غرفة الظل… حين يبتسم الإعلام الإسرائيلي ويغدر

BETH | تحليل خاص – يونيو 2025
من يراقب الإعلام في إسرائيل يظنه حُرًّا، صاخبًا، متنوعًا، تملأ شاشاته الجدالات، ويُمارس فيها الصحفي حقّه في الصراخ بل وانتقاد رئيس الوزراء نفسه…
لكن مَن يفهم الغرفة التي لا تظهر، يعرف أن خلف هذه المساحة المفتوحة يوجد نظام ذكي، لا يؤمن بالحياد، بل بالمهمة.
📰 ما هي سياسة الإعلام في إسرائيل؟
رسمياً، تُصنّف إسرائيل ضمن الدول "الديمقراطية ذات الصحافة الحرة"، حيث يتعدد الإعلام بين اليسار واليمين، وبين الديني والعلماني، وتوجد منصات تتنازع السياسات.
لكن في العمق، توجد شبكة تنسيق غير معلَنة، تجعل من الإعلام أداة تنفيذية لأجندة الأمن القومي… لا "سلطة رابعة" مستقلة.
ليس المطلوب من الإعلام الإسرائيلي أن يكون حياديًا… بل أن يكون ناجحًا في التوجيه.
وفي إسرائيل، النجاح الإعلامي لا يُقاس بالمهنية، بل بقدرة الرسالة على اختراق وعي العدو والصديق معًا.
🎯 من هو الجمهور المستهدف؟
الإعلام الإسرائيلي لا يتوجه لجمهور واحد… بل يعمل بنظام "الرسائل المتعددة بحسب النطاق":
للداخل الإسرائيلي:
إدارة التوترات، التبرير المستمر للعمليات العسكرية، وشيطنة المعارضين من العرب واليسار.
للشعوب العربية:
زرع الشك، تسويق صورة إسرائيل كـ"الدولة العقلانية"، وتشويه فكرة المقاومة والسلام معًا.
للرأي العالمي:
تصدير صورة إسرائيل كدولة "محاصرة" و"متقدمة تكنولوجيًا وأخلاقيًا" تواجه "برابرة يكرهون الحياة".
إنه إعلام متعدد الألسن… لكنه يصدر من حنجرة واحدة.
🧠 الذكاء لا الحياد
رغم انفتاح الإعلام الإسرائيلي ظاهريًا، إلا أن الرسائل موجّهة بعناية.
حرية التعبير محصورة في الإطار الذي لا يهدد الأمن القومي.
ويُلاحظ:
تغطية انتقائية جدًا للأحداث داخل فلسطين أو غزة.
تضخيم موجه لصراعات داخل الدول العربية.
نشر شائعات على لسان "مصادر مجهولة" في اللحظة المناسبة.
هذه ليست صدفة… بل نتاج غرف إعلامية مختصة بالشائعات والتأثير المعرفي.
🧪 "صناعة الإعلام" حسب المهمة
في إسرائيل، لا يُدار الإعلام على أنه سلعة استهلاكية فقط، بل أداة عملياتية.
المرئي يُستخدم لبناء التعاطف والعاطفة.
المقروء لتشكيل الوعي السياسي العميق.
الإعلام الرقمي لتفكيك الخصوم نفسيًا.
المنصات العالمية كقنوات إعادة تدوير لرسائل إسرائيلية بنكهة دولية.
كل ذلك يُدار بتمويل حكومي أو عبر مراكز أبحاث وصحف "تبدو مستقلة"، لكنها لا تخرج عن خط المؤسسة الأمنية.
🕳️ غرفة الظل… كيف تعمل؟
بعيدًا عن استوديوهات القنوات، هناك ما يُعرف في الأوساط الإسرائيلية بـ"وحدة الحرب النفسية" أو "غرفة الظل" – وهي ليست خرافة بل كيان إعلامي غير معلن، يعمل على:
تسريب الشائعات ضمن توقيت سياسي حساس.
توجيه القصص الملفقة نحو شخصيات أو دول معينة.
اختراق النقاشات العربية على المنصات الرقمية بمحتوى عربي شكّاك.
بث مواد تشويش معرفي لإحباط أي تقارب عربي – عربي، أو عربي – إسرائيلي رشيد.
📌 أكثر ما تركز عليه هذه الغرفة؟ السعودية ومصر.
ليس من باب العداء، بل من باب التخويف الاستباقي من أي استقرار عربي مستقل.
📉 هل تحقق هذه الغرفة أهدافها؟
نعم… أحيانًا. لكنها أيضًا تُنتج نتائج عكسية:
تُثير الشكوك فعلاً، لكنها أيضًا تزيد من كراهية الشعوب لإسرائيل.
تزرع الانقسام، لكنها تفقد إسرائيل صدقيتها كلما كُشفت اللعبة.
تُظهر براعة، لكنها تكشف خوفًا استراتيجيًا من أي مشروع عربي واثق.
🎯 أدوات غرف "الظل" الإسرائيلية لتمرير الرسائل والشائعات
أولًا: وسائل التواصل الاجتماعي – المسرح الأوسع
🔹 أهم الوسائط المستخدمة:
X (تويتر سابقًا):
الساحة الأخطر لنشر "الشائعة السياسية المقنّعة".
