تسريب في سيغنال.. والغارات لم تتوقف

متابعة وتحليل إدارة الإعلام الإستراتيجي بوكالة بث:
البيت الأبيض: الهجوم على الحوثيين نجح.. وهذه هي الحقيقة الأهم
في مشهد يُجسّد تعقيد الحرب الحديثة، التي تدار في غرف المراسلة بقدر ما تُخاض في السماء، واجه البيت الأبيض هذا الأسبوع ضجة إعلامية وسياسية كبيرة، بعد تسريب غير مقصود لخطة الضربات الأميركية على الحوثيين في اليمن، عبر تطبيق المراسلة المشفر "سيغنال"، وهو التطبيق الذي يستعمله مسؤولون أميركيون كبار.
كيف بدأ التسريب؟
الصحافي الأميركي الشهير جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك"، أعلن أنه أُضيف عن طريق الخطأ إلى مجموعة مراسلة سرية تضم 18 مسؤولًا رفيعًا في إدارة الرئيس دونالد ترامب، بينهم وزير الدفاع، وزير الخارجية، نائب الرئيس، ومدير CIA.
غولدبرغ صرّح أنه تلقى تفاصيل دقيقة عن موعد الضربات وأهدافها وأنواع الأسلحة المستخدمة، مشيرًا إلى أن الهجوم الأول وقع بالفعل بعد ساعتين من الرسالة، في تمام الساعة 1:45 ظهرًا بتوقيت واشنطن.
البيت الأبيض يقلل من الخلل:
في رد رسمي، أكد البيت الأبيض أن "التسريب لم يشمل أي مواد سرية، ولا توجد خطط حرب تم تبادلها بالمعنى الفني".
وصرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن ما حدث هو "محاولة لتشتيت الانتباه عن نجاح الضربات"، مؤكدة أن "العمليات في اليمن مستمرة، والنتائج على الأرض تتحدث عن نفسها".
أما الرئيس دونالد ترامب، فقال بوضوح :
"تسريب غير مهم… مجرد خلل بسيط، لكن الهجوم كان فعالًا جدًا. ما يهم هو النتيجة، وليس اللغط الإعلامي."
وأضاف أن مستشاره للأمن القومي مايك والتز "رجل طيب وقد تعلّم من الخطأ"، مشيرًا إلى أن وجود الصحافي لم يؤثر على أي من العمليات.
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن "تسريب محادثة سيغنال بشأن خطط ضرب الحوثيين حدث عن طريق الصدفة وسنتعلم من الخلل"، مشيرا إلى أنه لا معلومات بشأن الضربات على الحوثيين في محادثة سيغنال المسربة.
وأعلن البيت الأبيض، في وقت سابق الثلاثاء، أن الجدل حول التسريب الأمني المتعلق بالضربات على اليمن محاولة منسقة لتشتيت الانتباه عن نجاحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب
📲 ما هو تطبيق "سيغنال"؟ ولماذا كل هذه الضجة؟
"سيغنال" هو تطبيق مراسلة فورية مشفر يُستخدم على نطاق واسع بين الصحافيين والناشطين والمسؤولين الحكوميين نظرًا لقدرته العالية على حماية الخصوصية.
لكن في هذه الحالة، تحوّل من أداة أمان إلى نقطة ضعف، بعدما تم استخدامه لتداول معلومات عملياتية حساسة جدًا دون تأكد من هوية الأعضاء المُضافين.
الضجة تعكس مخاوف من استخدام قنوات غير رسمية في تداول قرارات عسكرية، خصوصًا في وقت حرب، ما يفتح الباب أمام أخطاء بشرية قد تُستغل استخباراتيًا، أو تُسبب فشلًا استراتيجيًا مستقبليًا.
عندما تتفوق الإثارة على المسؤولية: سؤال للضمير الإعلامي
في خضم الضجة التي أثارها تسريب خطط الضربات على اليمن، يبرز سؤال لا يمكن تجاهله:
هل يدرك الإعلام الأميركي أن بلاده تخوض حربًا؟
حين يتسابق بعض الصحافيين على نشر ما يثير العناوين لا ما يحمي الوطن، تتجاوز المسألة مجرد سبق صحفي.
