قَلَقٌ أوروبي من تنامي الدور التركي.. كيف أصبحت تركيا المستفيد الأول من حرب روسيا و أوكرانيا ؟

news image

 

تقرير - مروة شاهين - بث:
مُنذ بِدء الحرب الروسية على أوكرانيا في الرابع و العشرين من فبراير/ شباط من العام الحالي، كانت الصواريخ و المدافع الروسية و الأوكرانية تُدَمّر ليس فقط الأهداف العسكرية و الحربية لبعضهما البعض، و إنما استهدفت و دمّرت معها أيضاً العلاقات الاقتصادية بين روسيا و الغرب، و قطاع الطاقة الروسي، و الاقتصاد الأوكراني و الأوروبي على حدّ سواء، بالإضافة إلى تهديد غير مسبوق للأمن الغذائي العالمي.
فالاقتصاد الأواكراني شبه مدمّر جراء تبعات الحرب، بينما يخسر نظيرُه الروسي ما يقرب مليارات الدولارات بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضها الغرب على روسيا منذ بدء الغزو، ناهيك عن تدهور قطاع التجارة الروسي مع الدول الأوروبية، و شلل تجارة النفط الروسي في أوروبا، فضلاً عن هروب أصحاب رؤوس الأموال و المستثمرين من روسيا، التي أصبحت دولة منبوذة و شبه معزولة اقتصادياً عن العالم بسبب العقوبات الغربية.
الحرب في أوكرانيا.. تداعياتٌ مدَمِّرةٌ على الاقتصاد الغربي:
و بطبيعة الحال، لا تتوقف الأضرار الاقتصادية على الدول المتحاربة، فالصناعات الأوروبية مثلاً، و التي تعتمد اعتماداً جوهرياً على الغاز الروسي مهددة بالتوقف بسبب قطع روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا، كما تعاني أوروبا من أزمة غذاء بسبب تضرر قطاع الزراعة الأوكراني، إذ كانت أوروبا تعتمد على أوكرانيا بشكل كبير في صناعة الغذاء. 
و كانت أوكرانيا تُلقَّب ب "سلة الخبز"، نطراً لان قطاع الزراعة الأوكراني كان يؤمن نسبة كبيرة من حاجات أوروبا الغذائية، و إضافة إلى أزمة الغذاء تعاني أوروبا من تهديد بشتاءٍ قاسٍ في ظل غياب الغاز الروسي، الأمر الذي سيجعل أوروبا عاجزة عن تدفئة مواطنيها في حال لم يتم تأمين مصادر أخرى للغاز الطبيعي خلال أقرب وقت ممكن.
و على الرغم من كون الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد في العالم، إلا إنها لم تسلم من التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية على أوكرانيا، إذ تأثر الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير بارتفاع أسعار الطاقة الذي كان سببه انقطاع إمدادات الغاز الروسي، مما خفض كمية النفط المعروض مع ارتفاع الطلب بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاعٍ دراماتيكي في أسعار الطاقة في الأسواق العالمية.
و ناهيك عن الطاقة، فإن الولايات المتحدة عانت أيضاً تداعيات أزمة الغذاء العالمية، إذ فُقِدت العديد من المواد و الأصناف الغذائية عن رفوف المحلات التجارية، مما سبب حالة من الهلع في صفوف المواطنين، و أدى إلى ارتفاع الطلب بشكل هستيري على المواد الغذائية مما سبب ارتقاعاً غيرَ مسبوق في معدلات التضخم.
الحرب الروسية على أوكرانيا و تعميق العلاقات مع تركيا:
على الرغم من كون تركيا و روسيا خصمين تاريخيين، حيث حاولت روسيا بسط نفوذها في البلقان والسيطرة على مضيق البوسفور على حساب ضعف الإمبراطورية العثمانية. نتيجة لذلك، كان التاريخ الدبلوماسي بين القوتين مريرًا وحادًا للغاية حتى الحرب العالمية الأولى. 
