دلالات استهداف جسر القرم و رسائله المبطّنة..هل تستمرّ روسيا بسياسة التصعيد الانتقامي؟ و لماذا قرر الغرب نقل المعركة إلى الداخل الروسي؟

news image

تقرير - مروة شاهين - بث:
اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  أجهزة الاستخبارات الأوكرانية بالوقوف وراء الانفجار الكبير الذي ألحق أضراراً السبت بجسر القرم، واصفاً ما حصل بأنه "عمل إرهابي" ضد منشأة رئيسية في البنى التحتية.
وأضاف: "لا شك في أن هذا عمل إرهابي بهدف تدمير بنية تحتية مدنية مهمة. هذا العمل دبرته ونفذته وأمرت به قوات أوكرانية".
كما اتهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما (أي مجلس النواب الروسي) أوكرانيا بالمسؤولية عن الهجوم، ودعا إلى رد قاس على التفجير. 
وصباح السبت، ألحق انفجار كبير قالت السلطات الروسية إنه نتج من شاحنة مفخخة أضراراً بجسر القرم الذي يربط البر الروسي بشبه الجزيرة التي تم ضمها في 2014. 
و قال ألكسندر باستركين رئيس لجنة التحقيق الروسية أن مواطنين من روسيا، ودول أجنبية ساعدوا الاستخبارات الأوكرانية في التحضير للهجوم.
وأضاف أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي حدد هوية مدبّري الهجوم الإرهابي على جسر القرم، ووجهة الشاحنة التي استخدمت في التفجير.
وكشف أنها انطلقت من بلغاريا إلى جورجيا، ثم إلى أرمينيا، قبل أن تصل إلى أوسيتيا الشمالية في روسيا، وتتابع مسيرها نحو إقليم كراسنودار جنوب غرب روسيا المحاذي للقرم.
وجسر القرم قد أُنشئ بكلفة كبيرة ودشنه بوتين العام 2018 يشكل  شريان نقل لوجستي للقوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا. وسبق أن هددت السلطات الأوكرانية مراراً باستهدافه. 


تصعيدٌ أوكرانيّ في الميدان..و أوكرانيا لم تعترف رسمياً بمسؤوليّتها:
و بعد الهجوم على الجسر، رصدت أجهزة الأمن الروسية (إف إس بي)  ازدياداً ملحوظا للقصف الأوكراني الذي يستهدف الأراضي الروسية المحاذية لأوكرانيا، وأسفر عن مقتل شخص وإصابة خمسة آخرين خلال الأسبوع الفائت.
وقالت أجهزة الأمن التي تتولى أيضاً مراقبة الحدود في بيان: "منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول، ازداد في شكل ملحوظ عدد الهجمات من جانب مجموعات مسلحة أوكرانية على أراضي روسيا الحدودية". 
ولم يعلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الانفجار الذي شهده الجسر بشكل مباشر، لكنه قال في فيديو مصور، مساء أول من أمس، إن «الجو كان مشمساً ودافئاً في أوكرانيا، أما في القرم فكان الجو غائماً، على الرغم من الدفء»، ولم يخض زيلينسكي في تفاصيل الحادث، لكنه دعا مرة أخرى القوات الروسية إلى الاستسلام والفرار.
أما مستشار الرئيس الأوكراني ميخائيل بودولياك فقال إن الشاحنة التي انفجرت أتت من موسكو، ملمحا إلى أن التفجير ليس سوى بلورة لخلافات روسية داخلية.
وأحجم البيت الأبيض عن التعليق على انفجار الجسر، لكنه أشار إلى أنه سيواصل إمداد أوكرانيا بالأسلحة، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من بدأ الحرب وهو من يمكنه أن ينهيها إذا أراد.


