الغازِ و انتخابُ الرئيسِ و الإتفاقُ مع صندوقِ النقد..كيف تسيرُ هذه الخطواتِ و ما هيَ مآلاتُها ع في لُبنَان؟

news image

تقرير - مروة شاهين - بث: 
بعد إخفاق مجلس النواب اللبناني خلال أربع جلسات على التوالي في اختيار رئيس للبلاد، بدأ رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالسعي لإجراء حوار بهدف تأمين أوسع تأييد نيابي لانتخاب رئيس توافقي.
 

وأكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أنّه "لن يقف مكتوف اليدين" إزاء استمرار تعثّر جلسات انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس الحالي ميشال عون.
و أكّد بري إنه سيسعى، بعد انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس في 31 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لـ"استمزاج آراء الكتل النيابية وقادة الأحزاب حول الدعوة إلى حوار مفتوح يُراد منه تعبيد الطريق لتكون سالكة أمام انتخاب الرئيس، وقطع الطريق على تمديد مفتوح للشغور الرئاسي". 
ولفت إلى أنّ الحوار الذي يسعى له يأتي تحت عنوان "تأمين أوسع تأييد نيابي لانتخاب رئيس توافقي"، معتبراً أنّ "التحدّي في عدم إغراق لبنان المأزوم في مزيد من الأزمات"، وأنّ المطلوب اليوم "وقف الانهيار غير المسبوق كشرط أساسي للانتقال به إلى مرحلة التعافي".
وبالنسبة إلى أزمة تشكيل الحكومة، أكد رئيس مجلس النواب أنه "لا يتدخل في تشكيلها"، وأنّه "يواكب من كثب ما آلت إليه المشاورات حتى الساعة بهذا الخصوص".
صندوق النقد الدولي يُعاود تنشيط تحركاته في الملف اللبناني:
إذ استقبل رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فريد بلحاج والمدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه، وعرض معهما للتعاون القائم بين الحكومة اللبنانية والبنك الدولي.
وشكر الرئيس عون بلحاج على "الاهتمام الذي يبديه البنك الدولي دائما لحاجات لبنان"، معتبرا ان "مرحلة اقتصادية جديدة سيعيشها لبنان بعد البدء بالتنقيب عن النفط والغاز، واستثمار الثروة الطبيعية له". واعتبر ان "دعم البنك الدولي دليل ثقة بلبنان على رغم الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها".


كما اعلن نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج ان "البنك الدولي، وفي هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان، مستعد لتقديم تمويل مهم للشعب اللبناني تتراوح قيمته بين ٣٠٠ و٥٠٠ مليون دولار أميركي، يخصص لموضوع التغطية الإجتماعية الذي هو جد مهم، خصوصا مع ازدياد نسبة الفقر ، ولمشاريع آخرى تتعلق باستدامة الغذاء والزراعة المستدامة". واوضح بان "البنك الدولي والحكومة اللبنانية سيعملان معا للمضي قدما في مشاريع مهمة في ميدان التغطية الإجتماعية والزراعة المستدامة. وأريد مرة آخرة ان أعرب عن دعم البنك الدولي للبنان وللشعب اللبناني في السراء والضراء".
وبعد لقائه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على راس وفد من البنك الدولي في السراي الحكومي، لفت بلحاج الى ان "اللقاء كان بناء وايجابي مع ميقاتي، أعطانا الفرصة للبحث في مدى عمق التعاون بين البنك الدولي ولبنان. ولطالما كان البنك الدولي داعما للبنان وللشعب اللبناني".
وردا على سؤال عن تمويل البنك الدولي لملف استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن، ذكر بأن "موضوع الطاقة والكهرباء في لبنان هو موضوع قديم، وكان البنك الدولي شريكا مع الحكومات اللبنانية المتتالية منذ العام ٢٠٠٢، وهناك إصلاحات مهمة يجب على الدولة اللبنانية اتخاذها، ونحن نسير مع الحكومة في هذه الاصلاحات وعندما تصل الى مستوى من التمكن الذي يعطينا القدرة على النظر بإيجابية الى امكانية المضي قدما في دعم هذا المجال، فنحن مستعدون للدعم، ولكن هذه الإصلاحات لا تزال بعيدة اليوم، ومنها مسألة التدقيق في الحسابات في مؤسسة كهرباء لبنان، الهيئة الناظمة للكهرباء وتصحيح الأسعار وهذه كلها غير موجودة". واوضح ان هذه الاصلاحات يمكنها أن تفتح الباب أكان للبنك الدولي او لشركاء آخرين في دعم قطاع الكهرباء اكثر في لبنان.
