حلٌّ صعبٌ لِمشكلةٍ سهْلة.. لماذا تتقاعس الحكومة اللبنانية و المجتمع الدولي عن حلّ أزمة الكهرباء؟


بيروت - تقرير مروة شاهين - بث:
أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان، أمس الجمعة، عن نفاد مخزونها من الوقود، والتوقف عن إنتاج الطاقة الكهربائية في جميع الأراضي اللبنانية، اعتبارا من ظهر الجمعة، نتيجة خروج معمل الزهراني قسرا عن الخدمة.
وقالت مؤسسة الكهرباء، إن الطاقة الكهربائية المنتجة في الوقت الحالي جميعها يتم توليدها من معمل الزهراني، وهو الوحيد المتبقي على الشبكة، بعد نفاد مخزون مادة الغاز أويل في معمل دير عمار.
وأوضحت أن مخزون معمل الزهراني، من مادة الغاز أويل، قد وصل لأقصى حدوده الدنيا، وقد شارف على النفاد، ومن ثم سيتوقف عن العمل، مما سيؤدي إلى توقف إنتاج الطاقة في لبنان، على أن يعاد تشغيل معامل الإنتاج فور تزويد المؤسسة بالمحروقات في أقرب فرصة ممكنة.
لا إمدادات نفطية من العراق، و لا موعد لوصول الغاز المصري:
وذكرت مؤسسة لبنان للكهرباء في بيان صحفي، أنه لم يتم توريد أي شحنة غاز أويل لشهر أغسطس، والتي كانت مقررة بموجب اتفاقية التبادل المبرمة بين العراق ولبنان، كما أنها لم تبلغ بعد ما إذا كان سيتم توريد الوقود إليها في شهر سبتمبر.
وكانت معامل إنتاج الطاقة الكهربائية تعتمد في الفترة الأخيرة، فقط على هذه الاتفاقية مع العراق، بحسب البيان.
وأضافت أنه لم يتبين حتى الآن، الموعد الفعلي لوصول الطاقة الكهربائية من الأردن، والموعد الفعلي لاستيراد الغاز من مصر، وذلك بانتظار أن يتم تأمين التمويل اللازم لهذين المشروعين من قبل الجهات المعنية.
اتفاقاتٌ بشأن الطاقة.. ما بين التنفيذ و اللا تنفيذ:
وكان العراق قد وافق مطلع الشهر الجاري على تمديد اتفاقية الوقود مع لبنان، لمدة عام جديد، والمعروفة باسم "النفط مقابل الخدمات".
ووقّع العراق، في يوليو/تموز 2021، اتفاقية مع لبنان تقضي بمدّ بيروت بمليون طن من زيت الوقود عالي الكبريت اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، على أن يوفّر لبنان ما يعادل قيمة الصفقة احتياجات بغداد من الخدمات والسلع المتوفرة في بيروت،ويهدف لبنان إلى استيراد 650 مليون متر مكعب من الغاز المصري سنويًا عبر سوريا والأردن، لتأمين الوقود إلى محطة كهرباء دير عمار في شمال لبنان، وهو ما يمكن أن يضيف نحو 450 ميغاواط إلى الشبكة، أي ما يعادل نحو 4 ساعات إضافية من الكهرباء يوميًا، وفقاً لما منصة الطاقة، المتخصصة في شؤون الطاقة و الكهرباء و النفط.
وكان لبنان أيضاً قد وقّع في يناير/كانون الثاني على اتفاق لتوريد الكهرباء والعبور مع الأردن وسوريا، وبموجبه يزوّد الأردن لبنان بـ150 ميغاواط من الكهرباء من منتصف الليل حتى السادسة صباحًا، و250 ميغاواط من الساعة السادسة صباحًا حتى منتصف الليل، وكان مقررًا دخول المشروع حيز النفاذ في مارس/آذار الماضي.