يبدو أحيانًا أن هناك من يمارس الصحافة بعقلية انفصال تام عن الواقع الوطني، وكأن البلاد ليست في مواجهة مفتوحة مع ميليشيا مسلحة مدعومة من دولة تصر على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
والأخطر أن بعض التسريبات لا تحدث بسبب اختراق خارجي، بل بسبب سلوكيات داخلية هشّة، وإصرار على استخدام وسائل غير آمنة لأسباب تتراوح بين الكسل، والثقة الزائدة، أو حتى الإهمال.
هنا، يصبح السؤال الحاسم:
هل الخلل في التكنولوجيا؟ أم في العقول التي تُصر على استغلال هشاشتها حتى لو كلفت الأمن الوطني ثمنًا باهظًا؟
الخلل الحقيقي ليس في "سيغنال"، بل في من يرى في لحظة الحرب فرصة للجدل لا للوحدة، وفي من يخلط بين حرية الصحافة وفوضى النشر.
قد تكون الديمقراطية الأميركية قوية بما يكفي لتحمّل هذه الأخطاء، لكن تكرارها في لحظات حرجة قد يكلّف المواطن الأميركي أكثر مما يتخيله الصحفي الباحث عن الإثارة.
💣 الهجوم مستمر.. والتسريب لم يوقف شيئًا
رغم كل الجدل، واصلت الولايات المتحدة عملياتها ضد الحوثيين في اليمن لليوم الحادي عشر على التوالي، حيث نفذت 13 غارة جوية على مواقع لتخزين الأسلحة وتحصينات تحت الأرض يُعتقد أن قادة حوثيين يتحصّنون فيها.
وفي السياق نفسه، توسّعت حملة الضغط على إيران، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الثلاثاء، عن فرض عقوبات جديدة على ثلاثة أفراد مرتبطين بوزارة الاستخبارات الإيرانية، ضمن جولة خامسة من العقوبات منذ إعادة ترامب سياسة "أقصى الضغوط" في فبراير الماضي. كما شملت العقوبات كيانًا صينيًا متهمًا بشراء النفط الإيراني بطريقة مخالفة.
الرسالة الاستراتيجية من الضربات واضحة، ولن تتوقف بسبب زلة تقنية أو إدارية.
التسريب أعاد تسليط الضوء على دور إيران كداعم مباشر للحوثيين، وربما حفّز المؤسسة الأميركية على تسريع الخطوات العقابية ضد طهران.
قد يدفع وزارة الدفاع الأميركية إلى تغيير تكتيكات الهجوم القادمة.
الخلاصة: التسريب قد يُعدّل شكل الهجوم، لكنه لن يُوقفه.
تحليل استراتيجي: بين الخلل والتوازن
ما حدث يُبرز مفارقة أميركية قديمة جديدة: نقطة القوة التقنية قد تكون أيضًا نقطة ضعف أمنية.
ورغم أن البيت الأبيض حاول احتواء التسريب والتقليل من شأنه، فإن الحادث يكشف هشاشة البنية الاتصالية حتى في أعلى مستويات القرار، ويطرح أسئلة خطيرة:
من يراجع قنوات التنسيق في لحظة القرار العسكري؟
وهل ستتكرر مثل هذه "الخللات" في ملفات أكثر حساسية مثل تايوان أو الخليج؟
في المقابل، فإن استمرار الغارات دون تأخير، وتماسك موقف الإدارة في الخطاب والقرار، يعكس أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على فرض هيبتها العملياتية، حتى في ظل ارتباك اتصالي.
🔮 قراءة مستقبلية: ما بعد التسريب
داخليًا:
من المرجّح أن تُفتح تحقيقات في الكونغرس، ليس بسبب ما تسرّب، بل لماذا تم الاعتماد على "سيغنال" لتداول معلومات بهذا المستوى.
عسكريًا:
الهجوم ضد الحوثيين قد يتوسع، خصوصًا إذا تم ربط أي تصعيد باستمرار الدعم الإيراني المباشر. وربما نشهد قريبًا ضربات مزدوجة: تكتيكية ضد الحوثي، واقتصادية ضد إيران.
دبلوماسيًا:
السعودية، التي استضافت مفاوضات أميركية - روسية - أوكرانية في نفس الفترة، أصبحت في موقع محوري بين إدارة الحرب وهندسة السلام، وهو توازن بالغ الأهمية في الأسابيع المقبلة.