هَل يُطفِئُ الشّتاءُ نارَ الحرب في أوكرانيا؟ ما سَببُ إطالة أمَدِ الحرب؟ و ما العائِقُ الأساسي الذي يَمنعُ عقدَ مُفاوضاتٍ بين روسيا و الغرب؟


تقرير - مروة شاهين - بث:
مع دُخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها العاشر، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن خطر نشوب حرب نووية آخذ في التزايد، معترفا بأن النزاع في أوكرانيا "طويل الأمد".
و يُمكن تحليل هذا التصريح الصادر عن الرئيس الروسي، بأن روسيا ليست في عجلة من أمرها لإنهاء الحرب في أوكرانيا، في رسالة إلى الغرب الذي يُراهن على أن الوقت سِلاحٌ فعّال لهزيمة الروس، إذ يعتبرون أن إطالة أمد الصراع سيستنزف الروس اقتصادياً و عسكرياً، لا سيما مع إخضاع روسيا إلى حزمة هائلة من العقوبات الاقتصادية الغربية.

الناتو: روسيا تسعى لكسب الوقت لإعادة هيكلة قواتها العسكرية:
إذ قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ أن موسكو تسعى لتجميد القتال في الأراضي الأوكرانية لفترة قصيرة بهدف تجميع قواتها وتنفيذ هجوم أوسع.
و إن هذه الفترة الزمنية الحالية – بداية دخول فصل الشتاء-، قد تكون هي الوقت الأمثل بالنسبة لروسيا لأخذ استراحة محارب، و إعادة تأهيل قواتها العسكرية و تلافي الأخطاء السابقة التي ارتكبتها خلال العمليات العسكرية السابقة، فالطقس لن يكون مساعداً لأي نشاطٍ عسكري بسبب البرد الشديد و كثافة الثلوج و الأمطار، إضافة إلى الاعتبارات الانسانية التي يفرضها فصل الشتاء، مما يجعل روسيا تضع حجة التداعيات الانسانية والأخلاقية للعمليات العسكرية على السكان في أوكرانيا بما يمكنها من أخذ فترة استراحة دون أن تضطر إلى الاعتراف بوجود أي نقصٍ أو خلل في في قواتها المسلحة.
و في هذا الإطار، قال الجنرال الأمريكي المتقاعد، جيمس "سبايدر" ماركس، في مقابلة مع قناة تلفزيونية أميركية (سي إن إن) حول تداعيات دخول فصل الشتاء على العمليات العسكرية الدائرة في أوكرانيا ، أن : "ما يمكن أن يتغير هو حجم النشاط، أتنبأ بأن الأوكرانيين سيحافظون على منظومة عمليات معينة ضد الروس وعليهم فعل ذلك وعلى عكس ما حدث بالسنوات الماضية رأينا الحروب من منظار ما حدث في أفغانستان وكنا نتحدث عن مواسم القتال..".
وتابع قائلا: "لا يوجد موسم قتال في هذا الجزء من العالم (أوكرانيا) سيكون الطقس باردا جدا والأرض طينية ويصعب إجراء عمليات عليها، ولكن من المهم أن تستمر العمليات الأوكرانية، وأنا أضمن أن العمليات الروسية ستستمر.."
وأضاف: "سيستمرون (الروس) بإطلاق عمليات بطائرات بدون طيار والهجمات المدفعية بدعم من الشركاء المهتمين كإيران وكوريا الشمالية، وعليه سنستمر برؤية نوع من العمليات، ولكن ليس بالحجم الكبير خلال أشهر الشتاء".

بوتين: استمرار الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا سيكون السبب الأساسي في نشوب حربٍ نووية:
إذ أوضح الرئيس الروسي أن "التهديد بحرب نووية يتزايد" نظرا للمواجهة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، محملا الأميركيين والأوروبيين مسؤولية ذلك.