ويقضي الاتفاق باستيراد مليون طن من زيت الوقود عالي الكبريت لمدة سنة، ويُستَبدَل عبر مناقصات شهرية (ما بين 75 و85 ألف طن) لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
أما بالنسبة للاتفاق مع مصر، و الذي يهدف لبنان من خلاله إلى استيراد 650 مليون متر مكعب من الغاز المصري سنويًا عبر سوريا والأردن، لتأمين الوقود إلى محطة كهرباء دير عمار في شمال لبنان، وهو ما يمكن أن يضيف نحو 450 ميغاواط إلى الشبكة، أي ما يعادل نحو 4 ساعات إضافية من الكهرباء يوميًا، بحسب منصّة الطاقة.
أسباب المشكلة:
و تقول الباحثة وفاء قانصو، في ورقة بحثية صادرة عن غرفة الصناعة و التجارة اللبنانية، أن أسباب مشكلة نقص الكهرباء في لبنان تعود إلى:
-الفارق الكبير بين الانتاج والطلب، اذ وصل الطلب الى 3150 ميغاواط، في حين أن المعامل تستطيع إنتاج ما
بين 1600 إلى 1700 ميغاواط في أحسن الاحوال
الأعطال المستمرة في معامل الإنتاج والنقص في محطات وخطوط النقل
التعديات على الشبكات وتراجع الجباية
نزوح اكثر من 5,1 مليون لاجئ سوري يستهلكون 306 ميغاواط ، بتكلفة تبلغ 354 مليون دولار سنويا
إهدار ما بين 30 و40 بالمئة من الطاقة المنتجة في لبنان
عدم تجديد معامل الانتاج
شبكة نقل الـ 220 كيلوفولت غير مترابطة ما يجعلها شبكة غير مستقرة وعرضة للمشكلات على مدار السنة
في ما خص الحلول ، تضيف الباحثة وفاء قانصو أنه من المفترض تطبيق عدة خطوات اصلاحية بعيدا عن المناكفات السياسية منها تنفيذ الاتفاقات التي أبرمت والمتعلقة بزيادة الإنتاج في معملي الزوق والجية، اذ يساهم هذا الامر في رفع القدرة الانتاجية لمعمل الزوق بـ 200 ميغاواط إضافية وبـ 80 ميغاواط لمعمل الجية، والاسراع في بناء معمل دير عمار الجديد الذي يفترض ان ينتج ما بين 500 و600 ميغاواط.
كذلك ، بالامكان شراء الفيول مباشرة من المصدر من دون المرور بشركات الاستيراد، ما يخقض حجم الفواتير المستحقة على الدولة. بالاضافة الى وضع خطة طويلة الأمد تقضي بالتخلي عن الفيول في إنتاج الكهرباء، و اعتماد تقنيات جديدة تعتمد على الغاز و بناء معامل جديدة تعتمد على الطاقة المتجددة مثل الماء و الطاقة الشمسية.
هذا الى جانب إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، و اعتماد نهج الشراكة بين القطاعين العام الخاص لإنشاء معامل إنتاج الطاقة ، والتلزيم عبر هيئة إدارة المناقصات والحصول على قروض ميسرة من الصناديق العربية أو سواها، بعد تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان.
البنك الدولي.. مماطلة لأسباب "سياسية":
في وقت سابق، أكد وزير الطاقة اللبناني وليد فياض أنه لم يتبلغ رسمياً من البنك الدولي بوجود تأخيرٍ في الموافقة على تمويل استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، لكنه سمع بذلك وتبقى العبرة في التنفيذ، وذلك رداً على أنباء تحدثت عن توجه لإطاحة المشروع بذريعة "دراسة الجدوى السياسية للمشروع".
وأردف وزير الطاقة اللبناني "لا أعرف ما معنى الجدوى السياسية التي يتحدثون عنها والتي هي حجة لهذا التأخير، وأنا على تواصل مستمرّ مع إدارة البنك الدولي والسفيرة الأميركية دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية آن غريو ومع إدارة البنك الدولي في المنطقة، والكرة الآن في ملعبهم لكي يدخلونا معهم في مرحلة المفاوضات الرسمية التي هي مرحلة أساسية للتمويل".
