشركات المتعددة الجنسيات فيه، إضافة إلى الإعتماد التام على صناعة الأجهزة الإلكترونيّة الدقيقة، ويعتبر الاتحاد الأوروبيّ ثاني قوة صناعية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. 
و لكن كل هذا التقدم لم يمنع من ظهور بعض التوترات في الدول الأوروبية من حين إلى آخر بسبب بعض المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية (التي تتعلق بسياسات الهجرة و الأقليات والتوجهات اليمينية و اليسارية و الصراع بين الليبراليين و المحافظين)، و خصوصاً في فرنسا حيث تقدر نسية المهاجرين من ١٠ إلى ٢٠ بالمئة من إجمالي عدد السكان،  و تجدر الإشارة إلى أنه ينحدر نحو 30 بالمئة من المهاجرين في فرنسا من ثلاث دول مغاربية (الجزائر والمملكة المغربية و تونس).

و وفقاً لبعض الإحصائيات ، فإنه منذ 2006، ظهرت فئات جديدة من المهاجرين القادمين خاصة من الصين ومن منطقة الساحل الإفريقي ومن منطقة خليج غينيا.

الإحتجاجاتُ الفرنسية.. بين شغبِ المُحتجين ووحشية الشرطة:

إن ظاهرة الاحتجاجات و أعمال الشغب و الكر والفر بين الشرطة الفرنسية و المتظاهرين ليست جديدة في المشهد السياسي و الاجتماعي الفرنسي، ففي عام 2018 اندلعت حركة احتجاجات شعبيّة ظهرت في شهر أيار/مايو حيث نزل أكثر من 300.000 شخص من جميع أنحاء فرنسا للشارع منددين بسياسات الحكومة فيما يخص الوقود، شهدت الاحتجاجات بعض أعمال العنف والشغب، كما اشتبكَ المتظاهرون أحيانًا مع قوات الأمن. 
كما تزامنت ثورة حركة السترات الصفراء معَ غضب التلاميذ والطُلاب من خطط ماكرون الإصلاحيّة في المجال التعليمي مما دفعهم إلى الخروج للاحتجاج ضدّهُ في جميع أنحاء فرنسا.
و منذ شهرين اندلعت موجة جديدة من الاحتجاجات رفضا لقانون رفع سن التقاعد، ما أدى إلى إلغاء ثلث الرحلات الجوية في مطار أورلي بالعاصمة باريس، وتعطل حوالي 10% من القطارات في أنحاء البلاد.
و جاءت الاحتجاجات بالتزامن مع اقتراح المعارضة في البرلمان مشروع قانون لإلغاء إصلاح نظام التقاعد.
ويتضمن مشروع القانون المقترح، فرض ضريبة إضافية على منتجات التبغ، كحل لتعويض النقص المالي الناجم عن إلغاء إصلاح نظام المعاشات التقاعدية.
أما الاحتجاجات الحالية التي تشهدها فرنسا و المستمرة حتى الآن و تتضمنها أعمال عنف وشغب يقابله عنف من جانب الشرطة، فنشأت منذ اسبوع من الزمن بعد مقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية يدعى نائل المرزوقي و يبلغ من العمر ١٧ ربيعاً على يد الشرطة الفرنسية في أحد أحياء العاصمة باريس.

و عن مجريات حادثة مقتل الشاب الجزائري نائل؛ قال صديقه الذي كان معه في السيارة عند وقوع الحادثة - في مقطع فيديو مصور- أنه يريد أن يوضح كل الإشاعات الخاطئة التي لفت قضية صديقه.

وقال "أردت أن أصور هذا الفيديو لكشف الحقيقة، لأن هناك الكثير من الأخبار الزائفة المنتشرة على شبكات التواصل حول وفاة صديقي نائل".
كما روى الراكب الثالث في السيارة التي كان يقودها نائل، أنه ورفيقيه استعاروا سيارة مرسيدس صفراء من أجل القيام بجولة في المدينة، وأكد أنهم لم يكونوا بأي شكل من الأشكال تحت تأثير المخدر أو الكحول، وفق ما أشيع عنهم.
كذلك، شدد على أنهم كانوا يتجولون بشكل عادي حين لاحظوا أن سيارة للشرطة راحت تلاحقهم، فتوقفوا بعد حين.
حينها اقترب أحد العناصر، وطلب من نائل الذي كان خلف المقود، فتح النافذة، ففعل، ثم أتى شرطي آخر، وعندها هم الشرطي الأول قائلا: "أطفئ المحرك وإلا أطلقت النار".
كما أضاف مهدداً بعد أن ضرب نائل بعقب سلاحه: "تحرك واخرج وإلا أطلقت النار على رأسك"، حينها بادره الشرطي الثاني قائلا:  "أطلق النار عليه"، لكن العنصر الأول ضرب الفتى مجدداً بعقب مسدسه، فاهتز نائل لا إرادياً ورفع رجله عن دواسة الفرامل، فسارت السيارة، ما دفع الشرطي الثاني إلى إطلاق النار مباشرة نحو المراهق الذي ارتخت رجله بطبيعة الحال على دواسة البنزين، وانطلقت السيارة بسرعة أكبر، وفق ما أكد الشاهد.
أما عندما توقفت السيارة، فهرع الشاهد بالركض خوفاً من أن يلقى نفس مصير نائل، وفق كلامه.