و في ظل الحرب الباردة ،انضمت تركيا إلى الناتو في عام 1952 ووضعت نفسها ضمن التحالف الغربي ضد حلف وارسو خلال الحرب الباردة، فأصبحت العلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها.و  بدأت العلاقات في التحسن في العام التالي، عندما تخلى الاتحاد السوفيتي عن مطالبه الإقليمية بعد وفاة ستالين، حيث كان يطالب بنفوذ لروسيا على مدينة إسطنبول و مضيقي البوسفور و الدردانيل.
و بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، تحسنت العلاقات بين تركيا وروسيا بشكل ملحوظ وأصبح البلدان من بين أكبر الشركاء التجاريين لبعضهما البعض. 
الا أنها عادت و تأزمت بسبب التناقضات السياسية و العسكرية التي أثارتها الحرب في سوريا، و الصراع في قراباغ ( أذربيجان)، فضلاً عن التنافس التركي الروسي في ليبيا و دعم تركيا جهات مناوئة الوجود الروسي على الأراضي الليبية. 
إلا أن المصالح المشتركة استطاعت أن تجمع بينهم في العديد من المواقف و الظروف، و في الحديث عن الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن هذه الحرب أصبحت من أهم العوامل التي أدت إلى تقارب ملحوظ في العلاقات بين روسيا و تركيا.
و فضلاً عن خفض مستويات التوتر بين البلدين، مما ينعكس إيجاباً على التبادل التجاري و الاقتصادي بينهما، و أيضا على التعاون العسكري و الاستخباراتي و العلمي، فإن وجود مصالح مشتركة جديدة بين تركيا و روسيا بفعل الحرب، قد سهّل التفاهمات العسكرية بينهما في كل من سوريا و ليبيا و أذربيجان.
في ظل توتّر العلاقات الروسية الغربية.. تركيا تلعب دور الوسيط:
أما على الجانب الغربي، فقد استفادت تركيا من كونها الدولة الوحيدة في الناتو التي تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا مما جعلها تلعب دور الوسيط بين أوكرانيا و روسيا في مفاوضات الهدنة و مفاوضات عقد اتفاقية تصدير الحبوب، التي أنقذت العالم من أزمة اقتصادية طاحنة كادت على وشك الحدوث.
ووقّعت روسيا وأوكرانيا في الثاني والعشرين يوليو صفقة في تركيا للسماح بتصدير الحبوب الأوكرانية من الموانئ المحاصرة، وهو ما عزز دور تركيا من خلال التوسط في المحادثات التي أدت إلى الاتفاق، كما أن هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على رغبة تركيا في التوسط في محادثات السلام المستقبلية بين موسكو وكييف.
كما استفادت تركيا من النزاع في شرق أوروبا، للضغط على فنلندا و السويد و دفعهما إلى التعهد بتسليم مطلوبين لدى تركيا بتهمة التعامل مع جماعات تستهدف الأمن القومي التركي، و عدم تقديم دعم مالي او عسكري لهذه الجماعات، و على رأسها حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.
ووفقا لتقرير أصدره مركز ستراتفور للدراسات والأبحاث الجيوسياسية الإستراتيجية تستفيد كل من تركيا وروسيا أيضا من استخدام الآخر كمصدر للضغط السياسي. فطالما استعانت روسيا بصناعاتها العسكرية وطاقتها الضخمة وتاريخها الطويل في مواجهة النفوذ الأميركي والأوروبي على تركيا. لكن عزلة روسيا الدولية بسبب حرب أوكرانيا تحول الآن ديناميكية القوة لصالح تركيا من خلال زيادة أهمية أنقرة بالنسبة إلى موسكو.

