وعي حصين ضد الشائعات

✍️ عبدالله العميره
مقدمة
في زمن باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي ساحةً مفتوحةً للشائعات والفراغ الفكري، يزداد خطر استثمار الأعداء والانقسامات الداخلية لإشاعة الكراهية وزعزعة الثقة بين الشعوب. هذا الواقع يدعو إلى وقفة جادة لاستعادة الوعي الجمعي وتمكينه من مناعة رقمية تقيه الانجرار وراء “فضفضات الغوغاء”.
1. واقع الفضاء الرقمي العربي
سدّة الصدى: تتحول منصات التواصل إلى مكبر صوتٍ للشائعات؛ سريعٌ في الانتشار، بطيءٌ في التصحيح.
فراغ المحتوى: يغلب على المنشورات التعليقات الانفعالية لا التحليلية، ما يفتح الباب أمام التضليل.
ثقافة الإسقاط: يميل البعض إلى ترويج ما يوافق مواقفهم الجاهزة بلا تمحيص، فيصبحون ضحايا “فقاعة الرأي الواحد”.
2. استثمار العدو للانقسام الداخلي
تخبرنا تجربة الإعلام الإسرائيلي أنهم:
يغرسون بذور الفرقة عبر نشر شائعات مدروسة.
يستثمرون الجهل المتعمق الناتج عن سياسات محلية غير منفتحة على النقد البنّاء.
يحصدون ردود الفعل العاطفية لإشعال صراعات “رقمية” لا تنطفئ إلا بانتشار شائعة جديدة.
3. آليات تعزيز المناعة الرقمية
التثقيف الإعلامي المنهجي
إطلاق دورات وورش عمل في المؤسسات التعليمية والجامعات عن أدوات التحقق من المصادر.
نشر “دليل التمييز” بين الخبر والتحليل والرأي.
شبكات التحقق المجتمعية
تشجيع المبادرات المستقلة (مجموعات صحفيين ومختصين) لتدقيق الأخبار ومشاركة النتائج.
وضع علامة “تم التحقق” على المنصات الرسمية لزيادة الثقة.
التفكير النقدي كعادة يومية
طرح الأسئلة: من صاحب المعلومة؟ ما دافع نشرها؟ هل هناك مصدر معتمد؟
تأجيل “الإعجاب” و”النشر” حتى التأكد من صحتها.
تعزيز المحتوى الإيجابي
إنتاج تحليلات عقلانية تستند إلى بيانات وإحصاءات.
استخدام السرد القصصي (Storytelling) لعرض أمثلة حية عن تأثير الشائعات وضررها.
4. دور المؤسسات والأفراد
الحكومات والهيئات الرسمية:
تشجيع الشفافية وفتح قنوات تواصل رسمية وسريعة لتفنيد الإشاعات.
تعاون مع مؤسسات المجتمع المدني لإطلاق حملات توعية ذكية.
الصحفيون والمثقفون:
نشر تقارير تحليلية مرمزة بأسلوب “الإثارة المحايدة الذكية” لتشجيع القارئ على التحقق.
المشاركة في المنصات الرقمية بنقاش هادف بعيد عن التعصب.
الفرد المستخدم:
ممارسٌ واعٍ: لا يكون ناقلًا بل مُحققًا.
مثال للشبكات الصغيرة: إذا تلقيت شائعة، لا تنشرها قبل مشاركتها مع صديق خبير طلبًا للتدقيق.
خاتمة
إن معركة الوعي الرقمي ليست خيارًا، بل ضرورةٌ لاستعادة مناعة عقلية تحمي الأمة من استغلال الخلافات وجني المكاسب على حسابنا. بالمعرفة النقدية والتعاون المجتمعي، نصنع حصنًا رقميًا لا ينهدم أمام زوابع الشائعات، ونرسم طريقًا نحو تواصلٍ مبنيٍّ على الثقة والمعلومة الدقيقة.