الخيار العسكري ضد إيران.. مطروح و لكن l تقرير

news image

مروة شاهين - بث:

منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في بداية العام ٢٠٢١، عاد الملف النووي الإيراني من جديد ليشغل حيّزاً مهما من اهتمامات الإدارة الأميركية و حلفائها الغربيين إضافة إلى الدول العربية و بالأخص دول الخليج العربي المجاورة لإيران، على اعتبار ان الإدارة الأميركية الجديدة أعلنت قبل وصولها إلى حكم الولايات المتحدة أنها ستعاود تفعيل الاتفاق النووي بهدف إصلاح ما سمته ” أخطاء الإدارة السابقة” ، الا ان خيار العودة للاتفاق النووي واجهته عوائق كثيرة، أهمها رغبة الإدارة الأميركية و حلفائها في ممارسة أقصى درجات الضغط على إيران بهدف تعديل الاتفاق النووي للوصول إلى أقصى درجة ممكنة من تخفيض القدرات النووية و العسكرية الإيرانية، بما يضمن سلامة أمن الولايات المتحدة و حلفائها في أوروبا و الخليج العربي من ما تعتبره تهديدا ايرانياً لأمنهم و مصالحهم الاقتصادية و العسكرية..

إيران لا تشاركهم وجهات النظر

إن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية الحالية في العودة إلى الاتفاق النووي جدّية بلا أدنى شك، الا انها لا تريد العودة إلى ذات الاتفاق الذي أُبرِم في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما عام ٢٠١٥، بل انها ترغب في تعديل بنود الاتفاق، لتذهب أبعد من القدرات النووية، و تفاوض إيران على قدراتها العسكرية و بالأخص برنامجها الصاروخي، إضافة إلى سياساتها الخارجية و سلوكها في الشرق الأوسط، بدءاً من ضلوعها في مجريات الحرب السورية، وصولا إلى دعمها لجماعات مسلحة موالية لها في العديد من الدول العربية كاليمن و العراق و لبنان، فضلاً عن بعض ممارساتها في مضايقة السفن الناقلة النفط التي تمر قرب مياهها الإقليمية؛ ألا أن إيران لا تشاركهم الرغبة في تعديل بنود الاتفاق، فمن وجهة نظر الإدارة الإيرانية الجديدة التي يرأسها ابراهيم رئيسي، إن إيران ابرمت اتفاقا يتعلق بنشاطها النووي، و بالتالي فإن إيران تفاوض على قدراتها النووية، و ليس على قدراتها العسكرية، و بالتالي فهي توافق على العودة إلى الاتفاق القديم مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ، دون أي تعديل يشمل قدراتها العسكرية و برنامجها الصاروخي،. او سياساتها في دعم جماعات مسلحة خارج حدودها.

مفاوضات متعثّرة

على الرغم من أن طرفيّ التفاوض (إيران و مجموعة ٥+١) لا يملكون رفاهية الوقت لإطالة المفاوضات ، فإيران ترزح تحت عقوبات اقتصادية خانقة كلفت اقتصادها مليارات الدولارات في السنوات الماضية، و مجموعة ال ٥+١ ترى انه من الضروري إعادة احياء الاتفاق لوقف التقدم الكبير الذي احرزته إيران في برنامجها النووي بعد تحررها من اتفاق عام ٢٠١٥ الذي خرج منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ، و انها استطاعت خلال فترة تحررها من الاتفاق من تطوير قدرات نووية عالية، خصوصا مع اعتراف مسؤولين إيرانيين بأن إيران تملك الان خمسة و عشرون كيلو غراما من اليورانيوم المخصب اي ما يكفي لإنتاج أربعة قنابل نووية، إلا أن سبع جولات من المفاوضات التي عقدت في العاصمة النمساوية فيينا لم تكن كافية لتقديم ايّ من الطرفين تنازلات كافية لإعادة إحياء الاتفاق، و مع بدء الجولة الثامنة من المفاوضات في شهر ديسمبر ٢٠٢١، لا يبدو التفاؤل واضحا عند أي طرف بشأن نجاح هذه المفاوضات.

