الصحفي بين الفصحى واللهجة: حين تتحدث المهنة وتهمس الروح

news image

 

✍️   عبدالله العميره 

في زحمة المواقف، وتحت ضغط العناوين، يظهر الصحفي دائمًا بلغة تشبه البزّة الرسمية: الفصحى الصحفية، المتقنة، الحاسمة، الدقيقة...
لكن خلف المايكروفون، أو بعد انتهاء النشرة، يتسلل صوتٌ آخر... أكثر دفئًا وأقل صرامة: صوت اللهجة.

قد يبدو الأمر ازدواجية لغوية، لكنه في الحقيقة انسجام دقيق بين العقل والمشاعر، بين الخطاب الرسمي والحديث الإنساني.
فالصحفي، رغم حرفيته، ليس آلة بث... بل كائنًا اجتماعيًا، يحب، يمزح، يتعاطف، ويتحدث بلغة جدّته إن لزم الأمر.

 بين المهنية والانتماء:

الفصحى ليست ترفًا لغويًا، بل ضرورة مهنية.
هي لغة تُوحِّد الفهم، وتكسر الفوضى، وتُعطي للخبر شكله الجاد.
هي سلاح التحرير، وميزان العناوين، ومقياس الدقة.

أما اللهجات، ورغم بعدها عن الرسمية، فإنها تُعبّر عن الانتماء، وتجعل للصحفي جذورًا في الأرض التي يكتب عنها.

الصحفي الحقيقي يعرف أن الفصل بين اللهجة والفصحى لا يعني الانفصال، بل هو أشبه بتغيير نغمة الصوت حسب السياق.

 

  لحظات يتكلم فيها القلب:

في بعض التقارير، قد تكون اللهجة المحلية أكثر صدقًا وتأثيرًا من اللغة المعيارية.
صوت أحدهم وهو يروي حدثًا من قلب بيئته، يحمل مشاعر لا تُترجم… بل تُفهم بالفطرة.

وهنا، يظهر الصحفي السايكولوجي، لا الناقل فقط.
الذي يقرأ خلف الحدث… ويصوغ خلف السطر.

 

  الصحفي بين لغتين… وبين عالمين:

وربما أجمل ما في الأمر، أن لهجاتنا لم تكن يومًا عائقًا أمام الصحافة.
بل حين تُحترم، وتُوظف في موضعها، تكون جسرًا لفهم الجمهور، وتقوية الثقة، وكسر الحواجز.

 

  خلاصة  :

الصحفي البارع هو السايكولوجي الحاذق.
يعرف متى يتحدث بلغة المهنة… ومتى يهمس بلغة الناس.
الفصحى تصوغ الخبر… واللهجة تصنع العلاقة.
وما بين السطرين، يولد أثر لا يُنسى.