مقتلُ نائِل ليس السبب الوحيد.. خلفياتٌ عميقةٌ وراء إضطرابات فرنسا:

قد ذكرنا سابقاً أن ظاهرة الاحتجاجات و المواجهة العنيفة بين الشرطة و المتظاهرين ليس جديداً على المشهد الفرنسي، و بالتالي فإن تكرار حدوث مثل هذه الظواهر لا يمكن أن يُعزى إلى سبب واحد منفرد دون غيره، إذ لا بد من التعمق بالخلفيات و الأسباب التي تجعل من هذه الحوادث ظاهرة متكررة في المجتمع الفرنسي، و فيما يلي أبرز الأسباب التي تقف وراء الأحداث الفرنسية الأخيرة:

أولاً:  عدم المساواة الاقتصادية.. إذ أن أحد المحفزات الأساسية للاحتجاجات في فرنسا هو تعميق عدم المساواة الاقتصادية داخل االبلا،  فعلى الرغم من كونها واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم ، إلا أن جزءًا كبيرًا من السكان الفرنسيين يرون أن ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية في حالة ركود أو تدهور، حيثُ أدى ارتفاع تكاليف المعيشة ، ومعدلات البطالة المرتفعة ، وتناقص المزايا الاجتماعية ، وعدم المساواة في الحصول على التعليم والرعاية الصحية إلى إثارة الإحباطات والمظالم في اوساط الشعب الفرنسي، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات جماعية ضد الحكومة للمطالبة باصلاحات عاجلة.
ثانياً: التطور الاجتماعي والأمن الوظيفي:  تدور مخاوف المحتجين أيضًا حول التطور الاجتماعي والأمن الوظيفي، حيثُ يرى العديد من الأفراد عدم وجود فرص للتقدم ، خاصة للشباب وذوي الخلفيات المهمشة، و يُنظر إلى قوانين العمل الفرنسية الصارمة ، التي تجعل من الصعب على الشركات توظيف موظفين جدد ، ونظام تعليمي صارم ، على أنها عقبات تعرقل التطور الاجتماعي، كما يؤدي انعدام الأمن الوظيفي ، إلى جانب انخفاض الأجور والعقود غير المستقرة ، إلى تفاقم الإحباط بين الطبقة العاملة ، مما يؤجج مشاركتهم في الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات.
ثالثاً:  تغير المناخ والبيئة:  حيثُ ساهم الوعي المتزايد المحيط بتغير المناخ والانحلال البيئي أيضًا في تأجيج الاحتجاجات في فرنسا، حيثُ عبّر المتظاهرون ،  بشكل خاص من خلال حركة السترات الصفراء ، عن إحباطهم من الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري وضريبة الكربون التي اقترحتها الحكومة، و  اعتبر الكثيرون أن هذه الضريبة تشكل عبئًا غير متناسب على المواطنين ذوي الدخل المنخفض ، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل. علاوة على ذلك ، أدت المخاوف بشأن إزالة الغابات والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي إلى حشد المواطنين للمطالبة بسياسات بيئية أكثر راديكالية.
رابعاً: السخط السياسي وانعدام الثقة:  حيثُ لعب الشعور المتزايد بخيبة الأمل وانعدام الثقة السياسيين دورًا مهمًا في إشعال الاحتجاجات، إذ أصبح المواطنون الفرنسيون محبطين بشكل متزايد من الأحزاب السياسية التقليدية ، وشعروا أن أصواتهم لا تُسمع وأن السياسيين يعطون الأولوية لمصالح الشركات على الرفاهية العامة، و لقد أدى الشعور بالتهميش وتصور طبقة النخبة المنفصلة إلى تآكل الإيمان بالنظام الديمقراطي وحفز الناس على النزول إلى الشوارع للمطالبة بقدر أكبر من المساءلة والشفافية.
خامساً: وحشية الشرطة والعدالة الاجتماعية:  إذ أكدت الاحتجاجات الأخيرة ضد وحشية الشرطة مخاوف بشأن التمييز العنصري والعدالة الاجتماعية، حيثُ أدت حالات عنف الشرطة ، لا سيما ضد الأقليات ، إلى موجة من الغضب والاحتجاجات على نطاق واسع للمطالبة بالعدالة ووضع حد للعنصرية الممنهجة. كما تسلط هذه الأحداث الضوء على استياء مجتمعي أوسع نطاقاً من عدم المساواة والتمييز والفشل المتصور للدولة في حماية وخدمة جميع المواطنين على قدم المساواة.
سادساً:  الحرب الروسية على أوكرانيا و تداعياتها على المجتمع و الاقتصاد الفرنسي:  اذ أثرت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا على العلاقات التجارية على تربط فرنسا علاقات تجارية مع كل من أوكرانيا وروسيا، و مع مع تصاعد الحرب ، تعثرت العلاقات التجارية بين فرنسا وروسيا بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من قبل الدول الغربية ، بما في ذلك فرنسا، و أدى ذلك إلى انخفاض الصادرات من فرنسا إلى روسيا. 
كما أدت الأزمة في أوكرانيا إلى مخاوف بشأن موثوقية إمدادات الغاز الروسي ، مما قد يؤثر على أمن الطاقة في فرنسا.. أما عن الاستثمار والسياحة،  و قد أدى الصراع المستمر وعدم الاستقرار في أوكرانيا إلى إثناء بعض الشركات الفرنسية عن الاستثمار في المنطقة، كما تأثرت التدفقات السياحية بين البلدين بسبب المخاوف الأمنية والتصور السلبي لتأثير الصراع على الاستقرار.