وشدد بوتين -خلال اجتماع مع المجلس الروسي للمجتمع المدني وحقوق الإنسان- أن بلاده تعتبر الأسلحة النووية أداة للرد فقط على تعرضها للهجوم، وأضاف أن موسكو لديها أكثر الأسلحة تطورا ولكنها لا تريد التلويح بها وتعتبرها أداة للردع.
وأقر بوتين بأن النزاع في أوكرانيا "طويل الأمد" وذلك بعدما دخلت الحرب شهرها العاشر، مضيفا أن نحو 150 ألف عسكري ممن تمت تعبئتهم مؤخرا في روسيا، موجودون في منطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا ونفى الحاجة لأي عملية تجنيد أو تعبئة إضافية.

تشجيعٌ روسيّ للأوروبيين للخروج من المظلة الأميركية:
و في هذا الإطار ، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بلاده مستعدة للحديث بشأن تسوية الوضع في أوكرانيا، إذا كان هناك أي مقترح جاد لذلك.
وأضاف لافروف أن الدول الأوروبية أصبحت غير قادرة على حماية مصالحها، وأن موسكو اقترحت توقيع اتفاقية بشأن الأمن الأوروبي، لكن ذلك رفض بشكل غير لائق، وفق تعبيره.
و تسعى روسيا من خلال ضغطها على الدول الأوروبية من خلال سلاح الطاقة و الغاز الطبيعي، و غير ذلك من الأسلحة (كالتهديدات العسكرية) ، إلى إيصال رسالة للأوروبيين مفادها أن الإعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة الأمريكية لم يُغنِ عنها شيئاً و لم ينفعها في تفادي أزمة الطاقة و الأمن، فيما يتضمن دعوةً غير مباشرة من جانب الروس للقادة الأوروبيين لتغيير الفكر الاستراتيجي الأوروبي بما يُمكن القارة الأوروبية من عقد تحالفاتها مع روسيا بما يضمن التزام الإتحاد الأوروبي بعدم السماح للقوات الأميركية (و قوات حلف شمال الأطلسي الذي يمثل المصالح الأمريكية) بالتوسع نحو الحدود الروسية، مقابل ضمان روسيا للأمن الأوروبي و تعهدها بعدم القيام بعزو أيٍ من الأراضي الأوروبية.

دعمُ أوكرانيا يستنزفُ الإتحاد الأوروبي.. مخزوناتُ السلاح الأوروبية بدأت بالنفاذ:
إذ قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، في حدث نظمته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية "ما نراه الآن هو أن روسيا تحاول فرض نوع من تعليق هذه الحرب، لفترة قصيرة على الأقل، حتى تتمكن من إعادة تجميع صفوفها واستردادها وتعافيها ثم محاولة شن هجوم كبير أوسع في الربيع المقبل".
وأضاف الأمين العام للحلف أن أعضاء الناتو يواصلون إمدادهم "غير المسبوق" لأوكرانيا بالأسلحة ودعمها، رغم المخاوف من احتمال نفاد المخزونات الغربية.
وأشار ستولتنبرغ إلى "إضافة أنظمة جديدة لا تقل أهمية عن ضمان عمل الأنظمة أو الأسلحة التي قمنا بتسليمها بالفعل.. هذا يعني أنهم بحاجة إلى كمية كبيرة من الذخيرة وقطع الغيار والصيانة".
وقال ستولتنبرغ إنه لا يملك معلومات عن هجمات مزعومة لمسيّرات أوكرانية على قواعد جوية في روسيا، بعد أن أكد الأميركيون أنهم "لم يسمحوا ولم يشجعوا" على مثل هذه الهجمات.
واعتبر الأمين العام أن شروط الحل السلمي للنزاع "غير متوافرة، لأن روسيا لم تُظهر أي إشارة على التزامها بالمفاوضات التي تحترم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها".
فيما أكد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الحرب الروسية على أوكرانيا استنزفت مخزونات الأسلحة لدى التكتل، وأظهرت أنه يفتقر إلى قدرات "حيوية" للدفاع عن حدوده.
