شَبحُ المجاعةِ يعود من جديد.. لِمَاذا علّقت روسيا اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية؟ ما هوالمصير؟

تقرير - مروة شاهين - بث:
أعلن الجيش الروسي منذ يومين أنه صدّ هجومًا بمسيّرات استهدف أسطوله في خليج سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم متسبّباً بأضرار في إحدى السفن، واتهم أوكرانيا وبريطانيا بالوقوف وراءه.
و على إثر هذا، طلبت روسيا عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي يناقش الهجوم على أسطولها الحربي في شبه جزيرة القرم، وهو ما دفعها للانسحاب من اتفاق إسطنبول لتصدير الحبوب الأوكرانية.

إتهامٌ روسيّ لبريطانيا بالوقوف وراء الهجوم:
وقال ديمتري بوليانسكي نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة إن موسكو طلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الاثنين المقبل لمناقشة الهجوم بالمسيرات على أسطول البحر الأسود التابع للجيش الروسي، والذي اتهمت موسكو كلا من كييف ولندن بالمسؤولية عنه.
ووجهت روسيا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قالت فيها إنها علقت مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، لأنها "لم تعد قادرة على ضمان سلامة السفن المدنية التي تبحر في الممر الإنساني وفقا للاتفاق".
و كان الطرفان قد وقّعا في إسطنبول في 22 يوليو/تموز الماضي اتفاقاً لحل أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية بوساطة تركية ورعاية أممية بعد زهاء 4 أشهر من المفاوضات، وأعلنت روسيا، تعليق مشاركتها في تفاق تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية الذي رعته الأمم المتحدة، وذلك بعد استهداف الاسطول الروسي في البحر الأوسط بشبه جزيرة القرم.
ومنذ أن وقعت روسيا وأوكرانيا على مبادرة حبوب البحر الأسود المدعومة من الأمم المتحدة، صدرت أوكرانيا ملايين الأطنان من الذرة والقمح ودوار الشمس والشعير وبذور اللفت والصويا.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن بلادها تعتزم "لفت انتباه المجتمع الدولي إلى تورط بريطانيا في سلسلة من الهجمات الإرهابية".

وأوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية أن الخبراء العسكريين البريطانيين خططوا وأداروا الهجوم على الأسطول الروسي انطلاقا من مقاطعة ميكولايف جنوبي أوكرانيا.
وأوضحت روسيا أن سفنها التي استُهدفت بمسيّرات في ميناء سيفاستوبول كانت مشاركة في تنفيذ اتفاق إسطنبول الخاص بتصدير الحبوب الأوكرانية، إذ كانت مهمة سفن أسطول البحر الأسود تأمين ممر الحبوب الأوكرانية.
وأفادت وزارة الدفاع الروسية بأن كاسحة الألغام "إيفان غولوبيتس" تعرضت لأضرار طفيفة جراء هجوم اليوم بطائرات مسيرة.
انسحابُ روسيا من اتفاق الحبوب يُنذِر بعودة شبح المجاعة من جديد:
و تشكل شبه جزيرة القرم مقراً للأسطول الروسي في البحر الأسود، وقاعدة خلفية لوجستية للحرب الروسية على أوكرانيا، وقد استُهدفت منشآت عسكرية ومدنية في القرم 10 مرات منذ يوليو/تموز الماضي، و يشكل الهجوم الأخير على الأسطول الروسي في البحر الأسود تهديداً خطيراً الإمدادات العسكرية و اللوجستية للقوات الروسية الموجودة في أوكرانيا.
وعقب إعلان وقف مشاركتها في اتفاق إسطنبول، قالت الأمم المتحدة إن "من الضروري أن يمتنع الجميع عن أي إجراءات قد تهدد اتفاق الحبوب"، وأضاف متحدث باسم المنظمة أن "اتفاق الحبوب له تأثير إيجابي واضح على حصول الملايين في العالم على الغذاء".
أوكرانيا تُطالب الدول الغربية باستبعاد روسيا من مجموعة الـ20 :
وفي كييف، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن تعليق روسيا اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية كان متوقعا، ويتطلب ردا دوليا قويا، داعيا إلى استبعاد روسيا من مجموعة الـ20 "طالما تسعى عمدا للتسبب بمجاعة واسعة".
