لِمن كانَ النَّصرُ و لِمن الهزيمة؟.. كيف يمكن قراءة نتائج الانتخابات النصفية الأميركية؟


تقرير - مروة شاهين - بث:
فاز الحزب الديمقراطي بالمقعد الذي كان يحتاج إليه للاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي، وهو انتصار حاسم لما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن التي تنتهي في العام 2024، وقلص الديمقراطيون الفارق بينهم وبين الجمهوريين في نتائج انتخابات مجلس النواب بحصولهم لحد الساعة على 204 مقابل 211.

بعد 4 أيام من انتخابات منتصف الولاية التي خيبت آمال الجمهوريين، أعلِن فوز السيناتورة الديمقراطية كاثرين كورتيز ماستو في ولاية نيفادا على آدم لاكسالت المرشح المدعوم من الرئيس السابق دونالد ترامب، وفقا لقنوات تلفزيونية أميركية.
وبإعادة انتخاب السيناتورة الديمقراطية ماستو، يرتفع عدد الديمقراطيّين المنتخبين في مجلس الشيوخ إلى 50 من أصل 100، مما يسمح لحزب بايدن بإبقاء سيطرتهم على هذا المجلس، باعتبار أن الصوت المُرجِّح يعود إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس.
ولا يزال بإمكان الديمقراطيين الفوز بمقعد في ولاية جورجيا، حيث ستُنظّم جولة ثانية في السادس من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
تقدُّمٌ جمهوري في مجلس النواب:
أما في نتائج مجلس النواب، فلا يزال الجمهوريون متقدمين مع استمرار فرز الأصوات، وإن كان الأمر قد يتطلب بضعة أيام أخرى لمعرفة لمن ستكون الغلبة في المجلس المؤلف من 435 مقعدا.
وحسب آخر النتائج التي نشرتها وكالة أسوشيتد برس، فإن الجمهوريين فازوا بـ211 مقعدا مقابل 204 للديمقراطيين.
وتجرى انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة على جميع مقاعد مجلس النواب و35 مقعدا فقط في مجلس الشيوخ.

بايدن يستبعد تحقيق الحزب الجمهوري انتصاراً ساحقاً في انتخابات التجديد النصفي:
إذ كان الرئيس الأميركي بايدن قد أكد أن الجمهوريين لم يتمكنوا من تحقيق "موجة حمراء". في إشارة إلى اللون الذي يميز حزبهم، لكنه أعرب عن استعداده للتعاون معهم بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
كما نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية مقالاً للكاتب جوناثان فريدمان بعنوان "أداء الديمقراطيين في الانتخابات النصفية يظهر كيف يمكن هزيمة ترامب ومن على شاكلته".
ويقول الكاتب إن التطورات السياسية عالميا أثارت الكثير من القلق في السنوات الأخيرة لدرجة أنه عندما يأتي الأمل، يجب أن نتذوقه.
ويضيف أن هذا الأسبوع جاءت مجموعة من الأخبار السارة بشكل غير متوقع من الولايات المتحدة، وهي أخبار ينبغي أن تشجع معارضي تهديد الشعبوية القومية في جميع أنحاء العالم.
ويشير إلى أن الناخبين الأمريكيين أكدوا هذه النقطة قبل عامين، عندما لم يعيدوا انتخاب دونالد ترامب، لكن قلة منهم اعتقدوا أنهم سيفعلون ذلك مرة أخرى في الانتخابات النصفية.
ويقول الكاتب إن كبار الديمقراطيين كانوا مستعدين للهزيمة، ولكن الحزب فاز بالعديد من سباقات مجلس الشيوخ الأقرب وأبقى الخسائر في مجلس النواب منخفضة للغاية لدرجة أنه حتى لو سيطر عليه الجمهوريون، فلن تكون بالأغلبية المؤكدة التي أرادوها.
ويرى الكاتب أنه حتى عندما لا يكون ترامب نفسه على بطاقة الاقتراع، فإن أعدادا كافية من الأمريكيين سيرفضون "المرشحين الترامبيين" الذين انغمسوا بعمق في نظرية المؤامرة وازدراء الديمقراطية.