قابليةُ التمدُد إلى باقي دول أوروبا.. هل تشهد أوروبا موجة جديدة موسعة من الاحتجاجات؟ 
 

قد يكون للاحتجاجات المستمرة في فرنسا ، في المقام الأول ضد إصلاحات نظام التقاعد التي اقترحتها الحكومة ، و ضد عنف الشرطة و باقي المسائل التي تهم الرأي العام الفرنسي عدة تداعيات على دول أوروبية أخرى، منها :

إلهام لتحركات مماثلة: قد تلهم الاحتجاجات في فرنسا المواطنين في البلدان الأوروبية الأخرى الذين يواجهون تحديات مماثلة أو عدم الرضا عن حكوماتهم، حيثُ إن إظهار التضامن والصمود في فرنسا يمكن أن يكون بمثابة دافع للمواطنين في الدول الأخرى للتعبير عن مظالمهم والمطالبة بالتغيير.
انتشار محتمل للاحتجاجات: هناك احتمال أن تمتد الاحتجاجات إلى دول أوروبية أخرى، اذ إن المظالم في فرنسا ، مثل عدم المساواة في الدخل وتدابير التقشف وعدم الرضا عن الأنظمة السياسية ، تلقى صدى لدى العديد من المواطنين في جميع أنحاء أوروبا، و نتيجة لذلك ، قد تؤدي المظاهرات إلى تحركات مماثلة في دول الجوار.
التأثير على الحكومات الأوروبية الأخرى: قد تجبر الاحتجاجات في فرنسا الحكومات الأوروبية الأخرى على الانتباه وإعادة تقييم سياساتها. حيثُ سلطت الاحتجاجات الفرنسية الضوء  على قضايا عدم المساواة في الدخل وعدم الرضا عن إصلاحات المعاشات التقاعدية ، وهي مخاوف يشاركها المواطنون في مختلف البلدان الأوروبية. و  قد يؤدي نجاح أو فشل الاحتجاجات الفرنسية إلى تشكيل عملية صنع القرار في الحكومات الأخرى ، التي قد تختار إما معالجة القضايا بشكل استباقي أو اتخاذ تدابير لتجنب الاحتجاجات المماثلة.