يُستخدم للتسريب، لإيصال رسائل غير رسمية تبدو كأنها "تحليل مستقل".
تلغرام:
قناة مركزية للمجموعات الأمنية ولتسريبات شبه رسمية.
تُستخدم لتوجيه الرواية داخل الجبهات، خاصة خلال الحروب.
فيسبوك وإنستغرام (للعرب):
التركيز على المشاعر والانقسامات الداخلية.
استهداف الجمهور العربي بخطابات تضرب الثقة بالدول والحكومات.
يوتيوب:
لبث روايات طويلة المدى، مثل “المدنيّة الإسرائيلية مقابل الوحشية الفلسطينية”.
ثانيًا: وسائل الإعلام التقليدية – واجهة التثبيت
📰 أبرز الأدوات:
جيروزاليم بوست / تايمز أوف إسرائيل:
النافذة الرسمية للعالم الغربي
تُصاغ فيها "الرواية القابلة لإعادة النشر عالميًا"
قنوات مثل i24 وKan:
تُنتج تقارير بصيغ متعددة اللغات (العربية، الإنجليزية، الفرنسية).
تستهدف شرائح متنوعة ببث موجه يبدو محايدًا… لكنه مُصمَّم بدقة.
"مراكز الأبحاث" التابعة للجيش أو الأمن:
تُسرّب عبرها دراسات وتحليلات تستند إلى معلومات مختارة، تُستخدم لاحقًا كمصدر في الإعلام المستقل.
📱 تيك توك… السلاح الجديد في يد غرف الظل الإسرائيلية
🔍 لماذا تيك توك؟
منصة تعتمد على الانفعالات لا التحليل
مثالية لزرع مقاطع قصيرة، مؤثرة، ومُضللة… قبل أن يُتاح للعقل فرصة التفكير.
الوصول السريع للفئات العمرية الأصغر (15 – 30)
وهم الفئة الأكثر عُرضة للتأثر وأقل وعيًا بالسياقات السياسية الدقيقة.
سهولة التلاعب بالخوارزميات
يمكن دفع فيديوهات معينة لتصدر التريند ببساطة، خصوصًا إذا بدأت بـ "انتقاد لدولة عربية"، أو "معلومة مثيرة عن التطبيع"، أو "مقارنة ساخرة بين إسرائيل والدول العربية".
🧨 كيف تُستخدم تيك توك في غرفة الظل الإسرائيلية؟
نشر مقاطع ساخرة من العرب في سياق "عجزهم عن التقدم" مقابل "تطور إسرائيل".
استضافة شباب عرب في إسرائيل لإظهارها كدولة “عادية”، وبث رسائل تطبيعية ناعمة.
تصوير مشاهد مفبركة توحي بانهيارات أمنية في دول عربية، ثم ربطها بنظريات مؤامرة.
قص ولصق خطابات الزعماء العرب لإظهارهم في مظهر الهزل أو التناقض.
ضرب الرموز الدينية أو الثقافية بهدوء، من خلال بث مموّه لحسابات تبدو "عربية".
🧭 هل هذا إعلام استقرار؟ أم إعلام تهديد دائم؟
الإعلام الإسرائيلي يُبقي إسرائيل في قلب كل أزمة… ليس لحلها، بل لضمان ألا يتشكل وعي ناضج حولها.
فكل دولة عربية تفكر في السلام، ستجد من يُشكك في نواياها.
وكل اتفاق سلام، سيتبعه تقويض معرفي لاختراق ثقة الجماهير.
🧠 تعليق BETH:
تيك توك لم يعد مجرد منصة رقص ومقاطع قصيرة… بل جهاز بث استراتيجي للغرف المظلمة.
المعركة انتقلت من استوديو الأخبار… إلى شاشة الـ15 ثانية.
ومن لا يُجيد فهم هذا التحول… سيخسر العقول الجديدة قبل أن يسمع صوته.
🧠 تحليل BETH السريع:
غرف الظل لا تصرخ… بل تهمس بذكاء.
تبدأ الحكاية بـ"تسريب"، تنتقل إلى "تحليل مستقل"، ثم تُنشر في وسيلة معتبرة،
وفي اليوم التالي… يتحوّل الرأي العام إلى "قناعة مستبطنة".
الرسائل الذكية لا تُقال… بل تُزرع.
وإسرائيل تُتقن هذا الفن، خاصة عندما يكون الهدف:
زرع الشك داخل بيئة عربية مستقرة
ضرب الثقة بين الشعوب وحكوماتها
تحويل الخصم إلى خصم نفسه
📌 خاتمة رمزية
في الإعلام الإسرائيلي… لا توجد صدفة.
كل عنوان، كل توقيت، كل خبر "حصري"… جزء من منظومة رسائل مدروسة.
ولذلك فإن المواجهة لا تكون بالصراخ، بل ببناء إعلام عربي ناقد، ذكي، وواعٍ… لا يُشبههم، بل يفهمهم… ويتجاوزهم.
حين يُبتسم الإعلام الإسرائيلي أمام الكاميرا… راقب جيدًا من يتحرك خلفها.
لأن ما لا يُقال… هو أصل الحكاية.