اقتصاد الزهور وتكنولوجيا الأمل: كيف تُعيد الصين تعريف الريف؟

إعداد وتحليل: إدارة الإعلام الاستراتيجي - وكالة بث
في زمن تتشابك فيه الأزمات السياسية والاقتصادية حول العالم، وبينما تُستهلك موارد الشعوب في حروب طويلة لا تنتهي، تطلّ الصين من نافذتها التنموية برؤية مختلفة: بناء الداخل من خلال الإنسان، وتوظيف التقنية لصالح الطبيعة، وتحويل الريف من عبء اقتصادي إلى محرك تنموي.
مقاطعة يونان، جنوب غرب الصين، تتحوّل اليوم إلى نموذج حيّ لهذه الرؤية، من خلال مشروع متكامل يقوم على "اقتصاد الزهور"، والزراعة الذكية، والسياحة الثقافية.
الزهرة كرمز جديد للاقتصاد التنموي
في مجمع ليجيانغ الصناعي الحديث للزهور، يُعاد تعريف الزراعة. لا حديث هنا عن فقر، أو تهميش، أو عزوف عن العمل. بل عن تكنولوجيا الزراعة بدون تربة، والري الذكي، وتكامل المياه والأسمدة بنسبة تفوق 85٪. هنا لا يُزرع فقط النبات، بل تُزرع الفرص.
الزهور تُقطف وتُنقل من ليجيانغ إلى بكين وشنغهاي خلال 36 ساعة، وتُصدّر إلى اليابان وفيتنام وروسيا. 300 فرصة عمل مباشرة، وأكثر من مليون فرصة غير مباشرة.
إنه ليس فقط "اقتصاد زهور"، بل اقتصاد إنساني، يُعيد توزيع التنمية، ويخلق توازنًا بين المركز والأطراف.

الرئيس الصيني بين الزهور والمزارعين
خلال جولته الأخيرة، لم يزر الرئيس شي جين بينغ مصانع سلاح، بل مزارع زهور. سأل المزارعين عن الدخل، وعن السوق، وعن طموحاتهم. وحين علم أن متوسط الدخل الشهري يزيد عن 7000 يوان في مواسم الذروة، قال مبتسمًا: "أتمنى أن تكون حياتكم جميلة كالزهور".
رسالة غير مباشرة للعالم: التنمية لا تُقاس بمؤشرات النمو فقط، بل بالكرامة، والجَمال، واستدامة الحياة.
السياحة الثقافية: عندما تُصبح الذاكرة اقتصادًا
مدينة ليجيانغ القديمة، المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، تشهد نهضة سياحية غير مسبوقة. من خلال دمج الثقافة بالتقنيات الحديثة، والفن بالحِرف الشعبية، استطاعت ليجيانغ أن تجذب 17 مليون سائح في 9 أشهر فقط.
وهنا المفارقة: في حين تدمّر بعض الدول آثارها ومتاحفها في الحروب، تُحوّل الصين تراثها إلى مصدر دخل مستدام.
هل هي دعوة صامتة إلى العالم؟
ما يحدث في يونان ليس مشروعًا محليًا فحسب، بل رسالة عالمية: يمكن للدول أن تبني بدلاً من أن تهدم، أن تُصدر الجمال لا الرعب، وأن تُقيم تحالفات تعمير بدلاً من تحالفات تدمير.
ربما آن الأوان لتأسيس "تحالف عالمي للتنمية"، تكون فيه الدول المنتجة للأمل أكثر من تلك التي تُنتج السلاح.
رسائل ذكية إلى المستثمرين والشركاء:
الصين لا تُصدر منتجات فقط، بل نماذج تنموية قابلة للتوسيع.
مقاطعة يونان ليست بعيدة عن الشرق الأوسط من حيث الإمكانات المناخية والطبيعية.
الاستثمار في الزراعة الذكية والسياحة الثقافية بات رافدًا جديدًا للاقتصادات المستقرة.
خاتمة:
من زراعة الزهور إلى صناعة الفرص، ومن إحياء التراث إلى تحويله إلى ثروة، تُقدّم يونان درسًا في التنمية الذكية.
ولعلّ أهم ما في هذه التجربة، أنها تُظهر كيف يمكن لفكرة بسيطة (كالزهرة)، أن تكون بذرة لرؤية عالمية تُثمر تعاونًا، وأمنًا، وتوازنًا اقتصاديًا وإنسانيًا.
وإن كان من رسالة ختامية، فهي: من حق الجميع أن يحلموا بريف أخضر، ومدينة نابضة بالحياة، ومواطِن لا يبحث عن مكانه في العواصم الكبرى، بل يصنعها من أرضه.