النقد لا يُقصي… بل يُنقّي

news image

🖋️ عبدالله العميره * 
 

 

في عالمٍ يزداد حساسية تجاه الملاحظة الصادقة، يبدو أن "النقد" صار تهمة، لا فكرة. بل إن بعض العقول، إذا لم توافقها فيما ترى، تحسبك خصمًا.

ومع أن الحقيقة لا تُغيّرها ردود الأفعال، فإننا مضطرون اليوم لإعادة تعريف النقد: هو ليس فنًا نخبويًا، ولا موهبة تعبيرية فحسب، بل "منهج تفكير" يفرّق بين من يعمل ليُرضي ذاته، ومن يعمل ليُطوّر ذاته ويُتقن الأثر.

 النقد منهج لا موقف

هناك عقلان يتلقيان النقد:

عقلية ترى في النقد طريقًا للتقدّم. هي عقلية تثمّن من ينبّهها قبل أن يصفّق لها، وتدرك أن الكمال ليس في مدح الحال، بل في تحسين الحال.

وعقلية تراه إهانة، أو مؤامرة. يرفض النقد، ويخاصم صاحبه، وإن امتلك سلطة، عاقب به.

النقد الحقيقي لا يُوجَّه للإسقاط، بل للإيقاظ.

✍️ تجربة شخصية… من الواقع

لأكثر من 40 عامًا في العمل الصحفي، لم أمارس النقد بوصفه عدسة مكبرة على الأخطاء، بل بوصفه مرآة نزيهة للحقائق.

انتقدت أشخاصًا، فاتصلوا شاكرين… لأنهم أدركوا أن النقد إنما هو من يبحث عن أبهى ما فيهم، ويستنطقه.

لكن…

رجلٌ انتقدت أداءه في أمرٍ مكشوف للعامة، ظلَّ يحمل الضغينة.

وآخر، كتبت تعليقًا بسيطًا على منشوره، فحظرني فورًا.

هؤلاء لا يرون الحقيقة… بل يرون أنفسهم فيها.

🎙️ الإعلام… بين التأثير والتسطيح

نصل الآن إلى موسم رمضان. شهر الروح والروحانية، لكن أيضًا… ولكن جعلت منه للشاشة نصيب  واهتمام كبير ، باعتباره أكثر الأشهر ألفة بين الأسر واجتماع بين الأصدقاء في في ليالي الشهر. امتلأ الموسم بعشرات البرامج، من الجميل… إلى التافه، ومن المفيد… إلى المُهين.

ولأننا في بث لا نمارس المجاملة، بل المسؤولية، فقد طرحنا موضوعات نقدية… وكانت ردود الفعل إيجابية، وواعِية.

👁️ المثال الصارخ: إيلون ماسك مصر

برنامج طال عمره حتى صار عبئًا، فكرته شُحنت، وتفريغها بات ضررًا.

هل يُعقَل أن نقدّم للمشاهد المصري والعربي برنامجًا يسخر من الذكاء؟

– يسخر من الوعي؟ – يسخر من ثقافة بلد ؟

كل هذا… تحت عنوان "ترفيه"؟

📊 المشاهدات ليست دليل جودة

مثلما يقال: "شارع الأعشى له مشاهدات عالية". نعم… ولكن أيضًا: الرديء ينتشر أسرع.

بل إن بعض أكثر منشورات التواصل الاجتماعي متابعة… هي الأقل قيمة، والأضعف أخلاقًا.

فهل نقيّم الإنتاج بالمشاهدات؟ أم بالتأثير؟

🧩 المقياس الحقيقي: الأثر

أنا لا أنتقد أحدًا من فراغ. بل أطرح سؤالًا بسيطًا:

هل أنتج هذا العمل وعيًا جديدًا؟ هل صعد بذوق المتلقي؟

إذا كانت الإجابة "لا"… فالمسألة لا تحتاج إلى شهادة فنية.

🔍 أزمة صناعة المحتوى

ما زال بعض الإعلاميين – ومنهم المؤلف أو السيناريست أو المخرج – لا يفهم أن مهمته ليست أن "ينزل لمستوى الناس ويبقى هناك"… بل أن يلتقطهم من حيث هم، ويصعد بهم درجة.

📉 من طاش إلى إيلون ماسك

مشاهد اليوم هو ذاته مشاهد الأمس. لم نُربِّ ذائقة جديدة، بل استنسخنا المتلقي نفسه في قوالب مختلفة.
إساءة للمجتمع السعودي، والعربي، قبل الإساءة للذكاء الممثل في أيلون ماسك !

🧭 الخلاصة:

النقد ليس شتيمة. هو شرف العقل. هو الطريق إلى الإتقان.

ومن لا يخطئ، لا يعمل. لكن من يكرر الخطأ، أو يدافع عن التفاهة… فذلك صانع ضرر، لا محتوى.

من لا يقبل النقد… لا يستحق النجاح.

 

 

للقصة علاقة : من يقف وحده في الضوء ليُحاسب نفسه 
 

🪑 الكرسي الفارغ… وسط مسرح مظلم

لا أحد هناك…

ضوء خافت يهبط من السقف، يرسم دائرة من وهجٍ مهزوز، يتوسّطها كرسي خشبي واحد. لا جمهور، لا تصفيق، لا ورق مكتوب على الطاولة. فقط… انتظار.

ذلك الكرسي ليس لكاتبٍ متأخر، ولا لمخرجٍ يبحث عن نهاية.
إنه كرسي النقد… والصدق.

الكرسي الذي يُخاف منه أكثر مما يُرغَب فيه.

كل من جلس عليه من قبل، لم يعد كما كان.
بعضهم خرج منه أقوى… وبعضهم لم يحتمل مرآة الحقيقة، فغادر المسرح إلى الأبد.

هل تجلس؟
هل تجرؤ على أن تُنتَقَد… لا لتُدان، بل لتُبنى؟
هل تصمد حين تُقال لك الجملة التي لا يحبها أحد: "أنت تستطيع أفضل"؟

الكرسي لا يسأل عن عدد متابعينك.
ولا يعترف بالمديح المُعلّب.
هو فقط يُخبرك بالحقيقة، ويصمت.

في الغرفة المجاورة… جمهور ينتظر.
في صدورهم أسئلة…
وفي أذهانهم شكٌّ: هل سيأتي أحد؟
هل سيجلس أحدٌ أخيرًا على هذا الكرسي؟

ربما… أنت.

لكن، تذكّر:

في عالم امتلأ بالتصفيق،
من يقف وحده في الضوء ليُحاسب نفسه…
هو البطل الحقيقي.

 

إن هذا الكرسي هو "كرسي المسؤولية"،

"كرسي التأثير"،

"كرسي الوعي"،
ولا يُمنح إلا لمن يدرك أن النقد أمانة، والمحتوى رسالة، لا تسلية.

 

🎭 يتبع…
(موقّع: الكرسي الذي ما زال ينتظر من يستحقه.)

🖋️ مدير وكالة بث للأنباء *