مُفاوضاتٌ بِلا نتيجة.. هل يؤدي الصراع على الغاز بين لبنان وإسرائيل إلى حربٍ جديدة في الشرق الأوسط؟

تقرير - مروة شاهين - بث:
كشفت وثيقة عسكرية اطّلعت عليها وكالة بث للأنباء، أن الجيش الإسرائيلي يعتقد أن هناك "احتمالا معقولا" لنشوب مواجهة مع حزب الله، بالتزامن مع تصاعد حدة التوتر حول الحدود البحرية، في ظل المحادثات غير المباشرة التي تجري بوساطة أميركية بين لبنان وإسرائيل.
ووفقا للوثيقة التي أعدتها القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي، فقد يخوض زعيم حزب الله حسن نصر الله حربا مع إسرائيل من أجل استعادة شعبيته في لبنان وانتشال نفسه من المشاكل الداخلية، بحسب ما نقلت القناة 12 الإسرائيلية.
كما أفادت تلك الوثيقة، بأن حزب الله أصبح "جشعا وفاسدا"، و"بدأ يفقد التأييد ويتعرض لانتقادات لاذعة داخل البلاد".
إلى ذلك، أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن قيادة حزب الله باتت "تفقد السيطرة على عناصرها العسكرية في الميدان".
وبالنسبة لنصر الله نفسه، أكدت إسرائيل أنه في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني عام 2020، أصبح الأمين العام للحزب المدعوم إيرانياً "معزولا"، كما اهتز ما وصفته بتحالف إيران وحزب الله وسوريا.
القائد السابق للمنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي.. حزب الله يعلم أنّه لن يربَح الحرب :
أشار قائد المنطقة الشمالية المنتهية ولايته، أمير برعام، في حفل تسليم وتسلم القيادة، الى أنه "في أيامنا هذه وأمام محور الشر الذي تقوده إيران يتم إحباط الشر وكبحه يوميًا، وبعد مضي ثلاث سنوات ونصف منذ أن توليت منصب قائد المنطقة أعتقد أنه من حيث الوضع الاستراتيجي نشهد توازنًا أمنيًا جيدا".
واعتبر أنه "لا يزال التصور الذي يتمسك به حزب الله تجاه لبنان دفاعيًا، بدليل أن معظم أفعاله ضدنا تتم في سياق رد الفعل، إن أمينه العام حسن نصرالله رجل لديه تجربة طويلة ويفهم جيدًا تكلفة الحرب، وسنحت لنصرالله الفرصة في زيارة عدد غير قليل من عائلات ما يعتبرونهم "الشهداء" فهو يواجه قدرًا كبيرًا من المعضلات والتساؤلات حول الغاية والطريقة، هذه الشكوك لا وجود لها لدينا".
وأضاف برعام: "يتهم حزب الله بمنع ازدهار لبنان وتنميتها من خلال أعمالها. وقد تضاءل مدى الخوف منه ولم يعد يسيطر على العناصر العسكرية المتواجدة بمحاذاة الخط الحدودي بصورة مُحكمة كما كانت في السابق وبات الفساد مستشريًا فيها، ونحن لا نستيقظ كل صباح ونسأل أنفسنا أي حرب سنخوضها اليوم. علمًا بأن مهمتنا تتمثل في إبعاد الحرب وليس تقريب الحرب".
وتابع قائد المنطقة الشمالية: "عمليات المعركة ما بين الحروب تلحق أضرارًا جسيمة بالبنى التحتية الإرهابية، وبمساعيها للتزود بالأسلحة والتموضع على حدودنا الشمالية. حيث يدور الحديث عن عمليات صعبة من الإحباط والوقاية، والتي يفضل أن تتم بعيدًا عن الأنظار وتحت عتبة الحرب، ولم يتمكن حزب الله في سوريا من التموضع في المنطقة الواقعة جنوبي دمشق، وتنفيذ عمليات إرهابية وفتح جبهة برية أخرى ضدنا على حدود هضبة الجولان، ومن أجل منع ذلك تصرفنا بشكل صارم ومتعدد الأذرع من خلال عدد لا يحصى من الغارات الجوية وعمليات الدهم البرية وعمليات الإحباط".