أوروبا مُنزعجة من الوساطة التركية.. ماكرون يُحذّر الغرب من تنامي الدور التركي:

و مع لعب تركيا دور الوسيط في محادثات اتفاقية تصدير الحبوب التي وقعتها روسيا و أوكرانيا في تركيا، بالإضافة إلى استضافتها المفاوضات بين الوفود الروسية و الأوكرانية لإجراء مفاوضات تتعلق بالمعارك الدائرة في أوكرانيا، بالتزامن مع شبه انقطاع للعلاقات الروسية مع أوروبا، ما أوجد بعض التوجهات الأوروبية التي القلقة من جراء تصاعد النشاط السياسي التركي و تزايد فاعلية الدور التركي على الساحة العالمية. 
فقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة مواصلة الحوار مع روسيا من أجل تحقيق السلام وإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، قائلا إنه لا ينبغي ترك الجانب الدبلوماسي لتركيا وحدها.
وخلال اجتماع مع السفراء الفرنسيين في قصر الإليزيه قال ماكرون إنه أجرى عدة اتصالات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عقب الهجوم على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
وحث الرئيس الفرنسي على عدم ترك تركيا وحدها تحاور روسيا، متسائلا: من يريد أن تكون تركيا القوة العالمية الوحيدة التي تواصل الحديث مع روسيا.
وشدد على ضرورة "عدم الاستسلام لأي من أشكال الأخلاق الزائفة التي من شأنها أن تتركنا بلا قوة، فوظيفة الدبلوماسي تتمثل في التحدث إلى الجميع، خاصة مع الذين لا يتفقون معنا".
وأضاف ماكرون "سنواصل الحديث بالتنسيق مع حلفائنا، مذكرا بأن "انقسام أوروبا" هو "أحد أهداف حرب روسيا".
وأكد على ضرورة استعداد القوى العالمية لـ"سلام تفاوضي"، لافتا إلى أن توقيت وشروط هذا السلام متعلقة بأوكرانيا.

بينما تنتظر أوروبا شتاءً قاسياً بلا غاز روسيا .. تركيا تُعزز أمنها الطاقويّ في ظل الحرب في أوكرانيا:

اذ أعلنت شركة «غازبروم» الروسية، الاسبوع الماضي ، وقف إمدادات الغاز عبر أنبوب الغاز الطبيعي «نورد ستريم»، وذلك بشكل كامل، حتى يتم إصلاح «توربين» خاص بالأنبوب، بعدما كان من المقرر أن يعاود العمل، السبت، بعد عملية الصيانة.وكان الرئيس الروسي السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، هدد بأن موسكو «ستوقف إمدادات الغاز لأوروبا»، إذا مضت بروكسل قدماً في تحديد سقف لسعر الغاز الروسي.
ورداً على تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بشأن وضع سقف للسعر الذي تدفعه أوروبا مقابل الغاز الروسي، كتب دميتري ميدفيديف على تطبيق تيليغرام: «ببساطة، لن يكون هناك غاز روسي في أوروبا».
وكان الكرملين أعلن أن عمل خط أنابيب الغاز «نورد ستريم» الذي يمد أوروبا «مهدد» بسبب نقص في قطع التبديل نتيجة العقوبات المفروضة على موسكو، بسبب الحرب في أوكرانيا.
و في الجانب الآخر، أسفر لقاء جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و نظيره الروسي فلاديمير بوتين ف في مدينة سوتشي الروسية، عن توصل الطرفين إلى اتفاق يقضي بدفع أنقرة جزءًا من ثمن الغاز الطبيعي لموسكو بالعملة الروسية المحلية الروبل، وهو ما اعتبرته بعض الدول الغربية تحديا للعقوبات الصارمة المفروضة على موسكو.
ويعتقد محللون أن الاتفاق سيضمن مواصلة روسيا تزويد تركيا بالغاز عبر خطي أنابيب ترك ستريم و بلو ستريم، بينما تنقطع إمدادات خط نورد ستريم ١، عن أوروبا  و ألمانيا بشكل خاص. 
وأفاد أردوغان بأنه لا يتوقع أن تشهد بلاده أي نقص في الطاقة هذا العام، وقال "أعتقد أن أوروبا ستواجه مشاكل هذا الشتاء، لا نعاني وضعاً كهذا".

