المجتمع المتخلف .. والإنقلاب الإعلامي !
كتب - عبدالله العميره
من القصص؛ خلال عملي الصحفي؛ والتي لا أنساها؛ مناقشة دارت بيني وبين زميل وصديق كان يعمل في القسم الرياضي بصحيفة الرياض.
أقول صديق؛ لأن ما يجمعني به أكبر من أي خلاف.
لايوجد خلاف؛ بل اختلاف معه في طريقة التفكير، وبعض التوجهات والأبعاد..
فهو هلالي متعصب جداًجداً. لايرى أمامه؛ إلا اللون الأزرق، والبقيه عنده عمى ألوان!
كانت لحظة نقاش عن المجتمع السعودي.
هذا الزميل في ذلك النقاش؛ وصف المجتمع السعودي والعربي ؛ بخاصة مجتمع الرياضة / الجمهور؛ (أن نسبة عالية منهم متخلفون )، يحتاجون إلى مراجعة في ثقافة المدارك وأبعاد التفكير!
لم أوافقه على هذه الرؤيىة، لأنها: بدون بحث ودراسة، أو رصد دقيق مطول!
لم يطول الإختلاف حول هذه النقطة.
أخذته إلى الحديث في مجالات أخرى، اجتماعية ورياضية. وتركز الحديث - بعد ذلك - على الجمهور الرياضي، والأندية، وأي الفرق يحظى بنسبة أكثر من المشجعين في المجتمع؟
عند هذا السؤال؛ ظهر تعصبه..
فقال: " أن الهلال هو صاحب الشعبية الأكبر، وأن (نسبة عالية من المجتمع يشجعون الهلال)!!
__________
التعصب؛ بطبعه؛ مقيت. ينسيك حسنات الآخر، وينسيك سيئاتك. ويظهر تناقضاتك.
هل من بداية لحل المشكلة؟
أعتقد أنه سؤال كبير. ولكن يمكننا أن نحدد قاعدتين بسيطتين ننطلق منهما لتطبيق العمل الإعلامي الرياضي الصحيح:
1- تتعلق بثقافة الصحفي أو الإعلامي.. لابد أن يتصف بالحياد، ( طبعاً تتوفر فيه جميع متطلبات الصحفي، من علم بالصحافة علم نفس الإعلام، ووعي وثقافة وسعة أفق، ومعرفة بأصول الصحافة، وبالتأثير، ومعرفة بأنواع الجمهور وتأثيراتهم النفسية والإختلافات الإجتماعية.. ).إذا لم تتوفر تلك الصفات، فلا يُطلق عليه صحفي ولا إعلامي .. أسموه ما شئتم!
2- تتعلق بعنوان رؤية، يجب غرسها في الجمهور . والصحفي هو من يضع هذا العنوان ويحققه / يطبقه.
العنوان يقول:
" إنزل لمستوى الجمهور لترتقي بهم .. وليس النزول لمسايرتهم ، على طريقة المخرج عاوز كدا".
وفي المجال الرياضي : " شجع فريقك كما تحب وبأية طريقة، على أن لاتجعل الآخرين يكرهونك ويكرهون ناديك"..
فكيف ننزل لمستوى الجمهور لنرتقي بهم؟ وكيف نجعل الجمهور يعشق نادية بدون إساءة للآخرين تجعلهم يكرهونه ويكرهون ناديه ؟!
وكيف نصنع الإثارة الإيجابية؟
هذا يحتاج؛ علم وخطط، وليس هواية وتطبيق عشوائي..
لايمكن أن نقول على فريق كرة قدم بأنه "بطل" ، إلا إذا حصل على البطولة، من أمام أبطال.
أسوأ الفرق؛ من يعتقد أنه الأفضل دوناً عن غيره.
( أتعجب من مشجع يصف نادية بالبطل الكبير، في ذات الوقت ينتقص من الفريق المنافس!!!)
هل تلك النقطة مفهومة؟!
صحيح أن كرة القدم ، اصبح فيها من الألاعيب ما فيها. إنما يبقى القوي قوي، مهما وضعت أمامه العراقيل؛ سيصل. رضي المتعصبون أو لم يرضوا!
__________
صلاح الدين الأيوبي، بينه وقائد الصليبيين ريتشارد " قلب الأسد" ما بينه من عداء في ميدان المعركة الشئ الكثير. ولكن صلاح الدين قام بعيادة ريشارد عندما مرض!