استهداف القرم لا يُفَعِّل العقيدة النووية الروسية:
و في الحديث عن الخطر النووي، أوضح دميتري بيسكوف، السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، إن تفجير جسر القرم لا يندرج ضمن مبررات تفعيل العقيدة النووية الروسية. 
وردا على سؤال حول ما إذا كان الهجوم الإرهابي على الجسر يقع ضمن مبررات تفعيل العقيدة النووية الروسية، أضاف بيسكوف: لا، إنها صيغة خاطئة تماما للسؤال.
وفي 21 أيلول الماضي، هدد بوتين بشكل مستتر باستخدام الأسلحة النووية، وأعلن تعبئة جنود الاحتياط بعد تقدم ميداني حققه الجيش الأوكراني.
ووفق العقيدة النووية الروسية فإن موسكو تستخدم الأسلحة النووية في عدة حالات بينها 'معلومات استخباراتية تفيد بأن الخطر وشيك على روسيا وأراضيها من خلال استهدافها بصواريخ باليستية'.
وكذلك يمكن تفعيل العقيدة النووية الروسية في حال تعرض روسيا أو أحد حلفائها لهجوم بأي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل سواء نووية أو كيميائية أو بيولوجية' وأيضا 'إذا كان هناك هجوم يهدد وجود الدولة حتى لو باستخدام الأسلحة الخفيفة وليست النووية'، إضافة إلى 'استهداف مواقع حكومية أو عسكرية حساسة.

الرد على حادثة جسر القرم لن يكون نووياً، و لكنه مدمّر :
و كإجراءٍ انتقامي، هزت سلسلة من الانفجارات مدنا عديدة في أنحاء أوكرانيا على نحو متزامن صباح أمس مخلفة قتلى وجرحى، وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن هذه الهجمات الصاروخية جاءت ردا على تفجير جسر القرم، الذي اتهم أجهزة الاستخبارات الأوكرانية بتدبيره.
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه "في اليوم الـ299 للحرب يحاولون (الروس) تدميرنا ومسح وجودنا عن وجه الأرض"، مؤكدا سقوط قتلى وجرحى جراء "انفجارات في كل أوكرانيا".


وذكر زيلينسكي أن الأهداف اختيرت بعناية "لإحداث أكبر قدر من التدمير"، موضحا أن الضربات الروسية استهدفت البنية التحتية للطاقة والمدنيين، ولذلك فقد دعا الأوكرانيين إلى البقاء في الملاجئ اليوم.
وتابع الرئيس الأوكراني قائلاً "نتعامل مع إرهابيين استخدموا عشرات الصواريخ ومسيّرات شاهد الإيرانية"، في إشارة إلى استخدام روسيا لأسلحة إيرانية في الحرب على أوكرانيا، و قد تكون هذه محاولةً منه لتأجيج الغضب الغربي تجاه روسيا التي تحاول جذب خصوم الولايات المتحدة إلى صفّها.
من ناحية أخرى، رفضت طهران اتهامات بإمدادها الجيش الروسي بطائرات مسيرة إيرانية. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، اليوم في مؤتمر صحفي، إن موقف بلاده "واضح تماما. لسنا طرفا في حرب أوكرانيا".
وأضاف "قدمنا إجابة واضحة في هذا الصدد، ولم ولن نقبل الاتهامات".
يومٌ عصيبٌ لأوكرانيا:
و في يوم الاثنين الذي شهد أكبر هجوم صاروخي على سماء أوكرانيا، قال رئيس الأركان الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني  بأن 75 صاروخا أطلقت باتجاه مختلف مناطق أوكرانيا، وأن قواته أسقطت 41 منها.
كما أعلن مستشار وزير الداخلية الأوكراني سقوط 8 قتلى وأكثر من 20 جريحا جراء قصف العاصمة كييف.
وأعلن رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال أن الهجمات الروسية خلفت أضرارا في 11 منشأة مهمة من منشآت البنية التحتية في كييف و8 مناطق أخرى.
من ناحية أخرى، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن الهجمات الصاروخية الروسية أصابت مبنى القنصلية الألمانية في كييف، لكنه كان خاليا.
أوكرانيا تتوعد بالردّ على التصعيد الروسي:
وقد تعهدت وزارة الدفاع الأوكرانية بالرد على هذه الهجمات الصاروخية الروسية التي امتدت إلى مدن عديدة في أرجاء البلاد، حيث دوت الانفجارات في لفيف وخميلينيسك وريفني، وكذلك في خاركيف و وقعت أيضا انفجارات في زاباروجيا وأدويسا و مناطق أوكرانية أخرى.
أما وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا فقال إن الضربات الصاروخية المتعددة في أنحاء أوكرانيا هي "رد بوتين على كل من يريدون التحدث معه من أجل التهدئة"، واصفا الرئيس الروسي بأنه "إرهابي يتحدث بالصواريخ".


