هل يتحوّل لبنان إلى دولة بوليسية؟.. غضبٌ و دعوات لِحلّ جِهاز أمن الدولة بعد مقتل سوريّ تحتَ التعذيب

news image

 

بيروت - مروة شاهين - بث: 
قال النائب في البرلمان اللبناني إبراهيم منيمنة، في بيان، الى أنه "أمام هول الجريمة التي ارتكبت بحق موقوف لدى امن الدولة، وما أظهرته وسائل الإعلام من تعذيب تعرض له قبل وفاته، نجد أنفسنا كمشرعين في البرلمان اللبناني أمام انتهاك فاضح للإنسانية، يحتم علينا من م المسؤولية الأخلاقية تفعيل خطوات عملية تجاه جهاز أمني توالت فضائحه لسنوات طويلة، سواء عبر اتهامات ثبت تلفيقها بحق مواطنين، أو شكاوى التعذيب الموثقة في القضاء اللبناني والمنظمات الحقوقية".


وحمل "رئاسة مجلس الوزراء التي يتبع إليها هذا الجهاز، مسؤولية هذه الجريمة كاملة، بما فيها التقاعس والتغاضي عن مساءلة الجهاز وعناصره ورئيسه".
وذكر "بالجهد الذي سبق وبذل لناحية تعديل المادة 47 اصول محاكمات مدنية، لمحاولة وقف هذه التجاوزات أثناء التحقيقات، كما ولإلتزام لبنان في العام 2000 بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أواللاإنسانية أو اللامهنية وتوقيعه البروتوكول الخاص بها عام 2008، وعملا بأحكام القانون رقم 65/2017 المتعلق بمعاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية والذي يرسم إطار التعاطي والتجريم في مثل هذه الحالات، ووجود الهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب التي لا بد من تفعيل دورها".
وطالب ب "تحقيق شفاف أمام القضاء العدلي، بعيدا من المحكمة العسكرية غير المختصة، وإحالة المتورطين كافة أمامه لإنزال العقوبة المناسبة بحقهم".


