قلقٌ أميركي من تنامي قوة الصين - كيف استطاعت الصّين أن تُصبِح المُنافس الأوّل للولايات المتحدة؟ .. هل العالم أمام نُسخةٍ جديدةٍ من الحرب الباردة؟


تقرير - مروة شاهين - بث:
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ابتعد الصراع العالمي عن التزاعات القومية و الدينية و اتخذ شكل الصراع الأيديولوجي العقائدي، و عاش العالم بأسره عقوداً من الرعب النووي خلال الصراع بين القطبين الرئيسيين الذي يتخذ أحدهما العقيدة الشيوعية الماركسية كإيديولوجية وطنية (الإتحاد السوفيتي) ، بينما يعتنق الآخر العقيدة الرأسمالية الليبرالية (الولايات المتحدة الأمريكية) ، و لم يقتصر الصراع بين هاتين الكتلتين على الصراع الفكري، بل ذهب أبعد من ذلك بكثير ليصل إلى حد وضع العالم بأسره على حافة حرب نووية مدمرة (خلال أزمة الصواريخ الكوبية).
و بعد أن طغت الحرب الباردة على ظلال السياسية العالمية لعقودٍ طويلة حملت معها حروباً لا تُحصى بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية على أراضي الدول التي يسيطر عليها الجانبين سواء من الناحية العسكرية او العقائدية، التقط العالم أنفاسه لأول مرة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية التي تمثلت بالاتحاد السوفيتي و الدول الاشتراكية التابعة له، و أعلنت الولايات المتحدة ( التي أصبحت القطب الأوحد و الاقوى في العالم) عن النظام العالمي الجديد الذي استمر حوالي ثلاثة عقود من الزمن سيطرت فيه الولايات المتحدة الأمريكية على مفاصل النظام العالمي َ فرضت إيديولوجيتها الليبرالية في كافة دول العالم تقريباً سواء بالطرق السلمية الديمقراطية أو بالقوة العسكرية (تحت غطاء التدخل الانساني و نشر الديمقراطية).
و قد عاشت الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه الفترة الممتدة منذ سقوط الإتحاد السوفيتي ( في تسعينيات القرن الماضي) و حتى أيامنا هذه، أزهى فتراتها التاريخية، إذ كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقريباً الرأس الوحيد لنظام عالمي يحكمه قُطبٌ واحد ( القطب الأميركي)، و لكن على الرغم من القوة الأميركية الجبارة التي برهنتها الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة على كافة الأصعدة السياسية و الاقتصادية و العسكرية، إلا أن العديد من الدول كانت تخطط لمواجهة الهيمنة الأميركية على العالم، و قد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية الاطاحة بالكثير من هذه الأنظمة، إلا أن بعض الدول استطاعت المُضي قدماً في إستراتيجياتها و خططها لتصل إلى مستويات متقدمة على صعيد القوة العسكرية و الاقتصادية إلى درجة استطاعت فيها أن تصبح قوة منافسة للولايات المتحدة الاميركية، و إن خير مثالٍ على ذلك، تنامي القوة الاقتصادية و العسكرية للصين، وصعودها كقوة عسكرية نووية باتت تشكل خطراً بارزاً على الأمن القومي الأميركي.
مسؤولون أميركيون: قوّة الردع الأميركية تجاه الصين تتضاءل شيئاً فشيئاً :
إذ قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن الغزو الروسي لأوكرانيا كشف عن تلاشي قوة الردع العسكري الأميركي، التي أصبحت حقيقة لا يعترف بها علنًا سوى قلة قليلة من قادة الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن الأدميرال تشارلز ريتشارد، قائد القيادة الإستراتيجية الأميركية، قوله في مؤتمر هذا الأسبوع إن "أزمة أوكرانيا التي نمر بها الآن مجرد إحماء، و الحرب الكبرى قادمة، ولن يمر وقت طويل قبل أن نُختبر بطرق لم نعرفها منذ زمن بعيد".