بوتين يُحذّر من أن اي هجمات على الأراضي الروسية سوف تُواجَه بردود مدمّرة:
إذ قال الرئيس الروسي في تصريحات  إن القوات الروسية نفذت ضربة مركزة بأسلحة دقيقة بعيدة المدى على عدد من الأهداف الأوكرانية تشمل منشآت عسكرية وأخرى للاتصالات والطاقة، ردا على تفجير جسر القرم الذي وصفه بأنه عمل إرهابي.
وهدد بأنه إذا "استمرت المحاولات لتنفيذ أعمال إرهابية على أرضنا، فإن الردود الروسية ستكون قاسية وستكون مكافئة لمستوى التهديدات الموجهة للاتحاد الروسي"، كما اتهم بوتين أوكرانيا أيضا بمحاولة تفجير خط أنابيب تركي.
كما لفت نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف في تصريح، إلى أن "الضربات على كييف حلقة أولى من الرد على قصف جسر القرم"، مبيناً أن "نظام كييف يشكل تهديدا لروسيا ويجب أن يكون تفكيكه هدفا لعملياتنا في المستقبل".
تنديد غربيّ بالسلوك الروسي و الغرب يَعِدُ بمزيد من الدعم لأوكرانيا:
إذ نددت السفيرة الأميركية في أوكرانيا بريدجت برينك بما وصفته بتصعيد روسيا لوابل هجماتها على المدنيين الأوكرانيين.
وعقب هذه الهجمات، جدد الحلفاء الغربيون التزامهم بدعم كييف عسكريا، إذ قال مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن مزيدا من المساعدات العسكرية في الطريق إلى أوكرانيا.
و قال قصر الإليزيه إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد اليوم الاثنين دعمه الكامل لأوكرانيا في اتصال هاتفي مع نظيره فولوديمير زيلينسكي، وأعرب عن التزام فرنسا بزيادة المساعدات، ومنها العتاد العسكري.
وصرح زيلينسكي بأنه ناقش مع الرئيس الفرنسي تعزيز أنظمة الدفاع الجوي وضرورة توجيه رد أوروبي حاسم على ما تقوم به روسيا، على حد تعبيره.
أما وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت، فقالت إن ألمانيا ستسلم أوكرنيا خلال أيام أول منظومة للدفاع الجوي من أصل 4 منظومات.
وأضافت، في بيان، أن "إطلاق الصواريخ مجددا على كييف والعديد من المدن الأخرى يظهر أهمية الإسراع بتزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي".
وقال وزير الخارجية الهولندي فوبكه هوكسترا إنه لا يمكن لبوتين أن ينتصر في هذه الحرب، مؤكدا وقوف بلاده إلى جانب الشعب الأوكراني.
كما دانت وزارة الخارجية الإستونية بشدة الهجمات الصاروخية المستمرة على كييف وزاباروجيا ودنيبرو ومدن أوكرانية أخرى.
من جهة أخرى، أعلنت مولدوفا أن صواريخ كروز التي أطلقتها القوات الروسية على أوكرانيا عبرت مجالها الجوي، واستدعت سفير موسكو للحصول على توضيحات.
كما أعرب مسؤول الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن "صدمته العميقة" حيال الضربات الصاروخية الروسية، وقال إن مزيدا من الدعم العسكري في طريقه لأوكرانيا من الاتحاد الأوروبي.
ما دلالات استهداف جسر القرم؟ و هل قرر الغرب نقل المعركة إلى الأراضي الروسية؟
إن رمزية جسر القرم تكمن في كونه مشروع روسيا الأكبر لتثبيت سيادتها و سيطرتها على شبه جزيرة القرم التي ضمّتها في العام ٢٠١٤، و قد توجه الغرب إلى استهدافه في محاولة لتوجيه رسالة غير مباشرة لبوتين يمكن تلخيص مضمونها بالآتي: "يبدو أننا أخطأنا في التساهل معك عندما غزوت الجزيرة".
و على الرغم من كون جسر القرم جسراً إستراتيجياً لإمدادات القوات الروسية، إلا أن تأثير استهدافه على سير العمليات اللوجستية كان محدوداً، كما أن روسيا استطاعت إعادة تأهيله بسرعة عالية، إذ عاد إلى وضعه الطبيعي بعد يومين تقريباً من وقوع الانفجار، و هذا ما يعزز فرضية "الاستهداف الرمزي" لجسر القرم.