كما صرح بلحاج ان" قيمة دعم البنك الدولي للبنان زادت عن السنة الماضية حيث بلغ دعم التغطية الإجتماعية نحو ٢٤٦ مليون دولار، ثم خصصنا قرضا قدره نحو ١٥٠ مليون دولار للأمن الغذائي. وهذه السنة نحن مستعدون لتقديم ما بين ٣٠٠ و٥٠٠ مليون دولار لإعطاء أمكانات للشعب اللبناني وللشرائح الضعيفة منه، ونحن نحاول أن ندعم الشعب والحكومة اللبنانية في هذا الظرف الدقيق".
ولفت بلحاج في خلال الاجتماع الذي عقده مع رئيس الجمهورية الى انه كان في لبنان في بداية عهد الرئيس عون، وهو اليوم في لبنان أيضا في نهاية العهد، شارحا ما قدمه البنك الدولي من قروض ميسرة للبنان، لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت وجائحة كورونا، حيث كان لبنان اول بلد ينال مساعدات من البنك لتأمين اللقاح ضد الجائحة. كما شملت تقديمات البنك الدولي تمويل مساعدات غذائية وفي مجالي التنمية المستدامة والتغذية.
وأشار الى ان "التعاون الدولي مهم لخدمة التطورات التي ستحصل بعد ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وبدء التنقيب عن الغاز والنفط في الحقول اللبنانية البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة الجنوبية".
و لكن ما هي شروط البنك الدولي لمساعدة لبنان؟ 
البنك الدولي و المؤسسات المالية و النقدية العالمية ليست مؤسسات خيرية، فهي مؤسسات تهدف إلى إقراض الدول المتعسّرة مالياً و اقتصادياً لمساعدتها على النهوض بواسطة قروض ميسرة طويلة الأجل و بفوائد يمكن أن تُعدّ منخفضة إلى حد ما مقارنة بالفوائد التي تأخذها المصارف التجارية. 
ألا أن البنك الدولي، يمكن في بعض الأحيان أن يتدخل بمسائل يمكن اعتبارها مسائل سيادية تخص الدولة أو يفرض عليها تشريعات و قيود معينة لضمان سير هذه الدولة بما يتناسب مع شروط البنك الدولي لكي يضمن البنك أن تستطيع الدولة المدينة أن تُعيد الأموال التي اقترضتها إضافة إلى الفوائد المتفق عليها. 
و تختلف شروط البنك الدولي من دولة لأخرى، و بالنسبة للحالة اللبنانية فإن شروط البنك يمكن حصرها بالمسائل التالية:
أولاً:تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار، إذ كان سعر الصرف سابقاً على ١٥٠٠ ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، ثم رفعته الدولة منذ اسبوع ليصبح ١٥٠٠٠ ليرة لبنانية مقابل الدولار، علماً أن سعر الصرف في السوق الموازي يساوي ما يقرب ال ٤٠٠٠٠.
ثانياً:رفع الدعم عن الاستيراد والسلع والخدمات، و قد طبقته الحكومة اللبنانية بالفعل، مما أدى إلى ارتفاعٍ جنوني في أسعار السلع و الخدمات ما فاقم الأزمة على الشعب اللبناني. 
ثالثاً: تقليص القطاع العام وإعادة هيكلته، إذ أن الإدارات العامة في لبنان غير منظمة تنظيماً حديثاً، و تعاني من انتشار الفساد بشكل كبير، علماً أن غالبية موظفيها قد دخلوا إلى مناصبهم و وظائفهم عبر الوسائط و المحسوبيات ما أثر على كفاءة أجهزة الدولة الإدارية، إضافة إلى الأعداد الكبيرة من الموظفين الذين لا حاجة لهم في القطاعات إذ قد تم توظيفهم فقط لإرضاء النخب السياسية التي تقف ورائهم. 