احتمال فشل الدبلوماسية و التلويح بالخيار العسكري

مع بدء الجولة الثامنة من المفاوضات منذ ايام قليلة، لا زال الطرفان يتبادلان اتهامات المماطلة و إعاقة التوصل إلى اتفاق عادل، فمجموعة ال٥+١ المؤلفة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن( روسيا و الصين و فرنسا و بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية) إضافة إلى ألمانيا، يعتبرون ان إيران تحاول المماطلة و تمديد فترة التفاوض لكي تتمكن من استغلال الوقت لتطوير برنامجها النووي و تعزيز قدراتها في هذا المجال مما يعزز موقفها التفاوضي، بينما تعتبر إيران أن هناك “تعنّتاً” أميركياً يحول دون التوصل إلى اتفاق عادل حسب تعبيرها.

و مع هذه الأجواء المشحونة و ما تحمله من احتمالات لفشل الخيار الدبلوماسي ، تتردد التصريحات و الإشارات حول استخدام القوة العسكرية لضرب القدرات النووية الإيرانية، خصوصاً بعد ما تحدث مسؤولون في الإدارة الأميركية عن قيامهم مع حلفائهم الإسرائيليين بمناقشة ما سمّوها الخطة “ب” التي يمكن اللجوء إليها في حال فشل مفاوضات فيينا ، و هذا ما يمكن تفسيره بالتحضير إلى عمل عسكري لضرب المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً ان “إسرائيل” تسعى منذ عام ٢٠١١ إلى الحصول على مباركة أمريكية بضربة عسكرية إسرائيلية تستهدف قدرات إيران النووية، و هذا ما تسعى اليه الآن من خلال حهودها الدبلوماسية و السياسية لاقناع المجتمع الدولي بعدم الرجوع إلى أي اتفاق مع إيران، و هذا ما جاء على لسان وزير دفاع الكيان الإسرائيلي الذي قال بأن إيران لا تستحق رفع العقوبات عنها و بالتالي السماح لها بالحصول على مليارات من الدولارات لاستخدامها في تمويل الارهاب و زعزعة استقرار الشرق الأوسط و تهديد الولايات المتحدة و حلفائها في المنطقة و العالم.

“إسرائيل” لاعب أساسي في تحفيز الخيار العسكري

ربما تكون مقولة الجنرال الإسرائيلي ايهود باراك، “هناك طريقتان فقط للتخلص من القدرات النووية الإيرانية، الأولى هي أن تقوم الولايات المتحدة بضرب المنشآت النووية الإيرانية، و الطريقة الثانية هي أن لا تمنع الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل من ضرب هذه المنشآت” و التي ذكرها في مذكراته التي صدرت بعنوان “بلدي و حياتي”، هي الأكثر تعبيرا عن وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بالتعامل مع إيران و قدراتها النووية و العسكرية ، و بالتالي فإن إسرائيل تسعى بكافة الطرق لاقناع المجتمع الدولي بعدم الرجوع إلى الاتفاق النووي ، و بالتالي عدم السماح لإيران باستكمال برنامجها النووي و الصاروخي ، و محاولة تجريد إيران من قدراتها النووية ان لم يكن بالدبلوماسية، فخيار القوة العسكرية موجود.