وقال: "إن جهاز أمن الدولة قد أثبت فشله وتسلطه وبطشه وتماديه، ولا بد من أخذ الإجراءات الضرورية لحله، لاسيما ان المهام المنوطة به يمكن لباقي الأجهزة الأمنية أن تتولاها، وذلك يستتبع ضم عناصر الجهاز  إلى الأجهزة الأمنية الأخرى الفاعلة، في ظل الوضع الدقيق الذي تمر به البلاد وتغطية النقص الذي تسببت به تلك الأزمة في هذه الأجهزة".
كما طالب "القضاء اللبناني بتحمل مسؤولياته لناحية البت المستعجل في دعاوى التعذيب وعدم المماطلة والتسويف بها، والبدء بمحاكمات فورية للموقوفين".
وختم منيمنة:" إننا إذ نؤكد أننا سنحرص على متابعة هذه القضية على مختلف المستويات ومن داخل البرلمان عبر السعي للعمل على مشاريع القوانين المؤثرة في هذا المجال وصولا الى حل هذا الجهاز، سنضع الرأي العام اللبناني في تطوراتها والنتائج التي سنتوصل إليها، لما فيه صالح الإنسان ومناصرة لمفهوم العدالة وتطبيقا للقوانين والإتفاقيات الدولية، التي لا بد أن تحكم حياتنا في هذا البلد".
تسريب إعلامي كشف مسألة التعذيب:
اذ نقلت صحيفة لبنانية عن مصادر قولها؛ إن جهات رسمية، أمنية وقضائية، تشتبه بأن ضابطا وعناصر في جهاز أمن الدولة، هم من يقف خلف تعذيب الموقوف السوري حتى الموت.
وتابعت أن المتورطين بقتل عبد السعود، حاولوا لفلفة الجريمة، وزعموا أن وفاته ناتجة عن ذبحة صدرية، إثر تناوله حبة "كبتاغون"، وأنه تناول جرعة زائدة من المخدرات.
وأضافت أن معاينة الجثة أظهرت آثار ضرب وحشي وجلد، لم يترك مكانا في الجثة من دون جروح وكدمات.
وقالت الصحيفة، إنه "بعد الجريمة، حاول المتورطون التستّر عليها بتسريب معلومات عن إنجاز أمني حقّقه جهاز أمن الدولة بتوقيفه، في منطقة بنت جبيل هذا الأسبوع، أفراد خلية لتنظيم داعش شاركوا في جرائم قتل في سوريا. كما سرّبوا معلومات تفيد بأنّ الضحية الذي كان تحت تأثير المخدرات، والذي أسبغوا عليه صفة قيادي في داعش، حاول مهاجمة المحقق في مكتب بنت جبيل الإقليمي التابع للجهاز، وأن العناصر أمسكوا به لتهدئته، قبل أن يصاب بنوبة قلبية استدعت نقله إلى المستشفى حيث توفي، و كان صراخ الموقوف في أثناء تعذيبه وجلده بنبريش، كان يُسمع في أرجاء سراي تبنين، حيث كان يجري التحقيق معه".
تُهمة الانتماء لتنظيم الدولة.. هل تُغني عن المحاكمة :
و في وقت سابق، كان جهاز أمن الدولة اللبناني قد ألقى القبض على بشار عبد السعود، سوري الجنسية، ضمن حملة توقيفات لمن قيل إنهم أعضاء في "خلية تابعة لتنظيم داعش" تنشط ما بين جنوب لبنان وبيروت، وفق الرواية التي قدمها الجهاز الأمني في الـ29 من أغسطس. و"سبق للخلية،" بحسب زعم البيان، "أن قاتلت في سوريا، وانتقلت إلى لبنان بطريقة غير شرعيّة". 
وأضاف البيان أن أفراد الخلية "كانوا يقيمون أثناء توقيفهم في إحدى القرى الحدوديّة جنوبي البلاد"، وأن هذه المجموعة "سبق وأن أدارت شبكة لترويج العملات الأجنبية المزيّفة والمخدّرات، بهدف تمويل عملها ومهامّها". وقال جهاز الأمن اللبناني إن التحقيقات لا تزال جارية لكشف خيوط وأهداف الخلية. 
تحرّك في مديرية أمن الدولة لتلافي تداعيات القضية:
اذ أصدر جهاز أمن الدولة بياناً قال فيه إن المديريّة العامّة لأمن الدّولة، الحريصة دائماً على المصداقيّة والموضوعيّة والشفافيّة، توضح أنّه بنتيجة التحقيقات التي أجرتها مع أفراد الخليّة، اعترفوا بمعلوماتٍ أدّت إلى توقيف شريك لهم. وأثناء التحقيق معه، اعترف بدوره بأنّه ينتمي إلى تنظيم داعش الإرهابيّ، وأنّه كان من عِداد مقاتليه، ويدين بالولاء لهم". 
وأضافت "إن المديريّة العامّة لأمن الدّولة، التي سارعت إلى وضع هذه الحادثة بيد القضاء المختصّ، والذي كانت تُجرى التحقيقات بإشرافه، يعود إليه حصرا جلاء كامل ملابسات ما حصل، وإجراء المقتضى القانونيّ بإشرافه، تحرص دائما على المصداقيّة وعدم خلق ظروف متوتّرة، في هذه المرحلة الصّعبة والخطرة من تاريخ لبنان، بسبب الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، في حين يجب تضافر الجهود من كل القطاعات والتصرف بمسؤوليّة وطنيّة للوصول إلى مرحلة الاستقرار في المنطقة، بعد السّير بالحلّ العادل للجميع". 
استنكار واسع في لبنان و وصف ما حدث ب"الجريمة":
وفي هذا الإطار، وصف وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين، الحادثة بأنها "جريمة يرفضها العقل وتنافي حقوق الإنسان".
وطالب ياسين، في تغريدة على "تويتر"، النيابة العامة "بإجراء تحقيق جدّي من قبل القضاء العدلي، وليس العسكري، واحترام أصول الاستقصاء والتحقيق في جرائم التعذيب".
بدورها، استنكرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، في بيان، مقتل عبد السعود، ودعت إلى تجميد جميع أعمال التحقيق في جميع المكاتب الإقليمية التابعة لجهاز أمن الدولة وحصرها بمركز الاحتجاز المركزي في المديرية العامة في منطقة الجناح باشراف القضاء المختص، مع مراعاة الالتزام الصارم بتطبيق القانون رقم 191 الذي يرمي الى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع في قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا سيما المادة 47 من القانون التي تكرس الحقوق للمشتبه بهم.
ليست المرّة الأولى:
وفي مارس/ آذار 2021، اتهمت منظمة العفو الدولية أجهزة أمنية لبنانية ومخابرات الجيش بارتكاب انتهاكات بحق لاجئين سوريين بعد اعتقالهم، بينها اللجوء إلى "أساليب التعذيب المروّعة" وحرمانهم من "المحاكمة العادلة".
وتضمّنت أساليب التعذيب "ضربًا بالعصي المعدنية، والكابلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية، وتعليق الموقوفين رأسًا على عقب، وإرغامهم على اتخاذ أوضاع جسدية مُجهدة".
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مواصلة قوات الأمن والجيش استخدام التعذيب ضد الموقوفين والمشتبه بهم الموجودين رهن الاحتجاز، بمن فيهم الأطفال، الذين يوضعون في حبس إفرادي، ويتعرّضون لأبشع أنواع الضرب، لانتزاع الاعترافات منهم.


