مفارقات ما بعد الحقيقة: حين يتحدث الكبار… ولا يُصدّقهم أحد

BETH – تحليل استراتيجي
في يوم واحد، سُجّلت أربع تصريحات كبرى:
روسيا تحذّر أمريكا من دعم إسرائيل ضد إيران.
الكرملين يُعلن استعداده للتوسط بين طهران وتل أبيب.
إيران تزعم أنها تسيطر على الأجواء الإسرائيلية.
أمريكا تهدد إيران وتُلمّح برد عسكري.
تصريحات لا تنقصها الجرأة، بل الواقع المنطقي.
لكن:
هل يفكر صانعو هذه التصريحات في نتائج أقوالهم؟
هل يقرؤون مشهدهم الكامل؟ أم يخاطبون جمهورًا يظنونه لا يقرأ ولا يسأل؟
🎭 الخطاب المرتبك… بين العجز والاستعراض
روسيا مثلًا:
تحاول أن تلبس قناع الوسيط، بينما تغرق في وحل أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، وتواجه عجزًا اقتصاديًا وتسليحيًا يكاد يجعلها تطلب الوساطة لنفسها.
إيران:
تزعم السيطرة على الأجواء الإسرائيلية بينما تفشل في حماية عاصمتها من ضربات جوية تُبث مباشرة.
تعاني من اهتزاز داخلي واحتقان إقليمي، لكنها تخاطب العالم كما لو كانت دولة نووية منضبطة.
أمريكا:
تمارس أقصى درجات الردع اللفظي دون حركة فعلية.
فمن فيتنام إلى أفغانستان إلى العراق، لم تُثبت واشنطن نجاحًا عسكريًا حاسمًا رغم تفوقها.
بل اختارت خصومًا ضعفاء… وخسرت سياسيًا، وربما أخلاقيًا.
من يقود من؟ المسؤول أم الجمهور؟
السؤال الأخطر هنا:
هل هؤلاء المسؤولون يُنتجون خطابًا وهميًا لإرضاء الداخل؟
أم أنهم فعلاً منفصلون عن الواقع، ويظنون أن الرأي العام لا يقرأ، أو لا يفهم، أو لا يهتم؟
الاحتمالات ثلاث:
إما أن الخطاب يرتكز على "تغذية إعلامية كاذبة" لا تُبنى على نتائج واقعية.
أو أن الجمهور مستهلك سلبي للمعلومة، لا يبحث عن السياق.
أو أن هناك اعتقادًا راسخًا بأن "سرعة المعلومة" تسبق قدرة الناس على تمييز صدقها من كذبها.
وفي كل الأحوال… هذا خلل كبير.
⚔️ هل الحرب اليوم بين الجيوش… أم على وعي الشعوب؟
قد تكون المعركة في هذا الزمن أقل دموية على الأرض… لكنها أكثر فتكًا في العقول.
فالقنابل الإعلامية أقوى من الصواريخ.
والمنصات تُطلق آلاف المقذوفات المعنوية يوميًا.
والمعلومة المزيفة أسرع من الحقيقة… وأكثر إثارة.
كيف نُحدث التوازن في عقل المتلقي؟
بإعلام يشرح لا يصرخ.
بمحتوى يُفكك التصريح قبل أن يُذيعه.
بإشراك الجمهور في التفكير… لا في التلقّي فقط.
وبأن نُعلّم الناس أن الضجيج لا يعني الصدق… وأن من يصيح عاليًا ليس بالضرورة المنتصر.
🧩 خلاصة رمزية:
في هذا العالم… لا يكفي أن تعرف "ماذا قيل"
يجب أن تسأل: "لماذا قيل… ومن المستفيد؟"
أسئلة كبرى في زمن مربك… وإجاباتها ليست كما يُقال في المؤتمرات
هل ستمحو أمريكا هزائمها في حروبها السابقة؟
ربما تُجمّل الصورة ببعض المكاسب السياسية، لكنها لن تمحو أثر الهزائم العسكرية التي تشكّلت في ذاكرة العالم… من فيتنام إلى كابول.
هل ستحل روسيا مشكلتها مع أوكرانيا؟
ليس قريبًا… فالمشكلة تجاوزت الأرض إلى العمق الروسي نفسه: أزمة هوية، وانهيار سردية "الدولة العظمى".
هل سيغيّر النظام الإيراني من عقيدته العبثية؟
التاريخ يقول: لا.
فالنظام قائم على "الفوضى الخلّاقة الإيرانية" وليس على بناء الدولة. وكل تعديل يُفقده مبرر البقاء.
هل ستكتفي إسرائيل من الحروب وتبدأ في السلام الحقيقي؟
طالما أن خوفها الوجودي يحكم قرارها، فسيبقى السلام لديها تكتيكًا لا عقيدة.
والأمن في قاموسها أهم من أي تفاهمات.
خاتمة رمزية:
العالم لا يعاني من نقص في التصريحات… بل من فقر في الحقيقة.
والمُتلقي العاقل لا يبحث عن من يصيح أكثر، بل عمّن يفكر بصمت… ويفهم قبل أن يصدّق.