الأثر الاقتصادي: قد يكون للاحتجاجات في فرنسا ، خاصة إذا تصاعدت وعطلت اقتصاد البلاد ، تأثير مضاعف على الدول الأوروبية الأخرى، اذ تعد فرنسا واحدة من أكبر الاقتصادات في أوروبا ، وإذا أدت الاحتجاجات إلى انخفاض السياحة أو الإنفاق الاستهلاكي أو الأنشطة التجارية ، فقد يكون لها تداعيات اقتصادية أوسع ، لا تؤثر فقط على فرنسا ولكن أيضًا على شركائها التجاريين الأوروبيين.
و من المهم الإشارة أيضاً إلى أن تأثير الاحتجاجات على الدول الأوروبية الأخرى سيعتمد على عوامل مختلفة ، بما في ذلك شدة المظاهرات ومدتها ، واستجابة الحكومة الفرنسية ، والشعور السائد بين المواطنين في الدول الأخرى.

تأثيرُ الحراك الفرنسي على المستقبل السياسي لأوروبا:

في نهاية المطاف، إن شهود دولةٍ أوروبية هامة مثل الجمهورية الفرنسية مثل هذه الأحداث التي تعبر عن شرخ اجتماعي و اقتصادي و ثقافي كيير بين طبقات و فئات المجتمع، و بما أن فرنسا تعتبر واحدة من أبرز دول الاتحاد الأوروبي بل دولة رائدة فيه، فهذا يعني أن النموذج الفرنسي من الاضطرابات و الاختلالات الاجتماعية متواجد أيضاً في الدول الأوروبية الأخرى و لكن الفرق الوحيد بين فرنسا و باقي دول الاتحاد الأوروبي أن الظروف في هذه الدول لم تهيئ بعد لظهور مثل هذه الاختلالات بشكل علني، بتعبير آخر، إن ما ينطبق على فرنسا من اضطرابات اجتماعية ينطبق على باقي دول أوروبا لكنه لم يطفُ إلى السطح بعد في هذه الدول سابقة الذكر. 
و بالعودة إلى التاريخ – الذي غالباً ما يعيد نفسه-، فإنه من الواضح أن التاريخ الفرنسي يشكل نسخة مسبقة من التاريخ الأوروبي، فعلى سبيل المثال، كانت فرنسا أول الدول التي اندلعت فيها ثورة ضد النظام للإمبراطوري الفرنسي حيث أطيح بالملك الفرنسي و أقيم نظام حكم جمهوري ديمقراطي في العام 1789، لتتبعها بعد ذلك الدول الأوروبية بتحركات مشابهة ضد أنظمة الحكم الإمبراطورية الدينية التي كانت تسود أوروبا، كما ان فرنسا كانت من أول الدول التي أطاحت بنفوذ الكنيسة في المجال السياسي (يتمثل ذلك في قول نابليون :اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) لتتبعها بعد ذلك معظم الدول الأوروبية في اعتماد النظام العلماني المتشدد الذي يرفض أي تدخل مباشر للسلطات الدينية الكنسية في الحياة السياسية. 
و بناءً على ما تقدّم، فيمكن اعتبار النموذج الفرنسي بمثابة نظام إنذار مسبق، يسمح لنا بتقديم قراءة متقدمة للمستقبل السياسي الأوروبي، لاسيما أن الانسجام و الإنصهار الحاصل بين الدول الأوروبية و المتمثل بالكونفدرالية الأوروبية (الإتحاد الأوروبي) يجعل من احتمالات شهود باقي الدول الأوروبية مصيراً مشابهاً للمصير الفرنسي عالية جداً، و بالتالي فإن الاستقرار الحاصل اليوم في باقي الدول الأوروبية ليس نابعاً من كون الهيكلية الإجتماعية و السياسية و الاقتصادية لهذه الدول افضل من تلك الفرنسية، بل من كون هذه الدول لا زالت تتعامل  بأساليب تستطيع من خلالها السيطرة على الوضع الراهن و منع انجرار الأوضاع إلى ما آلت اليه الأوضاع في فرنسا. 
ختاماً، إن الصعود و الهبوط، و تأرجح الدول و الأمم بين مراحل التمكين و الاستضعاف هي سنة من سنن الله في الكون، و إن ما عاشته الدول الأوروبية في القرون الخمسة الماضية من مرحلة تمكين و قوة (استعمار الشعوب الأخرى، الازدهار السياسي و الاقتصادي) لا بد له من نهاية، و إذا كان لكل بداية نهاية، فهل يمكن أن تكون تلك الفوضى التي تشهدها فرنسا و ستشهدها بعدها الدول الأوروبية الأخرى بدايةً لنهاية مرحلة التفوق الأوروبي على باقي شعوب و أمم الأرض؟..