وقال بوريل خلال مؤتمر دفاعي في بروكسل "هذه الحرب ضد أوكرانيا مثلت إنذارا كبيرا للكثيرين منا"، مضيفا "ندرك أن مخزوناتنا العسكرية تستنفد بسرعة بسبب سنوات من نقص الاستثمار".
وتابع بوريل "ندرك أننا نفتقر إلى قدرات دفاعية حيوية، نفتقر إلى القدرات التي نحتاجها للدفاع عن أنفسنا من مستويات تهديد أعلى".
وأضاف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "نواجه تهديدات، تهديدات حقيقية، بالقرب منا ومن المحتمل أن تتفاقم".
وقدم الحلفاء الأوروبيون أسلحة بقيمة مليارات الدولارات لمساعدة كييف في الدفاع عن نفسها ضد قوات الكرملين منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا التي أعادت تركيز الانتباه على قوة دفاعات الاتحاد الأوروبي وما تعانيه من نقص الإنفاق بعد انتهاء الحرب الباردة.
وما زالت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشدة على الولايات المتحدة لتوفير الأمن في القارة تحت مظلة حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO).
وأرسلت واشنطن عشرات الآلاف من القوات الإضافية إلى أوروبا لطمأنة حلفائها منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، كما عزز حلف شمال الأطلسي انتشاره على طول جناحه الشرقي.

بلينكن: تصريحات روسيا بشأن التفاوض زائِفةً و تهدُف إلى منح روسيا وقتاً لإعادة تجميع قِواها:
إذ حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن روسيا قد تبحث عن طريقة للتراجع في أوكرانيا دون التفاوض على اتفاق سلام دائم.
وفي كلمة أمام قمة مجلس الرؤساء التنفيذيين التي تنظمها صحيفة "وول ستريت جورنال" بواشنطن، قال بلينكن إن الحكومة الأوكرانية يجب أن تقرر النطاق المستقبلي للحرب وشروط إنهائها، لكنه حذر أيضا من أن روسيا قد تسعى إلى منحدر زائف من أجل التجديد وإعادة التجمع وبالتالي إعادة الهجوم.
وقال الوزير الأميركي "ما لم تظهر روسيا أنها مهتمة بدبلوماسية ذات مغزى، فلن تتمكن من التقدم للأمام، ما يجب أن نراه هو سلام عادل ودائم، وليس سلاما زائفا".
ولم يحدد بلينكن الظروف التي يمكن أن تنتهي فيها الحرب أو كيف قد يبدو مستقبل الصراع، لكنه أكد أن الأوكرانيين "هم من يتخذون القرارات بشأن ما يريدون".
جنرال في الجيش الأميركي:لا يمكن هزيمة الروس عسكرياً في أوكرانيا:
اذ قال قائد هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي أن" روسيا تختار استغلال وقتها في محاولة إعادة تنظيم صفوفها، وهي تفرض حملة إرهاب، وهي حملة من المعاناة القصوى للسكان المدنيين الأوكرانيين، بغية هزيمة الروح المعنوية الأوكرانية".
وقال المسؤول العسكري الأميركي إن الجيش الروسي يعاني بشدة في أوكرانيا، وإن ثمة احتمالاً لوجود حل سياسي.
غير أن الجنرال ميلي صرح بأن نجاح الأوكرانيين في طرد القوات الروسية عبر الوسائل العسكرية هو مهمة صعبة للغاية، مشيرا إلى أن دحر كل قوات روسيا من كامل أراضي أوكرانيا في القريب العاجل يُعدُّ احتمالا مستبعدا.
إتهامٌ روسيّ لأوكرانيا برفض التفاوض مع روسيا:
و في وقت سابق، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي إن موقف بلاده كان ولا يزال واضحا بأنها لم تغلق باب التفاوض مع أوكرانيا، ولا ترفض مواصلة المفاوضات.
وأوضح المسؤول الروسي أن الرئيس الأوكراني لا يهتم بالمفاوضات، قائلا إن الدليل الأكبر على ذلك هو محاولته جر حلف الناتو إلى صراع مع روسيا بعد حادث سقوط صواريخ في بولندا.