وكان صلاح الدين يشيد بشجاعته.
أنه تصرف المسلم، وتصرف الإنسان الفارس النبيل.
ليس بين صلاح الدين وريتشارد مباراة وكأس.
إنها حرب.. موت وحياة.
ذلك هو الفرق بين الفرسان والوضعاء.
__________
أعود للإعلام ودوره / أعني هنا الإعلام الرياضي.
لابد أننا لمسنا التغيير الكبير بين الإعلام أمس، والإعلام اليوم.. بخاصة؛ بين إعلام ما قبل صفقة رونالدو، وما بعدها.
برأيي - كما ذكرت في أكثر من مقال سابق - صفقة رونالدو، عملت إنقلاباً في مفهوم الإعلام.
كنا نردد، ونتحدث ونختلف عن الإعلام التقليدي، والإعلام التقني.
ولا أعرف سبباً للتعصب للإعلام التقني، مع أن الإعلام التقليدي، لم يكن لينتشر لولا التقنية!
ولا أعرف يوماً تمت فيه مناقشة تطوير المحتوى ( الرسالة )، فقط الوسيلة التي يصنعها غيرنا.
جيد أن نناقش تطور الوسائل.. لكن الأهم نناقش تطوير المحتوى وكيفية استخدام التقنية مع هذا التطور في الرسالة.. كيف نصنع حدث مُدويّ.
__________
طوال حياتي الصحفية التي قاربت 40 سنة ، ونحن نتعامل مع التقنية.
ومن تخصصي وممارستي، لا أجد متعصباً وهو يعرف كيف يصنع مادة إعلامية ( محتوى) مبهر.
نعم يوجد إضافات وفائدة من متخصص في التقنية وتطوراتها ( وهذه ضرورة قصوى).. ولكن يظل الصحفي هو من يصنع، وليس التقني .. التقنية وسيلة، وإذا لم يوجد محتوى متطور، صارت الفائدة من التقنية مهما تطورت؛ صفر.
بل تطورت الحال؛ حتى شهدنا كيف يصنع الحدث تأثيراً كبيراً.
صفقة رونالدو مثال حي، يجب أن تُدرس في الجامعات، بدلاً من إضاعة الوقت في تعليم وتعلم الخبر، كيف يتم صناعته، وأنواع التحقيق، والهرم المقلوب والمعتدل!
صار لنا سنوات نتعلم أنواع التحقيقات واهراماتها، وبالأخير يأتي حدث عالمي ينسف كل أنواع الإهرامات.
نعم؛ نقدر المرحلة السابقة، لكن يجب أن يكون العمل متطوراً.
- قلت مرارا وتكراراً، نحتاج إلى الخبرات المتطورة مع الشباب المتحفز المبدع المبتكر.
لاهذا يمكن الإعتماد عليه لوحده ، ولا ذاك.. بل الإثنين معاً.
إذا اعتمدنا على الخبرات المتكلسة، سنبقى متجمدين.
وإذا اعتمدنا على الشباب المتحمس فقط، فأكيد سنجد أنفسنا قد شططنا بعيداً، عند ذاك الوقت يصعب العودة أو التعديل.
قد لايكون التعديل مستحيلاً، إنما سيكون مكلفاً مادياً وجهداً.. والأصعب تعديل التأثير.
من السهل تعديل الأخطاء، لكن في الإعلام صعب جداً تعديل العقول، خصوصاً تلك التي تعودت على ثقافة التلقين والتبعية.
( هذا ملف مهم، أعني الإستثمار في العقول / في المتلقي / أي الجمهور- كيف يتم التأثير عليهم، وأجعلهم وسيلة لنقل وترديد ما أريد؟).
( أصعب العقول؛ عقلان: المسردب - أي المقولب المتجمد - ، ثم المتردد).
- قبل ذلك استراتيجية إعلامية تستطيع استيعاب الأحداث المتتابعة في المملكة، والتعامل معها بأساليب مبتكرة، ومختلفة عن السابق - المتعارف عليها قي صحافتنا التي مازال فيها بقايا خطاب الذات - لتصل الرسالة بسرعة وقوة وأكثر تأثيراً.
__________
في ختام هذا المقال؛ لدي سؤال من شقين أترك الإجابة للقارئ العزيز:
من هو المتخلف: الجمهور او الصحافة؟
أو لايوجد، فعالم الإعلام تغيّر؟