حوار له بقية... لم يُطبع بعد

news image

 

في العمل الصحفي، هناك لحظات لا تُطلب… بل تُمنح.

لحظات لا تصنعها المصادفة، بل تنبع من تقدير صامت، اسمه: الثقة.

وحين تُمنح تلك الثقة، لا تكون مجرد تصريح بنشر، بل تصريح بالفهم.

قبل ثلاثة عشر عامًا، وقبل انطلاقة وكالة بث الإعلامية، كنت أمارس العمل الصحفي بشغف المهنة وصدق الأداء.

سنواتٌ من الخبرة، ومواقفٌ من الوفاء، ومحطاتٌ من الإخلاص والتطوير… نسجت داخلي نسيجًا مهنيًا وإنسانيًا، جعلني لا أمارس الصحافة فقط، بل أعيشها من موقع الصحفي… والمستشار… والأمين.

كنت قريبًا من الزملاء، والأصدقاء، وأحيانًا من صُنّاع القرار، لا لأنني أطلب القرب، بل لأن العمل النزيه يقترب بنفسه حين يُتقن.

تجارب العمل الصحفي، بكل ما حملته من لقاءات، ومواقف، وسجالات، كانت وقودًا داخليًا لتحضير انطلاقة أكبر، وشغف أوسع، وفكرة أكثر نضجًا لتوظيف الخبرة في خدمة الوطن، وقيادة وطن يستحق الأفضل.

من بين كل تلك التجارب، هناك نوع من الحوارات لا يُنسى.

ليس لأنه كان الأشهر، بل لأنه كان الأصدق.

الضيف فيه لا يتحدث، بل يُشير.

والصحفي لا يدوّن، بل يفهم.

تحديد الإطار العام لا يقيد، بل يفتح بوابة بين السطر والسطر… حيث تسكن الحكاية الحقيقية.

الصحفي الحقيقي لا يلاحق العناوين، بل يخلقها من فاصلة غير معتادة، أو من سكوت مريب بعد نقطة.

هو السيكولوجي الحاذق، الذي لا يكتب فقط ما قيل، بل ما قصده الضيف… وما لم يستطع أن يقوله إلا عبر نظرة عابرة.

وقد يحدث أن ذلك اللقاء، الذي صيغ في لحظة صفاء نادرة، لا يُشبهه أي لقاء بعده.

وقد يحدث أن تُحاصره غيوم الحسد، أو ظنون الكائدين، أو تقاطعات الزمان.

لكن ما بُني على الإخلاص لا يُهدم…

وما صُنع بالصدق، لا يُنسى…

وما بدأ بفهم، لا يُغلق بغفلة.

أحيانًا… لا يُطبع الحوار كله.

وأحيانًا… يُترك فراغ، ينتظر جزءًا لم يُكتب بعد.

لكن الصحفي… الذي يفهم،

يعرف أن الصفحة الأخيرة…

ليست دائمًا هي النهاية.

وإن بقيت بعض الحوارات بعيدة عن الطباعة… فإن أثرها، حين يُستدعى، لا يحتاج إلى حبر.

بل إلى توقيت.

 

        ✍️  عبدالله العميره