وقال القائد العسكري الأميركي أن الصين تعزز قدراتها العسكرية بوتيرة أسرع مما عليه الحال في الولايات المتحدة، ومع استمرار هذا الفارق، يلفت الأدميرال ريتشارد إلى أن أميركا لن يكون لديها ما يكفي من القوة لمواجهة الصين في المدى القريب.
وأشارت وول ستريت جورنال إلى أن اختبار الصين صاروخا يفوق سرعة الصوت العام الماضي تمكن من الدوران حول العالم قبل أن يعود ليسقط في الصين يعني أن تلك الصواريخ الصينية يمكنها ضرب أي مدينة أو منشأة في الولايات المتحدة، وقد يحدث ذلك من دون إمكانية رصدها.
و قالت الصحيفة بأن حقيقة كون الاختبار فاجأ أميركا وتجاوز قدراتها العسكرية أمر سيئ، مشيرة إلى أن خسارتها في سباق الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أمام الصين وروسيا أمر يستحق جلسات استماع في الكونغرس.
و في هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى تقرير مؤشر القوة العسكرية الأميركية لـ"هيريتيد فاونديشن" (Heritage Foundation) لعام 2023. و قالت أن التقرير يصف اتجاها مثيرا للقلق، إذ يصنف الجيش الأميركي بأنه "ضعيف" و"في خطر متزايد من العجز عن تلبية مطالب الدفاع عن المصالح الوطنية الحيوية لأميركا". وتصنيف الجيش اليوم بأنه "ضعيف" يعني أن قوته تراجعت عما كانت عليه قبل عام إذ كان "هامشيا"، وهذه هي المرة الأولى التي يُعطى فيها الجيش الأميركي مثل هذا التصنيف على طول تاريخ هذا المؤشر الممتد لتسع سنوات.
ويقيس المؤشر قدرة الجيش على الانتصار في صراعين إقليميين رئيسيين في وقت واحد، على سبيل المثال صراع في الشرق الأوسط وحرب في شبه الجزيرة الكورية.
ويذكر التقرير أن الجيش يخاطر بعجزه عن التعامل حتى مع صراع إقليمي كبير واحد، لأنه يحاول أيضا ردع المارقين في أماكن أخرى، كما أن ميزانيات وزارة الدفاع (البنتاغون) لا تواكب التضخم، وهذا الانخفاض حاد بشكل خاص في سلاحي البحرية والجوية.
وما بين عامي 2005 و2020 نما الأسطول الأميركي إلى 296 سفينة حربية بعد أن كان 291، بينما نما الأسطول الصيني في الفترة نفسها إلى 360 من 216، حسب هذا التقرير الذي أضاف أن الحروب لا تُكسب بالأرقام وحدها، لكن الصين تضيق أيضا على الميزة التكنولوجية للولايات المتحدة في كل مجال من مقاليع حاملات الطائرات إلى الصواريخ بعيدة المدى،
ونبهت هيريتيج إلى أن الحالة أسوا في سلاح الجو، الذي جاء تصنيفه "ضعيف جدا"، والقصة ليست أفضل بكثير للجيش، الذي فقد 59 مليار دولار من القدرة الشرائية منذ عام 2018 بسبب الميزانيات الثابتة والتضخم. ومع أن مشاة البحرية (المارينز) سجلوا تصنيفا أفضل في المؤشر المذكور باعتبارهم الفرع الوحيد الذي يصيغ وينفذ خطة للتغيير، لكن قوة المشاة انكمشت إلى 21 كتيبة بعد أن كانت 27 حتى 2011.
وختم التقرير بأنه سيتعين على الولايات المتحدة إنفاق المزيد على الدفاع إذا أرادت حماية مصالحها والوطن. فهي تنفق الآن حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ5% إلى 6% في الثمانينيات. وانتهت الصحيفة إلى أن تقرير هيريتيج تحذير من أنه لا يمكنك ردع الحرب، علاوة على الانتصار فيها، بثمن بخس.
