حين يخاف الإعلام الغربي من الحقيقة

news image

إعداد وتحليل – إدارة الإعلام الإستراتيجي في وكالة بث 

منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، بدا أن كثيرًا من وسائل الإعلام الغربية اختارت أن تخشى الحقيقة بدلًا من أن تنقلها، وأن تضع الحياد على رف الانتظار. فالمجازر وقصف المستشفيات والمدارس وموت الأطفال لم تكن مادة كافية – لدى كثير من المحطات الغربية – للحديث عن "إرهاب دولة"، بل جرى التعامل معها كـ"أضرار جانبية" أو "تبادل نار".

هذا الحياد المؤجل ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج منظومة مترابطة من التحالفات السياسية، الهيمنة الثقافية، وتوازنات المصالح. الإعلام الغربي، رغم ادعائه الاستقلالية، لا ينفصل عن شبكة من المصالح السياسية والاقتصادية، خصوصًا حين يتعلق الأمر بـ"إسرائيل"، التي تُقدَّم هناك باعتبارها "قلعة الديمقراطية" في محيط مضطرب.

🟨 عندما تصبح الحقيقة مكلفة

الحقيقة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي لم تعد تُقاس بميزان المهنة، بل تُقاس بميزان "من تغضب؟ ومن ترضي؟". الصحفي الذي يكتب تقريرًا متوازنًا عن الضحايا الفلسطينيين، قد يُتهم بـ"معاداة السامية"، وقد يخسر وظيفته أو يُقصى عن الشاشات.
المفارقة أن حرية التعبير تُختنق في عقر دارها حين تتعلق بإسرائيل.

🟨 خطاب مزدوج: من الإنسان إلى الإحصاء

من مظاهر التحيّز الأكثر وضوحًا، أن الإعلام الغربي غالبًا ما يُجرّد الفلسطيني من إنسانيته، فيظهر كـ"عدد"، بينما تُروى القصة الإسرائيلية بأسماء وأعمار وصور.

الضحية هنا إنسان، وهناك رقم.
وهذا تمييز ناعم لكنه قاتل، لأن الإنسان الذي لا تُروى قصته، لا يُحزن عليه أحد.

🟨 صحوة بطيئة... لكنها قادمة

رغم هذا التحيز، بدأت تصدعات صغيرة تظهر في جدران الصمت:

صحف مثل The Guardian وThe Washington Post نشرت أصواتًا تنتقد الموقف الغربي.

قنوات بديلة مستقلة مثل Democracy Now وMiddle East Eye تكسر الرواية المهيمنة وتُقدم سردًا مختلفًا.

وسوشيال ميديا باتت ملاذًا لملايين الأصوات الغاضبة التي تتجاوز الفلاتر التقليدية، .

لكن المعركة لم تُحسم.
لا تزال المؤسسات الكبرى تميل إلى رواية "المعتدي المدافع عن نفسه"، وتستسلم لابتزاز المصطلحات:

"غارة إسرائيلية"، وليس "قصف دموي"...
"مقتل جنود إسرائيليين"، مقابل "سقوط قتلى في غزة".

🟦 الضحية بين نارين

الشعب الفلسطيني اليوم لا يواجه فقط إرهاب دولة إسرائيلية مدعومة، بل أيضًا إرهاب جماعات داخلية تُقايض دمه بالشعارات.
لكن الأخطر أن كثيرًا من العالم الغربي يرى هذا الشعب من خلال كاميرا منحازة وعدسة مشروطة.

وهنا تكمن المأساة:
حين تُحجب الحقيقة لأن قولها مكلف، وحين يُؤجَّل الحياد لأن تطبيقه يُربك الحسابات... تصبح الصحافة أداة تبرير، لا وسيلة كشف.

🟥 خلاصة "بث":

نحن لا نطلب من الإعلام الغربي أن يكون مع العرب، بل أن يكون مع الحقيقة.
أن يملك الجرأة ليقول إن من يُقتل ليس مجرد رقم، وإن الحياد الحقيقي يبدأ حين لا نُخفي الدم من الصورة.
الاعتراف المتأخر لا يُنقذ الضحايا... لكنه قد يُنقذ ما تبقى من ضمير المهنة.