ويعتقد الكاتب أن الديموقراطيين أكثر تركيزا، حيث أظهروا "قدرًا لا يُصدق من انضباط الرسائل"، بحسب الاستراتيجي الحزبي ديفيد شور، متمسكين بالقضايا التي يتفق معهم الرأي العام الأمريكي، سواء كان ذلك من خلال الوظائف أو الرعاية الصحية أو حقوق الإجهاض. وقد كانت هذه القضية الأخيرة محفزة بشكل خاص، في أعقاب قرار المحكمة العليا بإلغاء حق المرأة في الإجهاض وحمايتها الدستورية لحق المرأة في إنهاء الحمل.

الديمقراطيون يفوزون بأصغر عضو في الكونغرس الأمريكي:
إذ فاز الشاب ماكسويل فروست البالغ من العمر 25 عاما بمقعد في مجلس النواب الأميركي،وتغلب فروست،الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي على الجمهوري كالفين ويمبيش، وسينتزع بذلك لقب أصغر عضو من الجمهوري ماديسون كاوثورن الذي يكبره بعامين.
و ولد ماكسويل أليخاندرو فروست في 17 يناير/كانون الثاني 1997، والدته من ولاية بورتوريكو من أصول لبنانية، ووالده من هاييتي، وتم تبنيه منذ أن كان صغيرا من امرأة كوبية تعمل معلمة، ورجل من كانساس يعمل موسيقارا.
و ظهرت ميول فروست السياسية عندما كان عمره 15 عاما بعد حادثة إطلاق النار على مدرسة ساندي هوك الابتدائية في ولاية كنتاكي في 14 ديسمبر/كانون الأول 2012، حيث قُتل 26 معظمهم أطفال في هجوم مسلح من الشاب آدم لانزا، الذي قتل أمه قبل ينتحر في النهاية.

هل تكون الانتخابات النصفية مُحركاً لترامب لإعادة ترشحه في انتخابات 2024؟:
قال جيسون ميلر، مستشار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إن الملياردير الجمهوري سيُعلن يوم الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية في أمريكا لعام 2024.
و كان ترامب قد لمّح في وقت سابق إلى إمكان ترشّحه مجدداً، قائلاً إنّه سيُدلي من مقرّ إقامته في فلوريدا بـ"إعلان كبير"، وذلك وسط شائعات حول استعداداته لخوض السباق إلى البيت الأبيض مرّة جديدة.
و جاءت تصريحات ميلر عبر بودكاست "وور روم"، الذي يُقدّمه صديق آخَر للرئيس الجمهوري السابق، هو ستيف بانون، وقال ميلر إنّ "الرئيس ترامب سيُعلن الثلاثاء أنّه مرشّح للانتخابات الرئاسيّة، وسيكون إعلاناً احترافياً جداً ومتقناً جداً".
كذلك أشار ميلر إلى أنّه التقى في وقت سابق من يوم الجمعة، و إن الرئيس السابق ترامب قد قال له : "بالطبع سأترشح، سأفعل ذلك، وأريد التأكّد من أنّ الناس يُدركون أنني متحمس وأننا بحاجة إلى إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح، الجميع يعرفون أنني سأترشح".
بايدن يُعلن نيته الترشح لولاية ثانية.. و يتعهّد ببذل الجهود لمنع ترامب من الترشح:
و كان جو بايدن، قد أعلن بالفعل، يوم الأربعاء، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن نيته الترشح لولاية رئاسية ثانية، في انتخابات 2024.
كذلك تعهد بايدن باستخدام جميع الوسائل القانونية لمنع ترامب من أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة مرة أخرى.
وخلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالعمل مع الجمهوريين وقال إنه يتفهم أن الناخبين مصابون بخيبة أمل على الرغم من أداء الديمقراطيين التنافسي المفاجئ.