في ظل الفوضى و تزايد نفوذ الميليشيات.. هل يتحول لبنان إلى دولة بوليسية: 
لم يعش اللبنانيون مثل هذه الأمور منذ العام ٢٠٠٥، بعد خروج النظام السوري من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، و منذ ذلك الحين، غابت أشباح رعب نظام البعث السوري عن لبنان، و غادرت مخابرات الأسد، التي كانت تُرعب القاصي و الداني في لبنان، و لا يزال هناك مواطنون لبنانيون، مجهولي المصير بعد اعتقالهم من قبل مخابرات الأسد خلال فترة تواجد الجيش السوري في لبنان. 
و منذ أن غادر نظام الأسد الأراضي اللبنانية، زال شبح رعب الأجهزة الأمنية و العسكرية، التي كانت تعمل وفق الفلسفة الأسدية للحكم، و تستخدم كافة أساليب الترهيب ضد اي مواطن قد يجرؤ على معارضة الحاكم، و بعد العام ٢٠٠٥، تحررت الأجهزة الأمنية اللبنانية من سيطرة ضباط نظام الأسد، لتُصبح أجهزة تخدم الشعب، و تطبق قوانين التعامل الانساني مع المتهمين و المشتبه بهم، و تضمن حق المحاكمة لجميع المتهمين، إذ أن المحاكم هي التي تقرر من هو المذنب و من هو البريئ، و ليس الأجهزة الأمنيّة.
ألا أن السنوات القليلة الماضية، التي حملت معها المزيد من النفوذ لجماعات تابعة لما يسمى محور الممانعة المتمثل بسوريا و إيران، و أبرزها حزب الله اللبناني، و ما مارسته هذه الجماعات من إرهاب بحق المواطنين اللبنانيين الرافضين لسيطرة حزب الله و ميليشيات إيران على لبنان، بدءًا من الإرهاب اللفظي و التهديد وصولاً إلى عمليات الخطف و الاغتيال كما حدث مع عديد من الناشطين و الكُتّاب، جعل لبنان الذي بات ينغمس أكثر فأكثر تحت نفوذ إيران و نظام الأسد و حزب الله، أقرب من أي وقت من خطر التحول إلى دولة بوليسية تسحق المعارض و تُرهب الموالي للحفاظ على ولائه.
و ان الشعب اللبناني الذي قدم الكثير من الدماء للحصول على حريته، عليه أن يتحرك قبل فوات الأوان للحفاظ على ما تبقى من حرية و احترام لحقوق الإنسان و كرامته، فاليوم قُتِل سوري بتهمة الإرهاب، و بغض النظر عن اذا ما كانت التهمة صحيحة ام لا، فالموت تحت التعذيب ليس العقوبة العادلة و المناسبة، بل ان القضاء هو الذي يقرر الجزاء العادل، و في حال كان المشتبه به بريئاً، فهل يستعد اللبنانيون للعيش مع أجهزة أمنية تصِف كل فردٍ تتخلص منه ب "الإرهاب"؟، تماماً كما تفعل إيران و سوريا و حزب الله، الذين قتلوا و شردّوا عشرات الملايين في سوريا و العراق بحجّة محاربة الإرهاب..