وصرح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بأن بلاده حذرت سابقا "من خطط روسيا لإفشال اتفاق تصدير الحبوب"، متهما موسكو باستخدام ذريعة كاذبة لإغلاق ممر الحبوب، ودعا جميع الدول لمطالبة روسيا بإعادة التزامها بالاتفاق.
وقالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن التكتل يحذر جميع الأطراف من "اتخاذ إجراءات أحادية من شأنها تعريض مبادرة شحن الحبوب عبر البحر الأسود للخطر".
كاتبٌ أميركي: البحر الأسود قد يُصبِحُ ملعباً للصّراع العالميّ:
إذ توقّع ماكسيميليان هيس، الباحث البريطاني بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، شؤون آسيا الوسطى، أن يهدد توازن القوى غير المستقر حول البحر الأسود بتحويله لمنطقة صراعات كبرى أخرى.
و يقول هيس، في مقالٍ له نُشر في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن الحروب التجارية المحتملة، واستغلال النفوذ التركي، وزيادة انتقام الكرملين، والهجرة، جميعها ليست سوى بعض التهديدات التي تواجهها منطقة البحر الأسود، التي كانت أكثر المياه دموية في العالم منذ الحرب الباردة، وليس فقط بسبب أوكرانيا.
وأشار إلى أن غرق سفينة أسطول البحر الأسود الروسي "موسكفا" في 14 أبريل/نيسان الجاري دخل التاريخ، لكونها أكبر سفينة عسكرية دُمرت في الصراع منذ الحرب العالمية الثانية، ورأى ادعاء أوكرانيا بأنها أغرقت السفينة باثنين من صواريخ "نبتون" بمنزلة صدمة خاصة لروسيا أدت إلى إعادة تقييم قدراتها الدفاعية الساحلية، وعلى وجه الخصوص، قدرتها على تأمين شواطئها الجنوبية الغربية. ومع ذلك، فإن كون هذا الغرق التاريخي قد حدث على أمواج البحر الأسود، قد أثار اهتماما أقل مما يستحق.

و لا يزال يُنظر إلى البحر الأسود على أنه مصدر قلق ثانوي إلى حد كبير. هذا على الرغم من وقوع 10 حروب مذهلة على ساحله أو بالقرب منه منذ نهاية الحرب الباردة، أكثر من أي مساحة بحرية أخرى في العالم: صراع ترانسنيستريا في مولدوفا، الحرب الجورجية الأبخازية، الحرب الأهلية الجورجية، الحرب الروسية الجورجية، الحربان الشيشانية الأولى والثانية، الحربان الروسية الأوكرانية 2014 و2022، والحربان الأرمنية الأذربيجانية الأولى والثانية على ناغورني قره باغ.
وقال الكاتب إن ذلك لا ينبغي أن يمثل مفاجأة؛ فالبحر الأسود، بعد كل شيء، هو المكان الذي تلتقي فيه العديد من كبرى القوى في العالم: روسيا، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية مع العلم بأنه لا تتمتع أي من هذه القوى بالهيمنة على هذا البحر.
ويشير ماكسيميليان إلى أنه من أجل الاستعداد بشكل أفضل للتصعيد المحتمل لهذه القضايا الأمنية على طول البحر الأسود، من المهم أن نفهم تركيبة القوى في المنطقة، ومصالحها الخاصة، ولماذا أثبتت عدم قدرتها على الحفاظ على سلامتها حتى الآن.
ويقول ربما كان أحد أهم التحولات الإستراتيجية هو انضمام بلغاريا ورومانيا إلى الناتو عام 2004، ثم الاتحاد الأوروبي بعد ذلك بـ3 سنوات. وفي حين أن تركيا واليونان كانتا عضوتين منذ فترة طويلة في الناتو، فإن التوترات بينهما غالبا ما جعلت التعاون في المنطقة محدودا.
ومع ذلك، فإن تصرفات روسيا في أوكرانيا، فضلا عن غزوها جورجيا عام 2008، كانت مدفوعة جزئيا -على الأقل- بالاعتقاد بأنها بحاجة إلى إعادة ترسيخ أمنها بإبعاد الغرب عن البحر الأسود. وقد أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك بوضوح في خطابه -في مؤتمر ميونيخ الأمني لعام 2007- الذي تحسر فيه أيضا على قرارات روسيا بسحب القواعد السوفياتية القديمة من مولدوفا وجورجيا في السنوات السابقة.