رابعاً: خصخصة الكهرباء، و لا يصرّ الصندوق على خصخصة قطاع الكهرباء فحسب، وإنما خصخصة القطاعات ذات الطابع الإنتاجي كلها مثل الاتصالات والمياه والإنترنت والطيران والريجي، نظراً للفساد الكبير المنتشر في هذه القطاعات و الهدر المالي الكبير الذي تمارسه، إذ يقدر الهدر المالي في قطاع الكهرباء وحده ب ٤٤ مليار دولار. 
خامساً: إعادة هيكلة القطاع المالي، و خصوصاً المصارف، التي فقدت الكثير من رأس مالها بعد الانهيار الذي حصل ما دفعها لحجز أموال المودعين، لا سيما أن الاقتصاد اللبناني كان يعتمد بشكل رئيسي على القطاع المصرفي، و قد شكل انهيار هذا القطاع القشّة التي قسمت ظهر الاقتصاد اللبناني و قضت على مدخرات اللبنانيين و ودائعهم. 
لا إصلاحاتَ نُفِذت.. فما سرّ توقيت تحرك البنك الدولي تجاه لبنان:
إن البنك الدولي، و على الرغم من كونه مؤسسة مالية عالمية تضم ضمن عضويتها جميع دول العالم تقريباً، إلا أنه يبقى تابعاً بشكل رئيسي للدول الغربية صاحبة الحصص الأكبر من المساهمات المالية في رأس مال البنك، و هذا ما يجعل البنك الدولي ذراعاً مالياً غربياً تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاؤها الغربيون كجزءٍ مما يُسمّى بالقوة الناعمة.
و إضافة إلى الشروط الاقتصادية التي طلبها البنك، فإنه لا بد من الإشارة إلى الشروط السياسية الغير معلنة، و التي تعتبرها الدول الغربية شروطاً جوهرية لمساعدة لبنان، و التي تمكن في الأساس في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يكون بعيداً عن المحور الإيراني، و كبح جماح حزب الله و الحد من نفوذه، و السماح للشركات الأجنبية بالتنقيب عن النفط والغاز في لبنان و استخراجه و توجيهه نحو السوق الأوروبي الذي يعاني من نقص في إمدادات الطاقة بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.


اتفاق الترسيم وُقّع.. فهل يُنفذّ؟
إذ ووقع لبنان وإسرائيل وثيقة اتفاق ترسيم الحدود البحرية في مقر الأمم المتحدة بالناقورة جنوبي لبنان، بعد أن وقع عليها رأس السلطة التنفيذية في كلا البلدين.
وقال الرئيس اللبناني إن إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يعد عملا تقنيا، ليست له أي أبعاد سياسية، مؤكدا أنه لا يوجد مفاعيل لترسيم الحدود البحرية تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد استهل جلسة حكومية بوصف الاتفاق مع لبنان بأنه إنجاز لإسرائيل، قائلا إن اعتراف دولة عدو بإسرائيل لا يحدث كل يوم عبر اتفاق مكتوب.
وفي واشنطن، عبّر الرئيس الأميركي جو بايدن عن تهنئته للبنان وإسرائيل بإبرام اتفاقهما رسميا لحل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده، على حد تعبيره.
ووصف بايدن الاتفاق بـ"التاريخي"، قائلا إنه يضمن مصالح البلدين، ويمهد الطريق لمنطقة أكثر استقرارا وازدهارا.
وشدد على أن الولايات المتحدة ستواصل عملها كوسيط من أجل وفاء الطرفين بالتزاماتهما، وتنفيذ هذا الاتفاق.
ورأى أنه ينبغي ألا تكون الطاقة في شرق المتوسط سببا للصراع، بل أداة للتعاون والاستقرار والأمن والازدهار، معتبرا أن الاتفاق خطوة في سياق تحقيق رؤية لشرق أوسط أكثر أمنا وتكاملا وازدهارا، لما فيه مصلحة جميع شعوب المنطقة، على حد تعبيره.
ما الذي قد يُعيق تنفيذ الاتفاق و استخراج الغاز من المناطق البحرية اللبنانية:
بعد توقيع الاتفاق رسمياً، يمكن القول ان العثرات الخارجية قد حُلّت، و تبقى العثرات الداخلية هي العائق الأكبر الذي قد يقف في وجه تنفيذ مفاعيل اتفاق الترسيم و استخراج الغاز، و لعلّ العائق الأكبر أمام استخراج الغاز و استفادة لبنان من عوائده هو نفسه العائق الذي يمنع لبنان من تنفيذ الإصلاحات التي قد تُخرجه من أزمته الاقتصادية، ألا و هو "الخلاف اللبناني الداخلي في كافة المسائل و القضايا".
