الرياض تستضيف الجولة الثالثة لوقف النار: حين تصنع الدبلوماسية فرص السلام

الرياض – متابعة وتحليل إدارة الإعلام الإستراتيجي بوكالة بث
تحتضن العاصمة السعودية الرياض الجولة الثالثة من مفاوضات وقف إطلاق النار، بمشاركة أطراف النزاع الإقليمي ودعم دولي متزايد، في مسعى لتعزيز الاستقرار وفتح نافذة نحو الحلول السياسية.
وتأتي هذه الجولة وسط تطورات ميدانية معقدة وسياقات إقليمية متشابكة، حيث تؤكد المملكة على دورها كـ وسيط نزيه وشريك موثوق في جهود إحلال السلام.
وتعمل الرياض، من خلال هذه المبادرة، على توفير بيئة تفاوضية آمنة ومحايدة، ما يعكس التحول الإستراتيجي في دورها من لاعب إقليمي إلى صانع للسلام على المستوى الدولي.
التحليل الاستراتيجي (بأسلوب بث):
لم تعد العاصمة السعودية مجرد مقر اقتصادي، بل باتت منصة دبلوماسية عالمية تُنسج فيها خيوط السلام وسط صراعات معقدة.
جولة ثالثة.. لكن بلهجة مختلفة:
المفاوضات هذه المرة تتسم بقدر أكبر من النضج السياسي والتقارب المرحلي، ما قد يجعلها أقرب إلى "لحظة فارقة" بدلًا من مجرد لقاء بروتوكولي.
الرسائل غير المعلنة:
احتضان الرياض لهذه الجولة رسالة ناعمة إلى المجتمع الدولي:
"السلام لا يُفرض، بل يُبنى. ونحن نبنيه هنا."
ماذا بعد؟
إذا نجحت هذه الجولة، فستكون نقطة تحوّل في إعادة تشكيل التوازن الإقليمي، معززة بدور سعودي متصاعد في إدارة الأزمات بدل الاكتفاء بتأثرها بها.
وفي ظل استضافة الرياض للجولة الثالثة من مفاوضات وقف إطلاق النار، تتقاطع الجهود الإقليمية مع تحركات دولية أكثر برودًا ولكن لا تقل عمقًا. فبين واشنطن وموسكو، تدور محادثات غير معلنة تُعيد رسم حدود الاشتباك السياسي، وتطرح بصوت خافت تساؤلات عن الجدوى من استمرار النزاع.
وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة ضبط علاقتها مع كييف، عبر رسائل دعم مشروطة، تحمل في طياتها دعوة غير مباشرة إلى النظر في الحلول السياسية، بعد أن طال أمد الحرب وارتفعت تكلفتها على كافة المستويات.
أما على الجبهة الشرقية، فـ"مبادرة البحر الأسود" التي تقودها تركيا بدعم أممي، لم تعد مجرد اتفاق إنساني لتصدير الحبوب، بل تحوّلت إلى منصة تفاوضية مرنة تجمع بين المصالح الروسية والغربية في أكثر الملفات حساسية: الأمن الغذائي، والطاقة، والرمزية السياسية.
هذه التحركات، وإن جاءت من عواصم متفرقة، تشير إلى تغير في اللغة الدولية، من الصدام إلى الموازنة، ومن الإقصاء إلى الاحتواء. وفي خضم ذلك، تبرز الرياض كلاعب محوري قادر على وصل الخيوط، وتوفير منصة آمنة تجمع الشرق بالغرب على طاولة واحدة.
في الحروب، لا تُصنع الحلول دفعة واحدة، بل تتسلل على هيئة مبادرات متناثرة، تُجمع لاحقًا في يد من يحسن قراءة اللحظة.
والرياض الآن ليست فقط تقرأ المشهد، بل تُعيد كتابته... بخط خليجي أكثر نضجًا.
المكاسب من السلام بين روسيا وأوكرانيا، مقسمًا على ثلاثة مستويات:
🏛️ أولًا: المكاسب الأمريكية
🔹 1. تقليل الاستنزاف المالي والعسكري
الحرب كلّفت واشنطن أكثر من 75 مليار دولار، ومزيدًا من الإنفاق يعني ضغطًا سياسيًا داخليًا.
وقف الحرب يوفر متنفسًا للتركيز على ملفات أخرى (الصين، الاقتصاد، الانتخابات).
🔹 2. الحفاظ على الهيبة دون الهزيمة
وقف الحرب دون خسارة كاملة لأوكرانيا يتيح لواشنطن الادعاء بأنها "تصدت لروسيا" بنجاح،
ويمنحها خروجًا مشرفًا دون الظهور كمن تخلّى عن حليف.
🔹 3. كبح تمدد الصين بهدوء
التفرغ للتصعيد مع الصين سياسيًا وتقنيًا دون جبهة مفتوحة مع موسكو.
السلام شرق أوروبا يفتح اليد للضغط غرب آسيا.
🇸🇦 ثانيًا: المكاسب السعودية
🔹 1. تثبيت دورها كقوة دبلوماسية عالمية
نجاح الوساطة السعودية في تقريب وجهات النظر يمنحها شرعية سياسية جديدة تتجاوز النفط والطاقة.
تصبح الرياض وجهة دائمة للحلول، لا للأزمات فقط.
🔹 2. استقرار السوق النفطية
الحرب سبب رئيسي في تقلب أسعار الطاقة، ووقفها يحقق توازنًا يخدم رؤية السعودية كمنتج مستقر وموثوق.
🔹 3. تعميق العلاقات مع جميع الأطراف
السلام يعطي الرياض فرصة لتقوية علاقاتها مع روسيا وأمريكا وأوروبا في آنٍ واحد،
ويمنحها موقعًا فريدًا لـ إدارة التحولات العالمية دون الاصطفاف الكامل مع أحد.
🌍 ثالثًا: المكاسب العالمية
🔹 1. خفض التوتر النووي
كلما طال أمد الحرب، اقتربت احتمالات التصعيد النووي، حتى لو بشكل غير مباشر.
وقف الحرب يعيد ضبط عقارب الخطر.
🔹 2. تحسين الأمن الغذائي والطاقة
أوكرانيا وروسيا من أكبر مصدّري الحبوب والأسمدة والطاقة.
السلام يعني عودة الإمدادات، وخفض الأسعار عالميًا، وتقليل خطر المجاعات في الدول النامية.
🔹 3. تجديد النظام الدولي بتفاهم لا بصراع
الحرب مزقت صورة الأمم المتحدة ومجلس الأمن،
أما السلام المدعوم دوليًا فقد يكون نواة لإصلاح قواعد العلاقات الدولية بطريقة أكثر توازنًا.
🧭 خلاصة رمزية من "بث":
"حين يسكت المدفع، تبدأ السياسة في استعادة دورها الحقيقي: لا لتقسيم العالم إلى محاور، بل لإعادة هندسة المصالح بما يخدم الجميع."