و في العام التالي، سعت موسكو إلى إعادة تأسيس نفسها بوصفها لاعبا أمنيا رئيسيا على البحر الأسود من خلال غزوها جورجيا، وتدمير أسطول تبليسي الصغير لخفر السواحل، وقصف ميناء بوتي الرئيسي، وإضفاء الطابع الرسمي على السيطرة على أبخازيا بالمنطقة الواقعة على الشواطئ الشرقية للبحر الأسود.
كذلك نلاحظ أن الصين قد وصلت بوصفها قوة ناشئة في منطقة البحر الأسود، حيث يجلس هذا البحر بثبات في إستراتيجية الحزام والطريق لتوسيع الاستثمار في البنية التحتية وتطوير شبكات التجارة، لا سيما في جورجيا وبلغاريا وتركيا، رغم الصعوبات المفاجئة في رومانيا وأوكرانيا.
ويفسر الكاتب التغاضي عن البحر الأسود باعتباره مساحة إستراتيجية وعن معاناته كثيرا من الصراعات بشواطئه التي تمثل أكبر تركيز جغرافي للقوى الكبرى المتغيرة. ويمكن القول إن حقيقة أن البحر الأسود يمثل هذا الالتقاء للقوى هي في الوقت نفسه العامل الرئيسي لزعزعة استقراره. ويبدو أن هذه القوى المتغيرة ستستمر في التجمع والاشتباك فيه وحول سواحله.
وعلى الرغم من عدم ارتباطه عادة بمناقشة الحروب التجارية على غرار الطرق البحرية الأخرى، مثل مضيق ملقا وقناة السويس، فإنه من الواضح أنه لا يتم النظر للبحر الأسود بما يستحقه، خاصة إذا نظرنا إلى الحمولة الهائلة التي تمر عبره؛ إذ سجل طريق بحر الشمال الروسي، الذي نال الكثير من الاهتمام، رقما قياسيا في الحمولة بلغ 34.9 مليون طن متري من البضائع عام 2021، في حين مر 898 مليون طن إجمالي عبر بوابة الدردنيل في البحر الأسود عام 2021، أي نحو 70% من 1.27 مليار طن متري في السويس.
نتائج التحقيقات الروسية تُظهِ ضلوعاً غربياً في الهجوم على أسطولها في البحر الأسود:
إذ أعلنت روسيا أنها عثرت على حطام المسيرات التي هاجمت أسطولها في سيفاستوبول، مشيرة إلى أنها انطلقت من منطقة آمنة لتصدير الحبوب.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها عثرت على حطام المسيرات التي استخدمت في الهجوم على أسطولها في البحر الأسود أمس السبت، مضيفة أنها تعمل على تحليل الحطام.
وأكدت الوزارة أن المسيرات التي نفذت هجوم القرم تحتوي على وحدات ملاحية كندية الصنع، مشيرة إلى أن إحدى المسيرات انطلقت من سفينة مدنية تشارك في نقل الحبوب من أوكرانيا.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أن سبب تعليق روسيا مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، هو ما نفذته القوات الأوكرانية بتوجيه من متخصصين بريطانيين ضد أسطول البحر الأسود وسفنٍ مخصصة لضمان أمن ممر الحبوب.
بالإضافة إلى اتهام بريطانيا في الضلوع بالهجوم على الأسطول الروسي في ميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، اتهمت وزارة الدفاع البحرية البريطانية بالضلوع في تخطيط ودعم وتنفيذ هجوم إرهابي في بحر البلطيق يوم 26 سبتمبر/أيلول من هذا العام بتفجير خطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2".
و رداً على هذه الاتهامات، قالت وزارة الدفاع البريطانية إن الأمر يتعلق بـ"ادعاءات خاطئة بهدف تحويل الانتباه عن التعامل الكارثي لروسيا مع الغزو غير القانوني لأوكرانيا"، وأضافت وزارة الدفاع البريطانية أن "القصة التي اختلقتها تكشف عن المزيد من البراهين التي تدين الحكومة الروسية وليس الغرب" في تفجيرات نورد ستريم.
غضبٌ غربيّ من روسيا إثر إعلان انسحابها من اتفاق تصدير الحبوب:
و في أول ردة فعل أميركية على القرار الروسي، قال الرئيس الأميركي إن القرار الروسي شائن، وسيؤدي إلى زيادة المجاعة حول العالم، على حد تعبيره.