القُوّة النووية الأميركية تتراجع لصالح الصين:
إذ حذر الأدميرال تشارلز ريتشارد قائد القيادة الإستراتيجية الأميركية "ستراتكوم" (STRATCOM) -التي تشرف على برنامج الأسلحة النووية لأميركا- من أن الصين تطور أسلحتها النووية أسرع بكثير من الولايات المتحدة، ووصف ذلك بأنه سيمثل مشكلة على المدى القريب.
وقال ريتشارد خلال محاضرة في الندوة السنوية لرابطة الغواصات البحرية، إنه بينما يقوم بتقييم مستوى ردع بلاده ضد الصين، فإن السفينة تغرق ببطء لأن بكين أسرع مما هي عليه واشنطن.
ودأبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على وصف الصين بأنها المنافس العالمي الرئيسي للولايات المتحدة، وحذرت من تطوير بكين لبرنامجها العسكري والأسلحة النووية في وثائق تشرح الإستراتيجية الدفاعية والعسكرية للولايات المتحدة صدرت في نهاية أكتوبر/تشرين الأول.
وكشفت وثيقة ضمن وثائق الإستراتيجية الدفاعية والعسكرية الأميركية تخص برنامج الأسلحة النووية للصين أن بكين تعتزم على الأرجح امتلاك ألف رأس حربي على الأقل بحلول نهاية العقد الجاري.
وحذر ريتشارد، في تصريحات خلال عام 2021، من التطور النووي الصيني، واصفا برنامجها بأنه "اختراق إستراتيجي"، قائلا إن النمو والتحديث الهائل لقوات الصين النووية والتقليدية "يمكن أن يكون فقط ما أصفه بأنه مذهل، وبصراحة قد لا تكون هذه الكلمة (مذهل) كافية".
التفوّق العسكري يُعطي الصين جُرأة كافية لتحدّي الولايات المتحدة بشكلٍ علنيّ:
إذ أجرت الصين في أغسطس /آب من العام الحالي، في خطوةٍ مثيرة للجدل، مناورات عسكرية في محيط تايوان ردا على زيارة وصفتها بالاستفزازية لوفد برلماني أميركي إلى الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها، في حين اتهمت الرئيسة التايوانية بكين بتقويض الاستقرار والسلام الإقليميين.
فقد قال الجيش الصيني حينها إن السبب في إجراء تلك المناورات قرب تايوان هو تشكيل ما وصفه برادع جدي لواشنطن وتايبيه "اللتين تواصلان لعب الحيل السياسية وتقويض السلام والاستقرار" عبر مضيق تايوان.
إذ لا تعترف بكين باستقلال تايوان وتعدها جزءا من الأراضي الصينية، وترفض أي محاولات لانفصالها عنها، وفي المقابل لا تعترف تايوان بحكومة بكين المركزية.
إدارة بايدن تستخّفُ بتنامي قوّة الصين:
و حول الموقف الأميركي تجاه التحركات الصينية في مضيق تايوان و منطقة بحر الصين الجنوبي قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه ليس قلقا بشأن الوضع في تايوان، لكنه قلق من تحركات الصين في المنطقة، وأضاف بايدن:"أنا قلق من تحركات الصين لكنني لا أعتقد أنهم سيفعلون أي شيء أكثر مما يفعلون، و قد أدان البيت الأبيض ما أسماها أفعال الصين التصعيدية والاستفزازية وغير المسؤولة حول تايوان.
وأضاف في بيان أن أفعال الصين تتعارض مع هدفنا البعيد في الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وأكد البيت الأبيض أنه لا حاجة للتصعيد مع الصين، وأنه سيبقي قنوات الاتصال مفتوحة معها.
في حين قالت وزارة الدفاع الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنها تتوقع أن تضاعف الصين حجم ترسانتها النووية أربع مرات بحلول نهاية العقد الحالي. وقال الأمريكيون إن الصين "تنوي على الأغلب أن يكون لديها ألف رأس نووي على الأقل بحلول عام 2030."
فيما وصفت وسائل الإعلام الصينية الرسمية (التابعة للحزب الشيوعي الحاكم) تلك الادعاءات الأمريكية بأنها "محض تكهنات متهورة ومتحيزة"، مضيفة أن قوات الصين النووية ستبقى "على أقل مستوى ممكن".