استفزازات اوروبيةٌ لتركيا بأيادٍ يونانية:

و في معرض القلق الأوروبي من تصاعد دور تركيا و نفوذها السياسي مع روسيا في مرحلة ما بعد الحرب في أوكرانيا، بدأت أوروبا تسعى إلى لفت أنظار الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضرورة عدم السماح لتركيا بالتمادي في توسيع دورها السياسي و نفوذها الإقليمي، و ما يشكل ذلك من خطر على نفوذ أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية. 
و لإعادة إحياء التوتر القائم بين تركيا و الناتو، الذي تعتبر تركيا عضواً مهما فيه، بدأت اليونان و بدفعٍ من بعض الدول الاوروبية  بالقيام ببعض الأعمال التي من شأنها أن تعيد التوتر بين تركيا و باقي أعضاء التاتو إلى سابق عهدها. 
إذ رصدت وزارة الدفاع التركية  أن مقاتلات تركية  تعرضت لمضايقات من الطرف اليوناني أثناء قيامها بطلعات في المجال الجوي الدولي فوق بحر إيجة وشرقي البحر المتوسط، غير أن أثينا نفت الاتهامات التركية.
وقال مصدر في وزارة الدفاع التركية إن اليونان تتبعت في 23 أغسطس/آب الجاري طائرات "إف-16" (F-16) التركية عبر رادار منظومة "إس-300" (S-300) المتمركزة في جزيرة كريت اليونانية، مضيفا أن تتبع المقاتلات عبر رادار تعقب الأهداف وتوجيه الصواريخ، يعد دليلا على تفعيل اليونان لبطاريات "إس-300".
ووصف المصدر هذا التصرف اليوناني بأنه عدواني استنادا لقواعد الاشتباك المحددة من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأشار المصدر إلى أن المقاتلات عادت إلى قواعدها بشكل آمن عقب إتمام مهامها كما هو مخطط.
وكانت المقاتلات التركية تجري مهمة استطلاع على ارتفاع 10 آلاف قدم غرب جزيرة رودس اليونانية.
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن تركيا استدعت الملحق العسكري اليوناني، وتقدمت بشكوى بشأن الحادثة لدى حلف الناتو.

تركيا.. عُضو الناتو "الغير مرغوب" من قبل أعضاء الحلف:

على الرغم من كون تركيا ثاني أكبر جيش من حيث العدد في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، إلا أن ذلك لم يجعلها يوما عضواً مرغوبا فيه بين أعضاء الحلف،  فإن ضم تركيا إلى حلف الناتو في الخمسينات، لم يكن سوى محاولة لمنع التمدد الشيوعي السوفيتي إلى الجمهورية التركية، و أيضاً، للاستفادة من موقع تركيا القريب من روسيا، إذ نشرت الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينات القرن الماضي أسلحة إستراتيجية في قاعدة أنجرليك التركية، و وجهتها نحو الأراضي السوفيتية.. 
و هكذا أصبحت تركيا "حليف الأمر الواقع" بالنسبة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ، و إن انضمامها لهذا الحلف، لم يستطع إزالة الخلافات الجوهرية بين أعضاء الحلف، سواء الأوروبيين او الأمريكيين على حد سواء. 
و سعياً منها للتأقلم مع هذه الوضعية، لطالما اعتمدت تركيا في سياستها الخارجية على اللعب على التوازنات، و الاستفادة من الصراعات الدولية لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية، خصوصاً في ما يتعلق بتوازنات القوى بين روسيا و الغرب ، و لا زالت حتى اليوم تعتمد السياسية نفسها في ظل الصراع الدائر شرق أوروبا بين روسيا و أوكرانيا.

