حَربُ المناورات.. الناتو يُجري مناوراتٍ نووية في أوروبا و القوات الأوكرانية تُعزِّزُ الزحف نحو مناطِق سيطرة الرّوس

تقرير - مروة شاهين - بث:
في ظل التوتر الكبير الذي تشهده القارة الأوروبية منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في الرابع و العشرين من فبراير الماضي، بدأ حلف شمال الأطلسي مناورات عسكرية نووية في الأراضي و الأجواء الأوروبية لمحاكاة التصدي لهجوم نووي محتمل الحدوث في أوكرانيا، و يظهر جلياً أن مناورات الحلف موجهة بشكل رئيسي تجاه روسيا التي أطلقت منذ حوالي شهر تهديدات متتالية بإمكانية تحويل الصراع العسكري في أوكرانيا من صراع تقليدي إلى صراعٍ نووي، و في الوقت عينه زادت القوات المسلحة الأوكرانية من كثافة هجماتها العسكرية في الشرق الأوكراني في محاولة منها لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا منذ بداية الحرب.
و في هذا السياق، أعلنت السلطات الموالية لروسيا في خيرسون (جنوبي أوكرانيا) أن القوات الأوكرانية أصبحت على مشارف المدينة، ودعت السكان للمغادرة سريعا، وذلك غداة اعتراف جنرال روسي بصعوبة الوضع، في حين تحدثت موسكو عن إحباط محاولة أوكرانية لاستعادة السيطرة على محطة زاباروجيا النووية.
و قال كيريل ستريموسوف، نائب القائم بأعمال حاكم خيرسون، إن عشرات الآلاف من القوات الأوكرانية باتت على مشارف المقاطعة، مضيفا أن السلطة المحلية تملك معلومات تفيد بهجوم وشيك للقوات الأوكرانية على المنطقة.
وجددت السلطات المحلية الموالية لروسيا في مقاطعة خيرسون دعوتها للسكان المدنيين بالمغادرة إلى الضفة اليسرى من نهر دنيبرو.
ووجهت السلطات رسائل نصية قصيرة عبر الهاتف لسكان المقاطعة تدعوهم فيها إلى إخلاء المنطقة على وجه السرعة، إثر ما وصفته بتهديد أوكراني بقصفها.
وكان حاكم مقاطعة خيرسون الموالي لروسيا فلاديمير سالدو أعلن عن اتخاذ قرار لإجلاء سكان 4 مناطق في مقاطعة خيرسون إلى الضفة اليسرى من نهر دنيبرو.
وأكد سالدو أن القرار يأتي بسبب المخاطر الناشئة من إمكانية حدوث فيضان في المنطقة في ظل ما وصفها بالمخططات الأوكرانية لتدمير سد محطة كاخوفكا الكهرمائية.

زحفٌ أوكرانيٌّ نحو الشرق:
ومنذ الصيف، تشن القوات الأوكرانية هجوما مضادا في مقاطعة خيرسون التي سقطت عاصمتها بيد القوات الروسية في الأيام الأولى من الحرب التي اندلعت يوم 24 فبراير/شباط الماضي.
وكان قائد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الجنرال سيرغي سوروفيكين أكد أمس الثلاثاء صعوبة الوضع في خيرسون، ولم يستبعد اتخاذ ما وصفها بقرارات صعبة.
وفي أول تصريح إعلامي بعد تعيينه في منصبه، أشار سوروفيكين إلى أن الجيش الأوكراني يستعد لشن هجوم صاروخي على سد محطة كاخوفكا الكهرمائية، مما يهدد بتدمير البنية التحتية ووقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، على حد تعبيره.
وقال الجنرال الروسي إن قوات بلاده لا تسعى لتحقيق تقدم سريع حفاظا منها على أرواح الجنود والمدنيين.
حربُ المُسيّراتِ :
وفي تطورات ميدانية أخرى، أعلن الجيش الأوكراني اليوم إسقاط 13 طائرة مسيّرة إيرانية الصنع في ميكولايف (جنوب) خلال ساعات الليل والصباح.
وتؤكد أوكرانيا أن مسيرات إيرانية تنفجر ذاتيا في أهدافها استخدمت في الضربات الروسية المكثفة التي تجددت أمس، واستهدفت خاصة منشآت الطاقة الحيوية في كييف ومناطق أخرى، مما أدى لانقطاعات واسعة للكهرباء.
و في هذا الإطار نقلت صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إيران أرسلت مدربين من الحرس الثوري الإيراني إلى شبه جزيرة القرم، لمساعدة الجيش الروسي في حل مشاكل في سرب الطائرات المسيرة التي اشتراها من طهران.
وذكرت الصحيفة أن المصادر تلقت معلوماتها من تقارير سرية للاستخبارات الأميركية، مشيرة إلى أن المدربين الإيرانيين يعملون داخل قاعدة عسكرية روسية في القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا عام 2014، وهو المكان الذي تمركزت فيه الطائرات المسيرة منذ وصولها من إيران.