وأضاف: "شهدت المنطقة العشرات من الانتصارات الصغيرة والدقيقة التي سمحت لنا بشكل تراكمي بالحؤول دون تحول جنوب سوريا إلى جنوب لبنان ومن جرنا إلى جبهة ساخنة أخرى في مواجهة حزب الله، أنني على قناعة تامة بعدم وجود زعيم شيعي، يرتدي عمامة سوداء على رأسه، ممن سيعمد إلى "احتلال الجليل" وبأن مقاتلي رضوان لن يلعقوا البوظة في كريات شمونة، ورغم أنه من الواضح أنه لن تكون هناك حروب سهلة ونظيفة وخالية من الإصابات أو نقص الوسائل – إلا أن الحرب في لبنان لن يتم حسمها إلا من خلال المناورة البرية والمتعددة الأبعاد والشرسة".
وتابع برعام: "التفوق الواضح للمقاتل الإسرائيلي على العدو أمامنا والذي يجد تعبيره من خلال جودته والوسائل القتالية، والعقيدة العسكرية والجاهزية العملياتية والأخلاق القتالية يجب أن يكون مصحوبًا بروح من القتال وبإرادة قوية لدى المجتمع الإسرائيلي في الانتصار باعتباره قيمة أمنية ووجودية ووطنية عليا، لقد تعلمنا في الماضي، تمامًا كما تعلم نصر الله أيضًا، أن المجتمع الإسرائيلي أقدر على مواجهة أي محاولة للاعتداء عليه. وإذا فُرضت علينا الحرب، فإننا سنجعلها قوية وفتاكة، سواء على الجبهة أو في العمق ليلقى حزب الله وأولئك الذين يعيشون تحت وصايته، قبضة فولاذية قادرة على المناورة بسهولة وهجومية وحاسمة، وليدرك سكان الشرق الأوسط والعالم أجمع بكل وضوح أن حزب الله ورعاته في إيران ولبنان دفعوا ثمنًا باهظًا للغاية وخسروا هذه الحرب بشكل مطلق!".
مُتابعة المسار الدبلوماسي.. الوسيط الأميركي يُواصل نشاطه بين لبنان وإسرائيل
و في إطار استكمال المسار الدبلوماسي بين الجانبين اللبناني و الإسرائيلي، وصل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان، صباح الجمعة، في جولة خاطفة من المحادثات مع كبار المسؤولين، شملت رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقال هوكشتاين عقب المباحثات في بيروت إن "تقدماً" أحرز في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل، لكنه شدد على أن التوصل الى اتفاق "لا يزال يتطلب مزيداً من العمل".
وأضاف: "لدي أمل كبير بعد ما سمعته اليوم، وبعد المحادثات التي أجريناها، لكن الأمر يتطلب مزيداً من العمل".
بايدن يتدّخل "شخصياً" في الوساطة بين لبنان وإسرائيل :
اذ كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الرئيس الأمريكي تدخل بشكل شخصي في المحادثات الجارية بين لبنان وإسرائيل والخاصة بترسيم الحدود البحرية بينهما، عبر الوسيط الأمريكي، عاموس هوكشتاين.
ونقل موقع"والا" الإسرائيلي، عن مسؤول أمريكي بارز في إدارة بايدن، أن الرئيس الأمريكي أوضح أن محادثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ملف مهم ومُلح، وعدم وجود اتفاق بينهما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة.