واستنكر بايدن موقف روسيا، قائلا "لا يوجد سبب للقيام بذلك؛ فهم يبحثون دائما عن أسباب ليقولوا إن ما أدى إلى فعلهم شيء فظيع هو أن الغرب دفعهم إلى ذلك".
وكذلك قال البيت الأبيض إن روسيا تستخدم الغذاء سلاحا، وهو ما كرره أيضا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وقال بلينكن إن "أي إجراء من جانب روسيا لتعطيل هذه الصادرات المهمة من الحبوب هو في الواقع بيان مفاده أن على الناس والعائلات في جميع أنحاء العالم: إما أن يدفعوا المزيد مقابل الغذاء، أو يتضوروا جوعا".
من جهته، دعا مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا إلى التراجع عن قرار تعليق العمل باتفاق تصدير الحبوب.
وقال بوريل إن قرار روسيا "يعرض للخطر طريق التصدير الرئيسي للحبوب والأسمدة التي تشتد الحاجة إليها لمواجهة أزمة الغذاء العالمية الناجمة عن حربها ضد أوكرانيا".
تُركيا تعودُ من جديد إلى اتخاذ وضعيّة الوسيط بين روسيا و الغرب:
و في سياق المحاولات لإنقاذ اتفاق تصدير الحبوب، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية عن مصدر في إسطنبول أن تركيا بصدد إجراء اتصالات دبلوماسية على جميع المستويات بشأن اتفاق تصدير الحبوب، وأضاف المصدر أن الآمال ما زالت قائمة في إمكانية إنقاذ الاتفاق.
وفي كييف، أكد وزير البنى التحتية الأوكرانية أولكسندر كوبراكوف اليوم الأحد أن تعليق روسيا العمل باتفاق يتيح تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية يجعل مغادرة الناقلات المحمّلة بهذه المنتجات أمرا "مستحيلا".
وكتب على تويتر إن ناقلة بضائع صب محمّلة بـ40 طنا من الحبوب كان يفترض أن تغادر أوكرانيا اليوم، وهي محملة بمواد غذائية مخصصة للإثيوبيين الذين باتوا على حافة المجاعة، لكن نتيجة إغلاق روسيا ممر الحبوب فإن التصدير أمر مستحيل.
مساعٍ أممية لإنقاذ العالم من أزمةٍ غذائية محتملةٍ في حال توقّف تصدير الغذاء من أوكرانيا:
و قالت الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا إنها تخطط لمواصلة حركة سفن الشحن عبر البحر الأسود على الرغم من تعليق روسيا لصفقة تصدير الحبوب الأوكرانية.
و أرجأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، زيارته لحضور قمة جامعة الدول العربية بالجزائر في محاولة لإنقاذ اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا بعد أن أعلنت روسيا انسحابها من الاتفاق ووقف الصادرات.
و أعلنت تركيا أن وزير دفاعها خلوصي آكار يبذل جهوداً لاستئناف "اتفاق الحبوب" بعد تعليق موسكو له على خلفية هجمات شهدتها مدينة سيفاستوبول جنوبي شبه جزيرة القرم.
وقال بيان لوزارة الدفاع التركية، إن "آكار" يواصل مباحثاته مع "الجهات المعنية" لحل المشكلة، واستئناف أنشطة مبادرة الحبوب التي نُفِّذت عبر التنسيق المشترك حتى اليوم، مطالبا بأهمية استمرار الاتفاق "لما له من تأثير إيجابي على الإنسانية في أنحاء العالم، وإمكانية حل الأزمات كافة عبر الحوار والنوايا الحسنة".
وطالب بضرورة تجنب "أي استفزاز" من شأنه أن يؤثر سلباً على استمرار الاتفاق، في الوقت الذي كشف البيان أن الموظفين الروس العاملين في مركز التنسيق المشترك بإسطنبول لا يزالون في أماكن عملهم.
استجابة روسية" مشروطة" للعودة إلى اتفاق تصدير الحبوب:
إذ كشف نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودنكو، أن الحديث عن عودة روسيا إلى اتفاق الحبوب من الممكن أن يحدث بعد معرفة ملابسات الهجوم على سفن أسطول البحر الأسود في مياه سيفاستوبول.