بيد أن طهران رفضت مرارا الاتهامات الغربية بتزويدها الجيش الروسي بطائرات مسيرة، وأكدت أنها ليست طرفا في الحرب الدائرة بأوكرانيا.
روسيا تُركّز على استهداف محطات الطاقة الأوكرانية:
وكانت خدمة الطوارئ الأوكرانية أعلنت أمس أن أكثر من 1100 بلدة ما زالت بدون كهرباء بعد الضربات التي نفذتها روسيا في الأيام العشرة الماضية، مشيرة إلى أن نحو 4 آلاف بلدة شهدت انقطاعا للتيار الكهربائي.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس إن الضربات الجوية الروسية دمرت نحو 30% من محطات الطاقة الأوكرانية منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مؤكدا أنه لم يعد هناك مكان للمفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ميدانيا أيضا، قال فلاديمير روغوف رئيس الإدارة الموالية لروسيا في مقاطعة زاباروجيا (جنوب شرق) إن القوات الروسية أحبطت بعد قتال استمر ساعات محاولة للجيش الأوكراني للسيطرة على المحطة النووية الخاضعة لسيطرة الروس، وهي الأكبر من نوعها في أوروبا.
وأضاف روغوف أن القوات الأوكرانية نفذت محاولة إنزال بعد قصف مدينة إينيردغودار التي تضم المحطة النووية، مؤكدا إفشال المحاولة.
ووفقا لرواية السلطات الموالية لروسيا في زاباروجيا، فإن القوات الأوكرانية قصفت المدينة بصواريخ أميركية من طراز هيمارس. وتتبادل كييف وموسكو الاتهامات بتعريض المحطة للخطر عبر تنفيذ عمليات عسكرية في محيطها.
مناوراتٌ نوويةٌ لحلف شمال الأطلسي :
إذ يجري حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) مناورات جوية للردع النووي تحت اسم "ستيدفاست نون" (Steadfast Noon)، أو ظهيرة الصمود، في قاعدة كلاين بروجيل الجوية ببلجيكا.
وتجرى هذه التدريبات سنويا ولكنها تتزامن هذا العام مع تحديثات مهمة في القواعد النووية في جميع أنحاء أوروبا، وسط مخاوف من استخدام روسيا السلاح النووي في حربها على أوكرانيا.
وفقًا لحلف الناتو، ستضم المناورات 14 دولة وما يصل إلى 60 طائرة، تتضمن الجيل الرابع من طائرات "إف-16" (F-16)، بالإضافة إلى الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة "إف-35" (F-35). كما يشارك في التدريبات عدد من الناقلات وطائرات المراقبة.
وقال قائد حاملة الطائرات الأميركية "بوش" الأدميرال دينيس فيليز "لن أتوقع ما سيفعله الرئيس بوتين. لكنني سأردد ما قاله قادة حلفنا وكذلك في الولايات المتحدة وهو أن الناتو في نهاية المطاف تحالف دفاعي وبالتالي سندافع عن كل شبر من أراضيه، وهذا أمر جوهري قاله رئيسنا وزير دفاعنا، ونحن نعني ذلك وسندافع عن دول الناتو".
تنطلق تلك الرسائل شرقا مع كل تمرين يختبر جاهزية قدرات حلف شمال الأطلسي في الردع النووي، و تقام تلك المناورات الجوية السنوية في أجواء شمالي غربي أوروبا وفوق بحر الشمال.
الولايات المتحدة تُجدّد التزامهما بالدفاع عن أراضي حلف الناتو:
إذ قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن واشنطن ملتزمة بالدفاع عن كل شبر من أراضي حلف النيتو.
وأعرب أوستن خلال استقباله نظيره الإستوني هانو بيفكور عن شكر بلاده لإستونيا على تقديمها معدات عسكرية ومساعدتها في التدريب بأوكرانيا، والتزام الحلفاء والشركاء بدعم حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، وتأثير ذلك في التقدم الذي أحرزه الأوكرانيون في هجومهم المضاد.
من جهته، عبر وزير الدفاع الإستوني عن امتنانه للمساعدة الأمنية الأميركية طويلة المدى التي ساعدت في تسريع تطوير قدرات إستونيا العسكرية. كما أشاد بتعزيز الانتشار الدوري للقوات الأميركية في دول البلطيق.
وقد حذرت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينه لامبرشت من الاستهانة بتهديدات روسيا باستخدام أسلحة نووية في حرب أوكرانيا باعتبارها خدعة.
وقالت لامبرشت في تصريحات للقناة الثانية في التلفزيون الألماني “زد دي إف”: “علينا أن نأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، لكن أخذها على محمل الجد لا يعني أن ندعها تشلنا، بل يعني بالأحرى مراقبة الوضع عن كثب”، مشيرة إلى أن مناورات مثل مناورة حلف شمال الأطلسي (الناتو) “ستيد فاست نون” للدفاع عن منطقة الحلف الأوروبي بالأسلحة النووية تقدم مساهمة مهمة في ذلك.