وقال بايدن "لقد أوضح الشعب الأمريكي، على ما أعتقد، أنه يتوقع أن يكون الجمهوريون مستعدين للعمل معي أيضا". كما أكد نيته الترشح لولاية رئاسية جديدة في عام 2024 لكنه قال إنه سيتخذ القرار النهائي في أوائل العام المقبل.
ولم يتمكن الجمهوريون من تحقيق النصر الساحق الذي سعوا إليه، إذ تفادى الديمقراطيون الهزيمة الفادحة في انتخابات التجديد النصفي التي غالبا ما تعصف بالرئيس أيا كان الحزب الذي ينتمي إليه.
نتائج الانتخابات النصفية.. الرأي العام الأمريكي غير راضٍ عن كِلا الحزبين:
إذ قال الكاتب السياسي الأميركي، غاري أبرناثي في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الرسائل المختلطة التي أرسلها الناخبون في هذه الانتخابات تعكس حالة أمة لا تزال منقسمة بشدة، وحذرة من كلا الحزبين الرئيسيين.
ولم يتبين معظم الأميركيين الخطاب القائل "إن الجمهوريين المتطرفين دعاة: اجعلوا أميركا عظيمة مجددا" في مهمة لتدمير الديمقراطية، مثلما يصفهم الرئيس جو بايدن.
بعد استعراض بعض مظاهر الانقسام الشديد والحذر من كلا الحزبين، خلص الكاتب إلى أن البلد مرهق ويحتاج إلى استراحة من هذه الدراما السياسية، ومن الدورات الانتخابية التي لا تنتهي، ومن الخطاب الاتهامي غير المرتبط بالواقع المنبثق من كلا الجانبين.
وأضاف أن على الجمهوريين الكف عن اتهام الديمقراطيين بتزوير الانتخابات الماضية، وعلى الديمقراطيين التوقف عن اتهام الجمهوريين بتزوير الانتخابات المستقبلية.
وفي حين أنه من الواضح أن قادة الأحزاب من الجانبين لديهم عمل يتعين عليهم القيام به، يجب على الملايين من الأميركيين على مستوى القواعد الشعبية ضبط كل ذلك لفترة من الوقت وتذكير أنفسهم بأن هناك ما هو أكثر أهمية في الحياة من الاقتتال على السياسة.
ماذا تعني نتائج الانتخابات النصفية لبايدن و الحزب الديمقراطي:
إن عدم تمكن الحزب الجمهوري من إلحاق هزيمة سياسية كبيرة بالرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن و حزبه الديمقراطي لا يدل بالضرورة على رضا الرأي العام الأمريكي عن أداء الحزب الديمقراطي بعد مرور سنتين من ولاية الرئيس الديمقراطي بايدن، و إن إعطاء الناخبين الأمريكيين فرصة ثانية للحزب الديمقراطي للحصول على أغلبية في مجلس الشيوخ يعكس انعداماً في ثقة الشعب الأميركي ببعض الأفكار التي ينتهجها الحزب الجمهوري سواء في السياسية الداخلية ام الخارجية، و بالتالي فإن الرأي العام الأمريكي أنقذ الحزب الديمقراطي من هزيمةً سياسية، ليس حُباً الديمقراطيين، بل تجنباً لوصول الجمهوريين مرة أخرى إلى الأغلبية في مجلس الشيوخ َ النواب الأميركي.
يمكن أيضاً أن نضيف إلى ذلك، أن إدارة الرئيس بايدن أبدت سلوكاً جيداً نوعاً ما في إدارة الملف الاقتصادي الداخلي، و أيضاً في إدارة الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ تمكنت إدارة بايدن إلى حد الآن من الحفاظ على موازين القوى في الحرب الروسية على أوكرانيا لصالح القوات الأوكرانية التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية.
و إلى جانب هذه النجاحات النسبية، لا يمكن نسيان فشل إدارة بايدن في إدارة الملف النووي الإيراني و عدم تمكنها من الوصول إلى اتفاق يمنع إيران من استكمال برنامجها النووي و تطويره، أو يمنعها من الاستمرار في سلوكها المزعزع لاستقرار المنطقة العربية َ الشرق الأوسط من خلال تطوير الصواريخ الباليستية و دعم الجماعات المتطرفة الموالية لها في كل من سوريا و العراق و اليمن و لبنان.
