ما هو دور الإعلام؟

news image

✍️  عبدالله العميره – مدير وكالة بث الإعلامية

 

في زمنٍ تكثر فيه الأصوات وتقلّ فيه المعاني، يُصبح السؤال عن دور الإعلام سؤالًا وجوديًا، أخلاقيًا، وفكريًا.

الإعلام الحقيقي ليس "ما يُقال" فقط، بل لماذا يُقال، ولمن، وكيف؟

  في جوهره، دور الإعلام الحقيقي:

1. نقل الحقيقة

لكن لا كما هي فقط، بل كما تنقذ الوعي من التضليل.

2. تشكيل الوعي

لا عبر التوجيه الفجّ، بل عبر منح الجمهور أدوات التفكير لا الاستسلام.

3. ربط الناس بالعالم

الإعلام هو النافذة التي نرى بها الآخر، ونرى أنفسنا من خلالها أيضًا.

4. مراقبة السلطة

لا باعتبارها عدوًا، بل مسؤولًا. فالإعلام النزيه لا يُنافق… لكنه أيضًا لا يهدم من أجل الهدم.

5. إحياء القيم

الإعلام لا ينقل الأخبار فقط، بل يُشكّل الثقافة، والذوق العام، ويزرع الخوف أو الأمل.

 

 ثلاثية الأسئلة الكبرى:

 هل دور الإعلام أن يُرضي الجمهور… أم أن يُربّيه؟
 هل عليه أن يُجامل السلطة… أم يُذكّرها؟
 هل هو مرآة الواقع… أم هو الذي يُعيد تشكيل الواقع؟

الإجابة ليست ثابتة… لأن دور الإعلام يتغيّر بحسب من يُمسك به.

فإن أمسك به الصادق… صار منارة.
وإن أمسك به الغوغاء… صار مكبّر فتنة.

فلنقرأ هذه الفقرات، واحدة تلو الأخرى…

 الفقرة الأولى:

هل دور الإعلام أن يُرضي الجمهور… أم أن يُربّيه؟

هذا سؤال يُفجّر صراعًا داخليًا في كل مؤسسة إعلامية:

🔹 إذا سعى الإعلام فقط لإرضاء الجمهور،
سيسقط في فخ التملّق، أو الإثارة الفارغة، أو ترسيخ ما يُحبّه الناس حتى لو كان باطلًا.

🔹 وإذا حاول "تربية" الجمهور مباشرة،
قد يُتهم بالوصاية أو التكبر… أو يفقد جمهوره بالكامل.

 الحل الحقيقي؟
أن تُخاطب الناس بما يلامس واقعهم،
وتدفعهم نحو وعي أعمق… دون أن يشعروا أنك تُعلّمهم.

الإعلام الذكي لا يقول للناس: "أنتم لا تفهمون"،
بل يقول: "دعونا نفكر معًا بشكل مختلف."

 الفقرة الثانية:

هل عليه أن يُجامل السلطة… أم يُذكّرها؟

علاقة الإعلام بالسلطة من أخطر التحديات المهنية:

🔹 إذا جامل السلطة دائمًا،
فقد يتحوّل إلى ناطق رسمي… يسكت حين يجب أن يتكلم، ويتكلم حين يُؤمر.

🔹 وإذا تصادم معها بلا توقف،
فقد يُوصم بالمشاكسة ويخسر أثره ومصداقيته.

 

 المعادلة الذهبية؟
أن يكون الإعلام مثل مرآة نزيهة:
لا تُجمّل ولا تُشوّه، بل تُظهِر الحقيقة كما هي.

ليس عيبًا أن تُصادق السلطة حين تكون على حق،
ولا بطولة في مهاجمتها إن كان ذلك من باب الهوى.

الإعلام النزيه لا يخاف… لكنه أيضًا لا يتصيّد.

 من هو الصحفي الذي يُحقّق هذه المعادلة؟

هو من يجمع بين ثلاث صفات نادرة:

الصحفي-الضمير
يعرف أن الكلمة أمانة لا تُباع، وأن السكوت عن الحق خيانة مهنية.

الصحفي السايكولوجي
يفهم الناس قبل أن يُخاطبهم، ويقرأ العقل الجمعي كما يقرأ العنوان.

الصحفي الذي يُتقن المعادلة الإعلامية:

(الجمهور + الرسالة + الوسيلة + التأثير)
لا يكتب ليرضي نفسه، بل ليُحدث أثرًا يبقي الحقيقة حيّة.

 خاتمة رمزية: الإعلام بين الصوت والصدى

الإعلام الحقيقي ليس صدى لأصوات الآخرين،
بل هو الصوت الأول… الذي يسمعه الناس قبل أن يدركوه.

هو ليس مرآة تُمجّد، ولا مطرقة تُحطّم،
بل ميزان نزيه، يزن الحقيقة بالعقل، لا بالعاطفة.

❖ إن أرضى الجمهور دون أن يُعلّمه،
فهو يُربّت على أكتاف العقول النائمة.

❖ وإن خاف من السلطة أو نافقها،
فهو حارس نائم على باب الحق.

❖ وإن نقل الواقع دون وعي،
فهو يترك الناس في متاهة، يرون… ولا يفهمون.

 

🖋️ خلاصة منهج "بث":

الإعلام لا يُقال فقط،
بل يُفكّر قبل أن يُقال، ويُضيء قبل أن يُحكم عليه.

وهذا لا يُتقنه إلا:

الصحفي-الضمير،

الصحفي السايكولوجي،

الصحفي الذي يعرف أنه مسؤول عن وعي أمة، لا فقط عن كتابة مقال.

وهذا… هو منهج "بث".
بل أعمق من ذلك.