وأفاد الموقع بأن جو بايدن قد شدد على هذا الأمر خلال المحادثة الهاتفية الأخيرة التي جمعته بيائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أشار إليه بمدى اهتمامه بالتوصل لاتفاق خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وفي السياق نفسه، قال مسؤولون إسرائيليون بارزون إن بلادهم أحرزت تقدما في المحادثات الخاصة بترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ورغم ذلك اعترفوا بوجود بعض الثغرات في طريق هذه المباحثات الثنائية، التي تدار عبر الوسيط الأمريكي.
كما ان الوسيط الأمريكي التقى، في بيروت بالرئيس اللبناني ميشال عون، وبحث معه المفاوضات مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية. وبعدها، توجه هوكشتاين إلى تل أبيب، حيث التقى بمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال خولتا والمدير العام لوزارة الخارجية ألون أوشفيز، بحسب الموقع العبري.
وكان الوسيط الأمريكي في محادثات حل النزاع الحدودي البحري بين إسرائيل ولبنان، عاموس هوكشتاين، قد قال إن المفاوضات حققت "تقدما جيدا جدا". وقال بعد لقائه بالرئيس ميشال عون ونائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم: "أعتقد أننا نحرز تقدما جيدا جدا"، معربا عن أمله في التوصل إلى اتفاق قريبا.
مفاوضات بلا نتيجة..فما هي أبرز العراقيل:
اذ يخوض البلدان مفاوضات بوساطة أمريكية لترسيم الحدود البحرية المشتركة، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في تحديد ما يخص كل جانب من موارد النفط والغاز ويمهد الطريق لمزيد من الاستكشاف.
و في 14 تشرين الأول/أكتوبر بدأت حكومتا لبنان وإسرائيل مفاوضات لترسيم خط الحدود البحرية المختلف عليه بينهما. المفاوضات التمهيدية التي جرت في مقر قيادة اليونيفيل في بلدة الناقورة اللبنانية أصبحت ممكنة في أعقاب اتفاق إطار بين الطرفين جرى التوصل إليه في بداية هذا الشهر، بعد نحو عشر سنوات من جهود وساطة أميركية. هذه الجهود جرى تسريعها في السنوات الثلاث الأخيرة بقيادة المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد، وديفيد شينكر الذي حل محله. وقد حُدّد موعد المحادثات المقبلة في 26 تشرين الأول/أكتوبر.
يوجد خلاف بين لبنان وإسرائيل على 13 نقطة على طول الحدود بينهما- "الخط الأزرق" الذي رسّمته الأمم المتحدة، وانسحبت إليه إسرائيل في سنة 2000 عندما غادرت قواتها لبنان. مصدر الخلاف مشكلات في مدى دقة مقاييس الخريطة العائدة إلى اتفاق الهدنة الموقَّع في سنة 1949، والتي اعتمد عليها ترسيم "الخط الأزرق". على هذا الأساس يدّعي لبنان أن التحصينات والعوائق التي تبنيها إسرائيل على طول الحدود تخرق السيادة اللبنانية في النقاط الخلافية.
و يمتد "الخط الأزرق" شرقاً إلى الجولان، ومنذ حرب لبنان الثانية يدّعي حزب الله أن منطقة مزارع شبعا هي أراض لبنانية محتلة. وذلك بخلاف موقف الأمم المتحدة وإسرائيل الذي يعتبرها أراضي كانت تابعة لسورية.
وترفض إسرائيل اعتبار الخط ٢٩ خطًا تفاوضيًا بملف ترسيم الحدود البحرية، وقال الرئيس اللبناني ميشال عون إن لبنان متمسك بعودة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، والتي توقفت إثر رفض العدو اعتبار الخط 29 خطًا تفاوضيًا"، بملف ترسيم الحدود البحرية.
وكانت الأمم المتحدة، شجعت لبنان وإسرائيل على حل الخلافات بينهما عبر المفاوضات، في أعقاب وصول سفينة إلى حقل كاريش في المنطقة المتنازع عليها.