وأكدت الوزيرة أن الوضع الآن يفرض إلقاء نظرة فاحصة على ما إذا كانت مثل هذه المناورات تسير كما هو مخطط لها وما هي الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها منها. وتركت لامبرشت مسألة ما إذا كان الجيش الألماني يتأهب أيضا لسيناريوهات هجوم نووي على ألمانيا مفتوحة، مشيرة إلى أن الجيش الألماني مرتبط هنا بحلف الناتو وتنسيقاته، على سبيل المثال خلال اجتماع وزراء دفاع الناتو الأسبوع الماضي في بروكسل، وقالت: “هذه قرارات يجب أن تبقى سرية لاسباب استراتيجية”.
وفي تصريحات لمحطة “آر تي إل” التلفزيونية، قالت لامبرشت إن ألمانيا ستكون “بارزة للغاية” في مهمة الاتحاد الأوروبي لتدريب الجنود الأوكرانيين، وأضافت: “نحن في الطليعة لأننا أظهرنا بالفعل أننا ندرب الجنود الأوكرانيين بشكل جيد للغاية”، مشيرة إلى أن التدريبات لن تقتصر على المتخصصين فقط، وقالت: “لقد دربنا حتى الآن القوات الخاصة ،لكننا نوجه تدريباتنا أيضا وفقا للاحتياجات في أوكرانيا”.


روسيا تسبقُ الغرب بمناوراتٍ ضمّت دولاً معاديةً للولايات المتحدة الاميركية:
إذ اختتمت مناورات الشرق 2022 العسكرية التي أقيمت شرقي روسيا بمشاركة أكثر من 50 ألف عسكري من 13 دولة إلى جانب روسيا، في مقدمتها الهند والصين،و في ذلك الحين أعلنت واشنطن أنها ستختبر صاروخا باليستيا عابرا للقارات، وقالت إنها أخطرت روسيا بهذا الأمر.
وشهدت المناورات -التي تحمل اسم "فوستوك (الشرق) 2022"- تدريبات مشتركة للسفن الحربية في بحر اليابان حاكت التصدي لمجموعة سفن تكتيكية لعدو مفترض، كما حلقت قاذفة إستراتيجية بعيدة المدى لساعات في إطار كشف جاهزية وحدات الدفاع الجوي المشاركة في التدريبات.
و شارك في المناورات كل من: أذربيجان، وأرمينيا، وبيلاروسيا، والهند، وكازاخستان، وقرغيزستان، والصين، ولاوس، ومنغوليا، ونيكاراغوا، وطاجيكستان، إلى جانب سوريا والجزائر.
وكشفت وسائل إعلام صينية أن بكين أرسلت أقوى معداتها العسكرية إلى مناورات "فوستوك-2022″، وأوضحت أن هذه الخطوة تأكيد على عمق التعاون العسكري الروسي الصيني.
وبالتزامن مع هذه المناورات، قالت الخارجية الصينية "نطور قدراتنا العسكرية اللازمة للدفاع عن مصالحنا الأمنية المشروعة ونتمسك بسياسة دفاعية".
وأضافت أن الصين ترفض بشدة استخدام أي دولة حرية الملاحة ذريعة لتقويض سيادتها وتعريض أمنها للخطر، في إشارة إلى التحركات العسكرية الأميركية حول تايوان وفي بحر جنوب الصين.
و تحاول كل من الصين و روسيا و غيرهم من القوى العالمية و الإقليمية إعادة تشكيل النظام الدولي بشكل يسحب الهيمنة من الولايات المتحدة الأمريكية و يلغي سيطرة القُطب الواحد على النظام العالمي، و يرى بعض المحللون و الخبراء ان المناورات العسكرية التي قامت بها روسيا بالتعاون مع دول منظمة الأمن الجماعي (النظير الشرقي لحلف شمال الأطلسي) قد تتحول في يوم إلى حلف عسكري موحد لمواجهة القوى الغربية المجتمعة تحت مظلة حلف الناتو.
و تعتبر هذه المناورات العسكرية التي يجريها الناتو و تجريها روسيا و الصين بمثابة رسائل عسكرية تُبين مدى استعداد كل طرف من الأطراف إلى الدخول في مواجهة عسكرية ضد الآخر، لاسيما في ظل ارتفاع التهديدات بين الجانبين و دخولها إلى مستوى التهديد النووي في ميدان الحرب الأوكرانية، و السلوك الغربي في الاحتكاك غير المباشر بروسيا عبر دعم القوات الأوكرانية عسكرياً و تقنياً و مالياً، بالإضافة إلى دعم الولايات المتحدة لجزيرة تايوان التي تسعى للانفصال عن الصين ما تعتبره الصين تهديداً مباشراً لأمنها القومي و وحدة أراضيها، و غير ذلك من الخلافات التي لا حدّ لها بين الشرق و الغرب، ما يُنذِر بتحول هذه المناورات من مجرد رسائل عسكرية إلى صراعٍ حقيقي على أرض الواقع.