ولكن خبراء في معهد بحوث السلام الدولي في ستوكهولم، الذين ينشرون تقارير سنوية متخصصة في تقييم المخزون الذي تحتفظ به الدول المختلفة من الأسلحة النووية، يقولون إن الصين عمدت إلى زيادة عدد الرؤوس النووية لديها في السنوات الأخيرة.
الصين تدعمُ البرنامج النووي لكوريا الشمالية ضدّ حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا:
إذ تشكل كوريا الشمالية و برنامجها النووي و الباليستي مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، إذ أن كوريا الشمالية هي من الدول القليلة التي لا زالت تطبق نظام الحكم الشيوعي و تعتنق الأيديولوجية المعادية للولايات المتحدة الاميركية و نظامها الليبرالي، و تعتبر الصين من أكبر أبرز الداعمين للبرنامج النووي الكوري الشمالي.
و كخطوةٍ للرد على دعم الصين لكوريا الشمالية، تجري الولايات المتحدة الأمريكية بشكل روتيني تدريبات و مناورات عسكرية في شرق آسيا مع الدول التي تشكل كوريا الشمالية تهديدا عليها ( اليابان و كوريا الجنوبية).
و على إثر هذا ك، دعت كوريا الشمالية الاسبوع الماضي ، الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى وقف التدريبات العسكرية الواسعة النطاق في المنطقة، ووصفتها بأنها استفزاز قد يستدعي "إجراءات متابعة أقوى" من بيونغ يانغ.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الكورية الشمالية نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية أن "الوضع في شبه الجزيرة الكورية ومحيطها دخل مرحلة المواجهة الخطيرة… بسبب التحركات العسكرية المتواصلة والمتهورة للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية".
وبدأت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واحدة من أكبر المناورات الجوية العسكرية المشتركة أمس الاثنين نفذت فيها مئات الطائرات الحربية من الجانبين تدريبات على هجمات على مدار الساعة طوال الجزء الأكبر من الأسبوع.
وقالت القوات الجوية الأميركية إن العملية التي يطلق عليها اسم "عاصفة اليقظة" ستستمر لمدة أسبوع ويشارك فيها نحو 240 طائرة حربية تقوم بنحو 1600 طلعة جوية.
وقال بيان وزارة الخارجية الكورية الشمالية إن البلاد "مستعدة لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن سيادتها وأمن شعبها وسلامة أراضيها من التهديدات العسكرية الخارجية".
وأضافت الخارجية الكورية الشمالية "إذا استمرت الولايات المتحدة في الاستفزازات العسكرية الخطيرة" فإن البلاد ستأخذ في اعتبارها اتخاذ "إجراءات متابعة أقوى.
وقالت الوزارة في بيانها "إذا كانت الولايات المتحدة لا تريد أي تطورات خطيرة لا تتناسب مع مصالحها الأمنية، فعليها وقف المناورات الحربية غير المجدية وغير الفعالة في الحال. وإذا لم تفعل، سيتعين عليها تحمل المسؤولية الكاملة عن كل العواقب".
و نددت كوريا الشمالية بالمناورات المشتركة باعتبارها تدريبا على الغزو ودليلا على سياسات عدائية من واشنطن وسيول، وأطلق الشمال صواريخ وقذائف في البحر وأجرى تدريبات جوية ردا على المناورات.
كما أعلن جيش كوريا الجنوبية أن كوريا الشمالية أطلقت 4 صواريخ باليستية قصيرة المدى في البحر، ما أضاف إلى وابل من عروض الأسلحة هذا الأسبوع التي زادت التوترات في المنطقة.
وذكرت هيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية أن الصواريخ انطلقت على بعد حوالي 130 كيلومترا (80 ميلا) باتجاه البحر الغربي لكوريا الشمالية.
وأطلقت كوريا الشمالية هذا الأسبوع عشرات الصواريخ في البحر، بما في ذلك صاروخ باليستي عابر للقارات أدى إلى تحذيرات بالإخلاء في شمال اليابان، وسيرت طائرات حربية داخل أراضيها.