تداخلت الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، إثر اتفاقية تنفيذية بين الأخيرة وقبرص وقعت في 2010، اعتمد فيها الجانب القبرصي على اتفاقية مع بيروت في تحديد الشمالي لحدودها البحرية.
تبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كيلومترًا مربعًا، واكتسب النزاع أهمية خاصة في عام 2017، بعدما وقع لبنان اتفاقية لاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي مع تحالف من الشركات الدولية، وحصل التحالف المكون من شركة توتال كونسورتيوم، مع إيني الإيطالية ونوفاتك الروسية، حصل على أول رخصة من لبنان للتنقيب البحري عن النفط والغاز في عام 2018، وذلك في المربعين 4 و 9.
استفزازات إسرائيلية.. هل تنجح في الضغط على لبنان أم تزيد احتمالات الحرب:
و كانت إسرائيل قد أرسلت، الأحد 5 يونيو/حزيران، سفينة تنقيب تابعة لشركة إنرجيان اليونانية، مقرها لندن، إلى حقل غاز كاريش قبالة الساحل في شرق المتوسط، وهو حقل غاز تقول بيروت إنه يقع في مياه متنازع عليها مع تل أبيب، وسط اتهامات متبادلة وتهديدات بالحرب.
لكن شركة توتال الفرنسية أعلنت أنها لن تبدأ عمليات الحفر واستخراج الغاز الطبيعي فعلياً إلا بعد أن يتم حل النزاع على الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب.
ويزعم الإسرائيليون الآن أنهم وحدهم لديهم الحق في استغلال حقل كاريش للغاز؛ لأنه يقع عند الخط 23، الذي لا يتداخل مع الحقل الغني بالغاز، لكن الجانب اللبناني يرفض تلك الرواية الإسرائيلية ويصر على أن الخط 29 هو نقطة التقاء الحدود البحرية بين الجانبين وليست النقطة 23.
و في ظل هذه الخلافات بين الجانبين، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على الجانبين، اللبناني و الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق يسمح باستخراج الغاز من شرق البحر المتوسط، في محاولة لتعويض النقص الذي تعاني منه أسواق الطاقة العالمية جراء اندلاع الصراع بين روسيا و أوكرانيا، و ما تبع ذلك من تداعيات كارثية على أسواق الطاقة و أسعار النفط و الغاز الطبيعي.
و يبدو أن الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة بدأ يأتي بثماره، إذ يقول العديد من الخبراء ان الاتفاق بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية المشتركة بات قاب قوسين او أدنى، لا سيما في ظل حاجة لبنان إلى استخراج الغاز الطبيعي و الإستفادة من عواده المادية مما قد يساعد البلاد على الخروج من حالة الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه ما يقارب الثلاث سنوات.
و تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كثيف في الآونة الأخيرة بهدف منع اندلاع صراع جديد في الشرق الأوسط، إذ ان الولايات المتحدة تنشغل اليوم بشكل كبير بالصراع الدائر في أوكرانيا، و تحاول إنقاذ اقتصادها و الاقتصاد العالمي من أزمة قد تكون اخطر من الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام ٢٠٠٨ بسبب الاهتزاز الخطير في أسواق الطاقة العالمية و في أسعار النفط و الغاز الطبيعي.
إذ يقول العديد من الخبراء الاقتصاديين أن التضخم المرتفع الحاصل في أسعار الطاقة قد يُنذر بتوقف العديد من الصناعات و تسريح ملايين الموظفين، ما يُعيد إلى الأذهان أزمة الكساد الكبير الذي حدث في العام 1929 و الذي كان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، و بالتالي فإن اندلاع مثل هذه الأزمة في هذه الفترة الحساسة بالنسبة للنظام العالمي قد تُنذر باندلاع صراع عالمي على غرار الحرب العالمية الثانية، و هو ما يُحاول الجميع بما فيه القوى تجنبه نظراً لويلات الحرب و تداعياتها الكارثية التي سوف تُدمّر جميع الأطراف دون استثناء.