هل ستستطيع تركيا الاستمرار في سياسة اللعب على التوازنات بنجاح؟

إن سياسة اللعب على التوازنات الإقليمية و الدولية، سياسة مربحة إلى حد كبير عندما يأتي الأمر إلى دولة مثل تركيا، فهي دولة ناشئة على الساحة العالمية و تتحرك في حيّزٍ يتواجد فيه العديد من اللاعبين الكبار، و بالتالي فانها مثل هذه الدولة حديثة العهد في الصراع العالمي على النفوذ، لن تجد فرصة افضل من الحرب بين خصمين كبيرين كروسيا َ الغرب للاستفادة من التناقضات الحاصلة، و تحصيل بعض المكاسب من الصراع الدائر من خلال التحرك بشكل مرن مع تغير توازنات القوة العالمية.
ألا أن هذه السياسة مع ما تحمله من مكاسب سريعة و كبيرة، فانها تنطوي أيضا على مخاطر جوهرية، و إن استمرار ممارستها بنجاح تحتاج إلى توفر العديد من العوامل التي يمكن ذكر بعضها على سبيل المثال – لا الحصر - :
١-الالتزام التام بقواعد اللعبة: أي عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي تسمح بها القوة الأكثر نفوذا في طرفي الصراع، و في حالة تركيا، القوة الأكثر نفوذاً هي الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تسمح الولايات المتحدة لتركيا بالتعامل مع روسيا تجارياً مع عدم فرض عقوبات عليها و تسمح أيضا لها باستيراد الغاز الروسي و التوسط في المفاوضات بين روسيا و أوكرانيا، لكنها بكل تأكيد – مثلاً -، لن تسمح لتركيا بإمداد روسيا بأجهزة او مواد او تقنيات يمكنها ان تساعد قطاع الصناعة العسكرية الروسية، أو مساعدة روسيا في الالتفاف على العقوبات الغربية على سبيل المثال.
٢-استقرار نظام الحكم في تركيا: إن استقرار نظام الحكم القائم في تركيا يشكل عاملاً حاسماً في الاستمرار في  سياسية اللعب على التوازنات بأسلوب ناجح، إذ قد يؤدي تغير الحزب الحاكم و وصول حزب الشعب الجمهوري إلى سدة الحكم في انتخابات عام 2023، إلى تغير في سياسة تركيا الخارجية لصالح الميل إلى الغرب بشكل كبير، أي ما يعني المزيد من التعاون مع الغرب و حلف الناتو و عودة التوتر في العلاقات الروسية التركية إلى سابق عهده.
٣-الحذر الشديد من خرق المصالح المشتركة: من ما لا خلاف عليه، إن تركيا لا تجمعها علاقات ودية إلى حد كبير لا بروسيا و لا بأوروبا، لكن جُل ما يجمعها بهم هو المصالح المشتركة، و إن قيام تركيا بخرق اي مصلحة لأي طرف – سواء الروس ام الغرب-، قد يؤدي إلى تصعيد خطير في العلاقات بينها و بين الطرف الذي تم خرق مصالحه، مما قد يدفعها إلى الانغماس أكثر فأكثر في الصراع اما بجانب روسيا أو بجانب الغرب، و بالتالي تصبح طرفاً في الصراع القائم، و ما يلي ذلك من تبعات كارثية لا بد أن يعانيها أي طرف في صراع عالمي، و هذا هو ما تحدثنا عنه سابقاً باسم الخطر المنطوي تحت سياسة اللعب على التوازنات.
و هكذا، فإن تركيا نجحت إلى حد الآن بأن تصبح المستفيد الأكبر من الصراع في أوكرانيا، و لكن هل تسمح الدول الغربية و الظروف الدولية المقبلة، بأن تبقى تركيا تمارس المستوى ذاته من الفاعلية السياسية على المسرح العالمي في ما يخص الوساطة بين روسيا و الغرب، و هل يُسمح لها بالإبقاء على مستويات التعاون مع روسيا تجارياً و اقتصادياً و نفطياً دون تعرّضها لعقوبات اقتصادية أو اعتبارها دولة مارقة على النظام العالمي؟!