مصر تخشى عقوبات قيصر:
وتشترط مصر بالدرجة الاولى الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الخزانة الأميركية لضمان إعفائها والشركات العاملة فيها من عقوبات قانون قيصر، علماً أن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب كان أعلن في وقتٍ سابقٍ أن المسؤولين الأميركيين يؤكدون دعمهم استجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان من مصر والأردن عبر سورية لتعزيز إنتاج الطاقة الكهربائية، واستثناء لبنان من القيود التي يضعها قانون قيصر، وأن هذا الأمر تم إبلاغه للمسؤولين المصريين.
ودخل قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2020، بعدما كان الكونغرس الأميركي قد أقرّه ووقع عليه دونالد ترامب في 20 ديسمبر/كانون الأول 2019، وهو ينص على فرض عقوبات اعتبرت الأقسى من نوعها على نظام بشار الأسد وداعميه ومموليه.
البنك الدولي يُطالب الحكومة اللبنانية بإنجاز خطة بشأن الكهرباء:
و في هذا الإطار، قال المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي ساروج كومار جاه، إنه أبلغ رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، برغبته في رؤية تبني خطة للكهرباء في أقرب وقت، "لأنها شرط أساسي للبنك الدولي لتأمين تمويل الكهرباء".
واعتبر جاه، في اجتماعٍ خصص لبحث مشاريع البنك الدولي برئاسة ميقاتي، أنّ لبنان "بحاجة لإيلاء الأولوية لوضع اللمسات الأخيرة على الورقة الإصلاحية مع الأطراف المعنية، للتوصل إلى إقرارها وتبنيها"، وفق بيان للحكومة اللبنانية.
والعام الماضي، قالت الحكومة اللبنانية إنها طلبت تمويلا من البنك الدولي لشراء الغاز الطبيعي من مصر، مرورا بالأردن وسوريا.
و قال المسؤول الدولي، وفق بيان صادر عن البنك الدولي انه "هناك بعثة من البنك تزور لبنان، وتضم مديرين مسؤولين عن التنمية والبيئة والتغيير المناخي، وعن القطاع الاقتصادي والتجاري".
وزاد: "نحن في لبنان للاطلاع على كيفية عمل الاقتصاد اللبناني، وإعداد خطة التعافي المالي وكيفية تطوير الإصلاحات الهيكلية الأخرى في ما يتعلق بالكهرباء والمياه".
نقص الكهرباء في لبنان.. حل صعبٌ لِمشكلة سهْلة:
إن الناظر إلى مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في لبنان، يُصاب بالذهول لا شك، من مدى تضخيم مشكلة قد تكون حلولها بسيطة و سهلة و لا تتطلب حتى وقتاً زمنياً قصيراً لحلها، فلبنان بلد صغير و ذا عدد محدود من السكان، مما يعني أن استهلاكه من الطاقة يمكن أن يتم تأمينه من خلال محطتيّ كهرباء، إذ أن استهلاك لبنان من الطاقة الكهربائية لا يتجاوز الثلاثة آلاف ميغا وات.
و لكن على ما يبدو، إن حلّ المشكلات في لبنان قد يكون أصعب من المشكلات ذاتها، إذ أن الحلول لمسألة نقص الطاقة الكهربائية في لبنان كثيرة و عديدة، و لكن تنفيذها يتعرض للكثير من العراقيل الداخلية و الخارجية، لا سيما أن الخطوة الأولى في حل أي مشكلة، هي وجود رغبة و نيّة جدّية للحل، و هذا هو العنصر الغير متوفر في الحالة اللبنانية.