ووصفت كوريا الشمالية أعمالها العسكرية بأنها رد مناسب على التدريبات الجوية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، والتي وصفتها بأنها عرض لـ"هستيريا المواجهة العسكرية" الأميركية.
التنافس الصيني الأمريكي.. هل يتّجهُ العالمُ نحو حربٍ باردةٍ جديدة؟:
ثلاثةُ عقودٍ مضت منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، و عاش العالم فترةً من الراحة النسبية التي سادت فيها الهيمنة الأمريكية على الميادين السياسية و الاقتصادية و الدبلوماسية الدولية، و لعبت الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الفترة دور شُرطيّ العالم، إذ لم تبقى سوى بقع صغيرة على الكوكب لم تصبح خاضعة للهيمنة الأميركية.
و لكن صعود قوى منافسة للولايات المتحدة الاميركية يُنذر بعودة الصراع من جديد، لا سيما أن الصراع قد بدأ بالفعل، إذ أن حرب روسيا على أوكرانيا ليست سوى تحدٍ روسي للهيمنة الأميركية على منطقة أوروبا الشرقية و سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضم أوكرانيا إلى المعسكر الأميركي المتمثل بحلف شمال الأطلسي.
الا أن ما يميز الصين عن روسيا كقوةٍ منافسة للولايات المتحدة الاميركية، أن روسيا هي دولة عسكرية قوية ذات اقتصاد ضعيف، بينما الصين تمتلك كافة أدوات المنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية سواء من الناحية الاقتصادية و العسكرية و التقنية، ما يجعل الخطر الصيني على هيمنة أميركا على النظام العالمي أكبر بكثير من الخطر الروسي.
و قد شكلت الفترة الماضية الممتدة منذ بداية حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بداية للحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين، لا سيما بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق بدء الحرب التجارية على الصين و التي تمثلت بالعقوبات الأميركية على العديد من الصناعات التقنية الصينية و لا سيما شركة هواوي الصينية الشهيرة التي أنهكتها العقوبات، إضافة إلى رفع التعرفات الجمركية على البضائع الصينية التي يتم تصديرها للولايات المتحدة الاميركية.
و قد شكلت حرب المناورات العسكرية توترا كبيراً في منطقة بحر الصين الجنوبي، إذ تتوالى المناورات العسكرية الصينية و الأميركية بشكل كبير، على خلفية الصراع حول طرق التجارة العالمية و أزمة تايوان، ما زاد التوترات العسكرية بين الصين و الولايات المتحدة بشكل كبير، إذ توصلت حالة التوتر إلى تهديد الصين باستهداف السفن الحربية الأميركية التي تمر في مضيق تايوان الذي تعتبره الصين منطقة سيادية تابعة لها.
و إن التطورات الأخيرة في ما يخص الأزمة الروسية الأوكرانية قد هزت هيبة الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً و سياسياً و سببت في أزمة تسرب لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية لصالح الصين، إذ اتخذت ألمانيا التي تعتبر صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، خطوات نحو إصلاح علاقتها مع الصين و تعزيز التعاون معها على الصعيدي الاقتصادي و السياسي، ما يُنذِر أن الصين تستطيع أن تستمر في سحب حلفاء واشنطن إلى صفّها، في إطار سعيها لإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد الذي تسعى الصين إلى تشكيله بعيداً عن الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة الاميركية على مفاصل هذا النظام، و إن السعي الصيني لتشكيل هذا النظام الجديد، سوف يتسبب حتماً لا محالة في بدء حرب باردةٍ جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تكون فيها الصين المنافس الأول للولايات المتحدة الاميركية من خلال إعادة تشكيل الأحلاف السياسية و العسكرية عبر ضمّ الدول المعادية للولايات المتحدة الاميركية ( بما فيهم روسيا و كوريا الشمالية) إلى المعسكر الصيني، إضافة إلى محاولة الصين لإفقاد الولايات المتحدة الكثير من حلفائها عبر اجتذابهم بشتّي الطرق نحو الكتلة الحليفة للصين.