و إن هذا الخلاف في مسألة استخراج الغاز قد يتمحور حول كيفية توزيع العائدات على القادة السياسيين و أحزابهم، فالفساد و هدر الأموال هو القاعدة في لبنان و ليس الاستثناء. 
إذ أن أكثر ما يثير مخاوف اللبنانيين في هذا الشأن يكمن في احتمالية قيام الطبقة السياسية اللبنانية بسرقة الموارد المالية و عوائد الغاز المستخرج، لا سيما أن هذا الأمر ليس جديداً على الطبقة اللبنانية الحاكمة التي لا تترك لشعب لبنان سوى فتاتً من كافة الموارد التي حصلت عليها الدولة سابقاً سواء من المساعدات الاقتصادية من الدول العربية و الدول الغربية الصديقة للبنان.
و هذا ما يُفسّر اشتراط الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قيام شركات اجنبية بالتنقيب و الاستخراج، و منع اي شركة لبنانية من التدخل في عمليات التنقيب و استخراج الغاز خوفاً من تحول المسألة إلى خلافات بين القادة السياسيين اللبنانيين حول إسناد تلك العمليات لشركات تتبع لأحد أعضاء الطبقة السياسية دون سواه ما يشكل عرقلة طويلة الأمد لعملية استخراج الموارد الطبيعية من المناطق اللبنانية و تمكين الدولة من الاستفادة من عائداتها المالية.
و في إشارة إلى قيام شركات اجنبية بالتنقيب و الاستخراج، أشارت  سفيرة فرنسا في لبنان، آن غريو، إلى مدى سعادتها أن فرنسا، بفضل الإنخراط المباشر للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المقام الأول، قد ساهمت في هذا النجاح. كما اثنت فرنسا على إلتزام المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين الذين تمكنوا من تجاوز الكثير من العقبات من أجل التوصل إلى هذا التقدّم الحاسم، و قالت "يسعدنا أن تكون شركة فرنسية، أي "توتال إنرجي"، مدعوّة للعب دور هام في وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ".
الفراغ الرئاسي و ضياع الحكومة.. هل يُعَطِّل مسار الاستخراج؟
إن بلداً بلا رئيس و بدون حكومة دستورية حقيقة،  إذ أن الحكومة اللبنانية الحالية هي حكومة تصريف أعمال كونها حكومة مستقيلة) ، لا تستطيع عقد أي اتفاقات مع شركات اجنبية او محلية للقيام بعمليات استخراج الغاز، و بالتالي فإن الوضع الراهن في لبنان بتطلب سرعة في التحركات الداخلية و الخارجية لإتمام محادثات بين القوى السياسية اللبنانية على مسألة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية في أقرب وقت ممكن كي لا يدخل لبنان في مرحلة من الشغور الرئاسي الذي قد يعطل تنفيذ اي إصلاحات او إجراءات من شأنها أن تنقذ البلاد من الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه منذ ما يقرب الثلاث سنوات.
و بالتالي فإن إنقاذ لبنان و تمكينه من تنفيذ إصلاحاتٍ اقتصادية و سياسية تمنكه من الخروج من ازمته الاقتصادية يتوقف على تنشيط الدبلوماسية الغربية و العربية لدفع القوى الرئيسية في لبنان للتوحد حول مرشح لانتخاب رئيس جمهورية يقود البلاد نحو بر الأمان، بالإضافة إلى استعمال الغرب لكافة أدواته الدبلوماسية و الاقتصادية للضغط على إيران بهدف ضبط سلوك حزب الله في لبنان و كبح جماحه و تقليص نفوذه على الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى ممارسة الدول العربية و الغربية الصديقة للبنان كل ما وسعها للرقابة على الوضع الداخلي اللبناني و مدى انتظام سير الإصلاحات و استعمال الموارد و العائدات المالية التي ستاتي للبنان من جراء قروض البنك الدولي و المؤسسات المالية الدولية و عائدات الغاز بما يتناسب مع مصلحة الدولة و الشعب بعيداً عن الفساد و المحسوبية و الهدر المالي و غير ذلك من الممارسات الغير سليمة و التي اوصلت لبنان إلى الأزمة الاقتصادية القائمة التي يعاني منها اليوم.