كهرباء لبنان..مجال تنافسٍ و صراع بين الغرب و إيران:
لم تكن المبادرة الأمريكية التي حملت اتفاقات لبنان مع الأردن و مصر، سوى محاولة أميركية لضمان عدم استجابة لبنان للعروض الإيرانية، كهبات المحروقات و عروض إنتاج الكهرباء عبر محطات متنقلة، و ما إن ضمنت الإدارة الأمريكية تمسك لبنان باستيراد الكهرباء من الدول العربية و ابتعاده عن الخيار الإيراني، حتى اطمئنت و أخذت تماطل في تنفيذ الاتفاقات التي أبرمت بين لبنان و الدول العربية، و تملي على البنك الدولي التأخر في تمويل اتفاقيات استجرار الغاز إلى لبنان.
و مع كل هذه التجاذبات الحاصلة بشأن حل مشكلة عدم توفر الطاقة الكهربائية في لبنان، يمكننا أن نلخص العراقيل التي تحول دون حل هذه المشكلة في الآتي:
١-سعي حزب الله لعرقلة عمل الحكومة اللبنانية في ما يتعلق باقرار خطة الكهرباء و توفية شروط البنك الدولي، للحصول على تمويل لشراء الغاز من الدول العربية، و ذلك في محاولة لترجيح الكفة الإيرانية و دفع الحكومة اللبنانية إلى القبول بالشراكة مع إيران في يتعلق بانتاج الكهرباء.
٢-مماطلة الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بحلحلة الأزمة اللبنانية بكافة انعكاستها سواء في مجال الطاقة أم غيره، لأسباب عديدة سواءً انشغالها بصراعها مع روسيا و الصين، و انشغالها بالصراع القائم في أوكرانيا بالإضافة إلى سعيها لإعادة إبرام ملف نووي جديد مع إيران، و استخدامها للأزمة اللبنانية و الملف اللبناني كورقة ضغط في مفاوضات الملف النووي مع إيران.
٣- اهتمام الإدارة الأمريكية بإنجاز الاتفاق المتعلق بترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، لتمكين إسرائيل و لبنان من إنتاج الغاز، و بالتالي تعويض جزء من النقص الحاصل جراء نقص الغاز الروسي و في نفس الوقت يصبح لبنان قادراً على تلبية احتياجاته من الغاز الطبيعي.
٤- منع الإدارة الأمريكية للبنك الدولي من تمويل شراء الغاز من الدول العربية، رغبة منها بالضغط على لبنان، لكي يُسرع لبنان بإنجاز الاتفاق مع إسرائيل رغبة منه بالاستفادة من العوائد المادية للغاز، و بهذا تكون الإدارة الأمريكية تستخدم ملف تمويل الكهرباء للضغط على لبنان في مسألة الترسيم.
٥- رغبة الدول الغربية بتأزيم الوضع العام في لبنان، كجزء من مسار العقوبات و الحصار المفروضين على لبنان بهدف كبح جماح حزب الله، و إن منع التمويل عن قطاع الكهرباء يشكل جزءًا دسِماً من مسار الحصار غير المباشر.
و هكذا، يتضح لنا أن أزمة الكهرباء في لبنان ليست إلا مساراً مقصوداً يستفيد منه كافة الأطراف، بدءًا من حزب الله و إيران وصولاً إلى الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية، كلٌ يوجه هذا المسار بحسب ما تمليه عليه مصالحه، و أن المصلحة الوحيدة التي لا اعتبار لها في الساحة اللبنانية، هي مصلحة الشعب، الذي يعاني وحده من تداعيات المناكفات السياسية الداخلية و الدولية، حيثُ لا خاسر إلا الشعب، الذي أنهكته دولته من جميع النواحي و القطاعات، فلا كهرباء و لا دواء و لا محروقات، و الودائع البنكية للشعب قد صُودرت من قبل المصارف بلا حسيب و لا رقيب، و فُقِد كلّ شيئ من سلع و خدمات و مظاهر للحياة، و لم يبقى سوى شعبٍ منكوب ينتظر بصيص الأمل والمصالحة و التوافق بين أصحاب النفوذ، علّ ذلك يُعيده للحياة مرّة أخرى.