الولايات المتحدة تتخوف من تداعيات أي عمل عسكري ضد إيران

على الرغم من أن إيران و برنامجها النووي و عقيدتها العسكرية المعادية للولايات المتحدة ، تشكل مصدر إزعاج كبير للولايات المتحدة خصوصاً في الشرق الأوسط، و على الرغم من التفوق العسكري الأميركي الهائل و قدراتها الاقتصادية الكبيرة – إذ لا يمكن بالطبع مقارنة القوى العسكرية الإيرانية مع القوى العسكرية الأميركية - ، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحفظ و تتردد كثيراً فيما يتعلق ب استخدام القوة العسكرية لضرب المفاعلات النووية الإيرانية ، لاعتبارات و أسباب عديدة نذكر منها :

١-التحفظات بشأن الرد الإيراني في حال ضرب مفاعلاتها النووية، و الخشية من قيامها بأي عمل عسكري يستهدف القوات الأمريكية المنتشرة قرب حدودها، سواء في سوريا او العراق و (أفغانستان سابقاً)، إضافة إلى قواعدها العسكرية في دول الخليج العربي و آسيا الوسطى.

٢-الخشية من تأثير الرد الإيراني و تطور التوتر العسكري على حركة الملاحة و التجارة و خصوصاً حركة ناقلات النفط، في مضيق هرمز و قرب المياه الإقليمية الإيرانية، خصوصاً ان إيران تتوسط جغرافيا، اهم خزانات النفط في العالم، اي دول الخليج العربي من الشرق و آسيا الوسطى من الغرب، و ما لذلك من تبعات على اسعار النفط و الاقتصاد العالمي، مما ينذر بقدرة إيران على التسبب بأزمة اقتصادية عالمية.

٣-خشية الولايات المتحدة من أن تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية ، لكون الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل لا يمكنها وحدها تدمير القوى النووية الإيرانية في ضربة واحدة، و ان استخدام عدة ضربات قد ينذر بوقوع حرب شاملة قد لا تكون الولايات المتحدة الأمريكية جاهزة للتعامل معها، خصوصاً أنها تريد تخطي المشكلات و التهديدات التي تواجهها في الشرق الأوسط و بالتالي تفرغها لتنفيذ السياسات الخارجية التي صاغها الرئيس الأسبق باراك أوباما و التي أسماها “التركيز على آسيا” اي الالتفات إلى الأخطار التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية لجهة تنامي القدرات الاقتصادية و العسكرية لروسيا و الصين و ما يتبع ذلك من تهديدات مباشرة للمصالح الأمريكية و الأمن القومي الأميركي.

خيار عسكري مطروح.. و لكن

بعد كل ما سبق ذكره، يبدو واضحا ان الدبلوماسية متعثرة، و ان استخدام القوة وارد عند فشل باب الحل الدبلوماسي، إلا أن المفاوضات لم تنتهي بعد، خصوصاً و ان جميع الأطراف يرون ان من مصلحتهم اعادة إحياء الاتفاق، خصوصاً إيران التي انهكتها العقوبات الاقتصادية و شكلت حجر عثرة لها في تأمين ابسط حقوق و حاجات مواطنيها، فضلا عن تدهور اقتصادها الوطني، فضلاً عن رغبة الولايات المتحدة في تحييد الازعاج الذي يشكله لها الملف النووي الإيراني، و بالتالي تفرغها للتركيز على الخطر الآتي من الشرق الأقصى هذه المرة و ليس من الشرق الأوسط، إذ توضح تصريحات الرؤساء الأميركيين منذ ٢٠٠٨ و حتى الآن، أن الولايات المتحدة اليوم لم تعد ترى في ما تسميه “الارهاب الإسلامي” عدوها الاول، بل انها اليوم تركز على مواجهة روسيا و الصين ، في محاولة للحفاظ على الامجاد الأمريكية من اي تهديد بد يشكل خطرا على الهيمنة الأميركية و هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني ان الخيار الدبلوماسي على الرغم من تعثره الا أنه يبقى الخيار الأصلح لجميع الأطراف ، و ان فشله قد ينذر بتطورات لا يحمد عقباها، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط و الخليج العربي؛ ف ايٌ الخيارين سيكون الأداة المناسبة لحل المسألة النووية الإيرانية، هذا ما ستبينه لنا المستجدات و التطورات في الأيام القليلة القادمة.