كما أن مرور الشاحنة التي تحمل المتفجرات من جورجيا التي تحتل روسيا فيها إقليمين مهمين هما ابخازيا و اوسيتيا الجنوبية يحمل رسالة مبطنة من الغرب لبوتين تقول له "نستطيع أن نستهدفك من النقاط التي تظن أنها نقاط قوتك"، إذ أن روسيا تحكم سيطرتها على كثير من الدول المحاذية لها اما بطرق عسكرية و اما عن طريق تنصيب أنظمة حكم موالية لها في تلك الدول.
بالإضافة إلى ذلك، حملت عملية استهداف جسر كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي تهديدات مبطنة بإمكانية نقل الصراع العسكري إلى داخل الأراضي الروسية، لا سيما بعد تهديد روسيا باستخدام أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا، إذ أن روسيا و على الرغم من دخولها في حرب ضروس في الداخل الأوكراني لا تزال تمتع بقدر عال من الاستقرار الداخلي، لذا يحاول الغرب التصعيد في الداخل الروسي كمحاولة لكبح جماح الطموح العسكري الروسي في تحقيق مكاسب كبيرة داخل أوكرانيا.
لماذا يريد الغرب نقل المعركة إلى الداخل الروسي:
ان انتقال الصراع العسكري إلى داخل الأراضي الروسية سيسبب مشاكل مدمرة للدولة الروسية، يكون اولها نزوح السكان و تعطل الاقتصاد الروسي الذي يعاني أساساً من نقص في الموارد البشرية، إذ تعاني روسيا خلل ديمغرافي كبير يتمثل في بتناقص عدد السكان و انخفاض معدلات المواليد، كما يمكن أن يؤثر ذلك على عديد القوات الروسية المقاتلة التي يمكن أن يستدعيها بوتين للقتال في أوكرانيا بموجب التعبئة التي تم الإعلان عنها قبل اسبوعين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب نقل الصراع العسكري إلى داخل الأراضي الروسية في إشعال غضب السكان المعارضين للحرب في أوكرانيا، ما يضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موقف محرج أمام الشعب الروسي، و يعرضه لخسارة منصبه كرئيس لروسيا، أو يعرضه لاحتجاجات شعبية عارمة، و بالتالي فإن الحفاظ على الاستقرار في الداخل الروسي في ظل المعارك الدائرة في أوكرانيا يشكل مسألة بالغة الحساسية بالنسبة لبوتين.
و مع وعي الغرب بأن نقل المعارك من الأراضي الأوكرانية و توسيع نطاقها لتشمل الداخل الروسي يمكن أن يتسبب بتفعيل العقيدة النووية الروسية التي يمكن تفعيلها في حال تعرض الأراضي الروسية لهجوم عسكري حتى و لو كان بالأسلحة التقليدية، فإن الغرب حريص على تطبيق إستراتيجية "الخطوة خطوة" بهدف حسّ نبض روسيا و معرفة ما مدى خطورة ردة الفعل التي يمكن أن يقوم بها الجانب الروسي في حالة تعرض اراضيه إلى استهداف عسكري.
و في نهاية المطاف، فإن الجانبين، الغربي و الروسي على حدّ سواء يعلمان جيداً مدى خطورة استمرار التصعيد العسكري في الميدان الأوكراني، فالتاريخ علمّنَا أن القادة السياسيين و العسكريين يستطيعون متى شاؤوا أن يحددوا تاريخ و كيفية بدء الحرب، و لكنهم لا يستطيعون تحديد تاريخ و كيفية انهائها، و بالتالي فإن على الجانبين أن يدرِكا جيداً ضرورة التقيد بقواعد اللعبة، بغية إبقاء الصراع ضمن دائرة السيطرة العقلانية على مدار الأحداث، و إلّا آلت مسارات الصراع العسكري إلى ما لا يمكن لأي طرف أن يديره او يسيطر عليه بأي شكل من الأشكال، ما يعني إمكانية الذهاب بالاستقرار و الأمن العالمي إلى مآلاتٍ خطيرةٍ لا تُحمد عُقباها..