إسرائيل.. حين تحكمها "عقلية الحرب"

✍️ عبدالله العميره*
في زمنٍ تعاني فيه البشرية من تصاعد موجات العنف والتطرف، كان من الممكن أن تتحول إسرائيل إلى نموذج للسلام والتعايش، لكنها اختارت – أو أُجبرت على اختيار – العقلية العسكرية كخيار وحيد لإدارة الدولة والمجتمع.
منذ نشأتها حتى اليوم، لم تحكم إسرائيل حكومة مدنية صافية، بل تولّى زمام الأمور قادة بخلفيات أمنية أو عسكرية، تَشكَّل وعيهم في ساحات الصراع، لا في مراكز الحوار.
سلامٌ مؤجّل... أم خيارٌ مستبعد؟
هل يعقل أن دولة بأكملها لم تُنتج قائدًا مدنيًا ينادي بسلام واقعي، لا مجرد شعارات انتخابية؟
هل السلام خيار حقيقي في قاموس المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، أم أنه مجرد "ورقة تكتيكية" تستخدم عند الضرورة، ثم تُسحب تحت ذريعة "التهديد الوجودي"؟
من يراقب سياسة إسرائيل في غزة، ولبنان، وسوريا، بل حتى في الداخل الفلسطيني، يجد أن هناك من يتعمّد توسعة دائرة الخطر، لا تقليصها. وكأن الدولة تحتاج دائمًا إلى عدو لتبرير مواقفها، وتسويغ قمعها الداخلي، وكسب ولاء الخارج.
كما يُقال: "إذا لم تجد الشياطين من تحاربه.. تحارب نفسها."
حين يصبح العقل أمنياً
السياسة في إسرائيل تُدار بعقل أمني، لا سياسي. وهذا فرق جوهري. فالسياسي يرى في التسوية مخرجًا، أما العسكري فيراها "هُدنة تكتيكية". السياسي يؤمن بقوة الفكرة، أما العسكري فلا يثق إلا بالقوة المسلحة.
وهنا نعود إلى الجذور: إسرائيل – حتى اليوم – لم تُدار من عقل مدني يُجيد قراءة المنطقة بثقافتها، وتاريخها، وأوجاعها. ولهذا فإن مشاريع السلام غالبًا ما تولد "ناقصة" أو "ملغّمة" أو مؤجلة حتى إشعار آخر.
قصة من الذاكرة الإعلامية: حين حاولنا صناعة السلام عبر الخبر
في عام 2013، كانت وكالة بث في بداياتها، ومع ذلك قررت أن ترسل مراسلين إلى إسرائيل.
لم يكن الهدف تقليديًا: "تغطية الصراع"، بل توجيه جديد: "البحث عن التعمير وسط الدمار".
ثلاثة مراسلين فشلوا في كسر هوس الحرب. وحدها فتاة فلسطينية – بمهنية عالية – أعادت لنا الأمل:
أول تقرير لها كان عن حاخام إسرائيلي تبرع بكِلية ابنه (المتوفى دماغيًا) لطفل فلسطيني يصارع الفشل الكلوي.
كان الخبر إنسانيًا، واقعيًا، بلا شعارات ولا عنتريات. ولاقى صدى واسعًا.
لكن الحقيقة المؤلمة التي ترسّخت لاحقًا: أن أصحاب القرار في إسرائيل لا يريدون للسلام أن ينجح.
إسرائيل وإيران... شراكة في العبث؟
قد يبدو مستغربًا الحديث عن "تفاهم غير مباشر" بين إسرائيل وإيران، وهما يرفعان شعار العداء التاريخي.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا:
- كلا الطرفين بحاجة إلى "عدو وجودي" ليبرر عسكرة الداخل وقمع المعارضة.
- وكلما اقتربت فرص التهدئة، تم إشعال النيران في لبنان، سوريا، اليمن.
- وكأنهم يتقنون لعبة التوازن السلبي: لا نريد حربًا شاملة، ولا نسمح بسلامٍ شامل.
الشعبان رهينة "العصابات"
الشعبان، الإسرائيلي والفلسطيني – وبخاصة شبابهما – هما الأكثر وعيًا بأهمية التعايش، والوحيدان القادران على كسر دائرة الدم.
لكنهم – بكل أسف – رهينة لصراع تُديره "عصابات سياسية وعقائدية" لا تبحث عن مستقبل، بل تستثمر في خراب الحاضر.
ماذا لو؟
- ماذا لو خرجت حكومة مدنية إسرائيلية حقيقية، بفكر جديد، وأعلنت أن السلام ليس "تنازلاً"، بل "خلاصاً"؟
- ماذا لو اتفقت تل أبيب ودمشق وبيروت على خطة أمنية مشتركة لإنهاء التهديدات بدل استثمارها؟
- ماذا لو سُمعت أصوات الشباب الإسرائيلي والفلسطيني فوق أصوات الجنرالات والملالي؟
ربما يتغير التاريخ... وربما لا.
خاتمة : السلام ليس وهماً، بل ضحية بين أيدي المتطرفين.
وإن أراد العالم فعلاً أن يرى إسرائيل تُضيء لا تُشعل، فعليه أن يُساند المدني لا العسكري، والمُعمِّر لا المُخرِّب.