بين الطاولة والظلال… هل خدع تريتا بارسي العالم؟

news image

 

إعداد وتحليل: إدارة الإعلام الاستراتيجي – وكالة BETH

في عام 2007، أصدر الباحث الأميركي من أصول إيرانية تريتا بارسي كتابه الشهير:
" حلف المصالح المشتركة – العلاقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة"،
وهو كتاب أثار جدلًا واسعًا لما يحمله من فرضية صادمة:

أن ما يبدو عداءً معلنًا بين إيران وإسرائيل… ليس سوى غطاء لتحالف سري تحكمه المصالح.

الكتاب قدّم سردية تغوي القارئ وتربكه:
ثلاثة خصوم على السطح، شركاء في العمق.
لكنه اليوم، وبعد تفجّر الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، يبدو كأنه نصٌ أُلّف خارج الزمن… أو لأجندة ما.

 

ماذا قال الكتاب؟

اعتمد بارسي على مقابلات مع أكثر من 130 مسؤولًا أميركيًا وإيرانيًا وإسرائيليًا،
وصاغ من خلالها سردية تتلخص في الآتي:

وجود تعاون استخباراتي بين طهران وتل أبيب بعد الثورة الإيرانية.

قضية إيران-كونترا كمثال بارز: إسرائيل وسّطت في بيع أسلحة لإيران بموافقة أميركية.

المصالح المشتركة (ضد صدام، ولبقاء النفوذ الإقليمي) جمعت الخصمين رغم الشعارات المتضادة.

واشنطن لعبت دور "عرّاب التهدئة"، وباركت التواصل الخفي لأهدافها في الشرق الأوسط.

 

الوقائع اليوم… تكشف هشاشة الرواية

في 2025، نحن أمام واقع لا يُشبه ما في الكتاب:

قادة إيرانيون قُتلوا في عمق طهران بصواريخ إسرائيلية دقيقة.

الرد الإيراني جاء بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة عبر وكلاء إقليميين.

المفاوضات الأميركية – الإيرانية فشلت، والملف النووي عاد إلى حالة "اللاعودة".

ما الذي بقي من “التحالف الخفي” إذًا؟
هل انتهت اللعبة؟ أم أنها لم تكن موجودة أصلًا؟

 

الحقيقة: مصالح متبادلة… لا تحالف دائم

نعم… كان هناك تواصل سابق:

في الثمانينات، ساهمت إسرائيل في إيصال أسلحة لإيران.

التنسيق كان محدودًا، مرحليًا، وتكتيكيًا… لا استراتيجيًا.

لكن بعد 2006:

انقلب المشهد بالكامل مع دعم إيران لحزب الله وحماس.

وُلد مفهوم "الخطر الإيراني" في الخطاب الإسرائيلي، وتبنّته واشنطن تدريجيًا.

انطلقت حرب الظل، من تفجيرات علماء النووي، إلى الهجمات السيبرانية.

اليوم، لا طاولة تجمعهم… ولا مصلحة توحدهم.

 

لماذا كتب بارسي ذلك إذًا؟

فرضيتان أمامنا:

الأولى: رواية مدفوعة من دوائر أميركية

استخدمت بارسي كباحث “نظيف الوجه” لتمرير أجندة سياسية:

تبييض وجه النظام الإيراني.

إقناع الرأي العام الأميركي بإمكانية التفاهم مع طهران.

الثانية: تسويق وهمي… لبيع كتاب مثير

سردية "التآمر الثلاثي" جذّابة تجاريًا.

غموض العلاقات والاستخبارات أعطى مساحة للتخيّل لا للتحقيق.

 

ختام تحليلي: إيران اليوم… لا تتحالف مع من يقتل قادتها

إن ما قدّمه بارسي من قراءة تاريخية لم يكن كله خطأ،
لكنه لم يكن الحقيقة الكاملة أيضًا.

فقد اختزل العلاقات المعقدة بين إيران وإسرائيل وأميركا في نظرية تبادلية قصيرة النفس.
بينما الحقيقة، كما تكشفها الصواريخ الآن، تقول شيئًا آخر:

“ما كان تحت الطاولة… قد احترق فوقها.”

 

📌 ملاحظة ختامية  

"كتاب ’حلف المصالح المشتركة‘ لتريتا بارسي ليس مجرد وثيقة بحثية، بل نموذج يذكّرنا بأهمية التأنّي والتعمّق في قراءة المحتوى، قبل التأثر بسرده.
إنه درسٌ عملي في كيفية التعامل مع السرديات المضخّمة، وضرورة التحقق من أهدافها قبل تبنّيها كحقيقة."