وقال رودنكو في حديث نقلته وكالة "نوفوستي" الروسية، إنه "على الأرجح فقط بعد أن تصبح كل التفاصيل معروفة، بحيث من الممكن التحدث عما ستكون عليه الخطوات التالية"، معتبرًا أنه من الضروري الكشف بالتفصيل عن جميع ملابسات الحادث لأنه "ينتهك جميع الشروط التي تم الاتفاق عليها في وقت سابق".
تمديد تداعيات الحرب لتشمل كافة دول العالم.. هل يؤدي التنافر الروسي الغربي إلى أزمة غذاءٍ عالمية؟:
إذ يُنذر تعليق اتفاق تصدير الحبوب بعودة حالة الهلع العالمية جراء مخاوف نقص الأغذية في العالم، لا سيما أن أوكرانيا كانت تُلقب ب" سلة الخبز"، كون اغلب دول العالم و خصوصاً دول أوروبا تعتمد بشكل كبير على أوكرانيا في استيراد القمح و الحبوب الأساسية بالإضافة إلى الزيوت النباتية التي تُعدّ من أهم السلع الغذائية التي تُصدرها أوكرانيا إلى كافة دول العالم.
و إن روسيا من خلال تعليق تنفيذ اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية توجه ضربة جديدة إلى الاقتصاد العالمي، إذ أنها استطاعت سابقاً أن تسبب أزمة طاقة في دول الاتحاد الأوروبي نتيجة قطع جزء كبير من الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، و قد تسبب نقص الإمدادات الروسية أيضا بأزمة عالمية جراء ارتفاع أسعار النفط و الغاز الطبيعي بشكل جنوني.
و إن روسيا التي تحاول الضغط على الغرب و بخاصة الدول الأوروبية بشتّى الطرق، يبدو أنها قد بدأت تفقد الأمل في امكانية التوصل إلى حالة من الضغط الكافي على الدول الأوروبية في ملف الطاقة، إذ أن الدول الأوروبية و على الرغم من تضررها الكبير من نقص الإمدادات الروسية، لا زالت حتى الآن قادرة على إدارة الأزمة بدون الاضطرار للخضوع إلى موسكو بغية زيادة إمدادات الغاز إلى اوروبا، لا سيما أن الدول الأوروبية قد أمنّت و لا تزال تسعى إلى تأمين مصادر بديلة للطاقة و الغاز الطبيعي بعيداً عن روسيا، ناهيك عن أن المخزونات الاستراتيجية لأوروبا من النفط والغاز الطبيعي سوف تساعدها بشكل كبير في احتواء أزمة الطاقة و الكهرباء خلال فصل الشتاء القادم.
لذا، يبدو أن روسيا تتجه الآن إلى إلى الضغط على الغرب بواسطة ملفات أخرى بمعزلٍ عن ملف الطاقة، و إن بوصلة الضغط الروسي حالياً تتجه إلى ملف الغذاء، إذ تسعى روسيا إلى استخدام نفوذها السياسي و العسكري في البحر الأسود للتحكم في تصدير الحبوب الأوكرانية إلى العالم بأسره.
و إن الدول الغربية التي تعاني من أزمة تضخم حادة جراء ارتفاع أسعار الطاقة و الغذاء سوف تتضرر كثيراً من تداعيات القرار الروسي، لاسيما أن التضخم و الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الدول الغربية سببت اضطرابات سياسية في دول الاتحاد الأوروبي خصوصاً في بريطانيا التي شهدت تغيير ثلاث رؤساء حكومات منذ بدء الحرب في أوكرانيا و حتى الآن، فضلاً عن تراجع شعبية الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب تداعيات الأزمة في أوكرانيا.
و لهذه الأسباب و غيرها، سوف تبذل الدول الغربية كل ما في وسعها لإنقاذ اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية لتجنب الدخول في أزمة غذاء عالمية قد تسبب اضطرابات سياسية و اقتصادية لا تُحمد عقباها، فهل تنجح الوساطات التركية و الأممية في إنقاذ الاتفاق و تجنيب العالم شبح المجاعة، أم يصبح الغذاء سلاحاً إستراتيجياً جديداً تستخدمه روسيا للضغط على الغرب بهدف رفع العقوبات الغربية عنها بغضّ النّطر عن التداعيات الانسانية المدمرة لإيقاف تصدير السلع الغذائية عبر البحر الأسود؟.