وشدد المسؤول الروسي على أن قرار استئناف المفاوضات يُتخذ في واشنطن، مهما قيل إن الأمر متروك لأوكرانيا، وفق تعبيره.
أوكرانيا تعتبر مساعي روسيا للتفاوض بمثابة مضيعةٍ للوقت، و تُصرُّ على استعادة كامل أراضيها.
في المقابل، قال أندريه يرماك كبير مساعدي الرئيس الأوكراني إن السلام مع روسيا لن يكون ممكنا إلا عندما يتم تدمير الجيش الروسي وتستعيد أوكرانيا حدود عام 1991.
وتشمل حدود 1991 المقاطعات الأوكرانية الأربع التي أعلنت روسيا ضمها من جانب واحد، إلى جانب شبه جزيرة القرم.
وسبق هذه التصريحات إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن روسيا لا تبحث عن السلام، بل عن هدنة قصيرة تستجمع فيها قواتها، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم الوضع، حسب تعبيره.
وشدد زيلينسكي على أن أي صيغة للتنازل عن أراضي بلاده أو سيادتها لا يمكن اعتبارها سلاما، ما يعني أن اتفاق لا يتضمن إعادة كافة الأراضي الأوكرانية إلى سيادة الدولة الأوكرانية بما فيها شبه جزيرة القرم لن يكون مقبولاً من قبل كييف.
في ظلّ التجاذبات الحاصلة بشأن حل الأزمة الأوكرانية، و تبادل الإتهامات بين روسيا و الغرب بعرقلة مسار التفاوض، لا يمكن الجزم بمدى صدق أو كذب أي جانبٍ من الجانبين، فبالتأكيد، سيسعى كل طرف لتعجيل أو تأخير عملية المفاوضات بحسب أوضاعه العسكرية و الاقتصادية و الميدانية، بما يساعده على تحقيق أكبر مكاسبٍ من عملية التفاوض؛ لكن ما يمكن الجزم به و بكلّ تأكيد هو غياب عامل الثقة بين جميع الأطراف ، الذي يشكل الدعامة الأساسية لحل اي ازمةٍ دولية مهما كبُرت او صَغرَت.
و المفارقة هنا تكمن في كون غياب عامل الثقة لا يقتصر على الخصوم و الأعداء، بل شمل الحلفاء أيضاً، إذ ساهمت الأزمة الأوكرانية في تفتيت ثقة الأوروبيين بالحليف الأميركي، و قد صدرت العديد من الأصوات في أوروبا لتشكيل قوة عسكرية تكون قادرة على حماية القارة الأوروبية من دون الاعتماد على حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، كما ساهمت الأزمة الأوكرانية أيضاً بتبديد آمال الروس في مدى قدرتهم على الاعتماد على حليفهم الصيني في مواجهة أزماتهم مع الغرب.
و بغض النظر عن مدى صدق الروس أو الغرب في دعوات حل الأزمة الأوكرانية عبر التفاوض، فإنه يجب على هؤلاء و قبل كل شيء إعادة النظر في السلوك السياسي و الدبلوماسي، و تعديله بما يُمكن من خلاله إعادة جو الثقة إلى الساحة السياسية الدولية، بما يسمح بتمكين جميع الأطراف من الجلوس على طاولة المفاوضات و الوصول إلى اتفاق دائم يرضى به جميع الأطراف، و يثِقُ كلٌ منهم بالتزام الطرف المقابل بتنفيذ بنود و شروط و مخرجات الاتفاق، بما يُشكل خُطوةً أولية لإنقاذ الأمن و الاستقرار العالمي، قبل أن يؤدي عامل انعدام الثقة إلى تصعيد خطير بين الخصوم و الحلفاء في آنٍ معاً، ما يُنذِر بانهيار منظومة الأمن العالمي، و تفتت خريطة التحالفات و توازنات القوى، التي ان تفككت – أي التوازنات- سوف تحتاح إلى حرب عالمية كبرى جديدة لتتمكن من إعادة ترتيبها.