عدا عن أن مجرد قيام روسيا بعزو أوكرانيا في ظل إدارة بايدن، يعكس مدى تهاون صناع القرار الروس بمدى صلابة الإدارة الأمريكية الحالية و قدرتها على الدفاع عن المصالح الاستراتيجية الأمريكية و الأمن القومي الأميركي الذي يتطلب حماية حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، و لولا أن أبدت إدارة بايدن سلوكاً حاسماً في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا لكانت قد تأكدت الاتهامات الجمهورية للديمقراطيين بالخضوع لروسيا و تهديداتها.
هل تُبشّر الانتخابات النصفية بانتصار ديمقراطي و هزيمةٍ جمهورية في انتخابات الرئاسة 2024؟:
مما لا شك فيه، أن الانتخابات النصفية الأميركية هي بمثابة استفتاء شعبي للرأي العام الأمريكي حول مدى الرضا على الحزب الحاكم (الذي ينتمي اليه الرئيس الحالي للولايات المتحدة)،فهل سيستطيع الديمقراطيون الحفاظ على نسبة الاصوات ذاتها بعد سنتين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستسبق نهاية ولاية بايدن؟
إن العوامل المؤثرة في قدرة الحزب الديمقراطي على الحفاظ على نسبة الاصوات المرتفعة في انتخابات الرئاسة 2024، هي ذاتها العوامل التي أثرت على مجرى الانتخابات النصفية، بل هي نفسها العوامل الرئيسية المؤثرة في كل انتخابات أميركية و يمكن حصرها بثلاثة عناوين رئيسية: الاقتصاد(مستوى الدخل و التضخم و الضرائب) و التشريعات الداخلية (قوانين حمل السلاح و التعليم و الإنفاق الحكومي و الإجهاض)، و السياسات الخارجية (مكافحة الإرهاب و معاداة الأنظمة الديكتاتورية، و العلاقات مع الحلفاء).
فإذا استطاعت إدارة بايدن التعامل بنجاح مع هذه العوامل الثلاثة الرئيسية بنجاح خلال السنتين القادمتين، يمكننا أن نتوقع استمرار الديمقراطيين في الحكم، و كخطوات عملية يمكن أن تدل على نجاح إدارة بايدن في إدارة الملفات التي تهم الرأي العام الأمريكي، يجب أن تركز إدارة بايدن على عدة أمور اساسية نذكر منها:
١-السعي لإدارة ملف الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل أكثر فاعلية، و التوصل إلى حل ينهي هذا الصراع الذي سبب حالة دراماتيكية من الركود و التضخم الاقتصادي و ارتفاع التهديدات الأمنية بين روسيا و الغرب بشكل كبير.
٢-اتخاذ كافة الخطوات اللازمة لتنشيط الاقتصاد الأمريكي و تجنب الدخول في حالة من ارتفاع الركود الاقتصادي بشكل يؤدي إلى الكساد الاقتصادي، الذي يعتبر كارثة على نحو كبير خصوصاً بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم.
٣-تنشيط الدبلوماسية الأمريكية و كافة وسائل الضغط و القوة الناعمة بهدف كبح جماح الطموحات الإيرانية في مجال الملف النووي و البرنامج الصاروخي و مسألة تصدير الثورة، و منع توسيع النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط و العالم العربي.
٤-إصلاح العلاقات المتدهورة مع الشركاء و الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة الاميركية لا سيما ألمانيا (التي بدأت تتخذ خطوات للتعاون الاقتصادي مع الصين) و المملكة العربية السعودية التي تعتبر الدولة العربية الأكثر تأثيراً و فاعلية في أسواق النفط و في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك بلس)، خصوصاً ان خسارة الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها و شركائها الرئيسيين ينذر بتراجع التأثير الأميركي على السياسة و الاقتصاد العالمي بشكل كبير، ما يمكن أن يعني انخفاض قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية حول العالم.
