الإعلام: بين تكرار إنتاج الماضي والمستقبل

✍️ كتب – عبدالله العميره
كيف يتعامل الإعلام مع الماضي؟
دراسة الماضي بشكل علمي وموضوعي أمر ضروري، خاصة عندما يتم تحليله لفهم تأثيراته على الحاضر والمستقبل. فالتعلم من التجارب السابقة، سواء الناجحة أو الفاشلة، يساعد على تجنب تكرار الأخطاء ويؤدي إلى نهضة فكرية وثقافية.
لكن المعضلة الحقيقية تكمن في كيفية تعامل الإعلام العربي مع الماضي، حيث تبدو بعض المنصات الإعلامية عالقة في دوامة إعادة إنتاج الشخصيات والتنظيمات المتطرفة التي انتهى تأثيرها أو أصبحت بلا قيمة حقيقية، لكنها تُمنح مساحة إعلامية تُعيد إحياءها وتجعلها جزءًا من الوعي العام.
سقطة الإعلام العربي: إعادة إنتاج الإرهاب إعلاميًا
يركز الإعلام العربي التقليدي بشكل مفرط على شخصيات مثل الإخوان المسلمين، القاعدة، داعش، حماس، الحوثيين وغيرهم، مما يجعلهم "رموزًا" بطريقة غير مباشرة، حتى لو كان الهدف مهاجمتهم. هذه الاستراتيجية تمنحهم شرعية ضمنية، وتساهم في استمرارية خطابهم بدلًا من دفنهم إعلاميًا.
لماذا يعيد بعض الإعلاميين فتح ملفات الجماعات الإرهابية؟
هناك عدة دوافع تجعل الإعلاميين المخضرمين يستمرون في إعادة تدوير قضايا الجماعات الإرهابية، رغم أن تأثيرها تراجع بشكل كبير:
- افتقارهم إلى المحتوى الجديد والتجديد الفكري
- بعض الإعلاميين عالقون في الماضي ولم يطوروا أدواتهم الفكرية لمواكبة قضايا العصر مثل الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا، والتنمية.
- إعادة طرح نفس القضايا القديمة هو الحل الأسهل لهم بدلًا من ابتكار محتوى جديد يتطلب البحث والتحليل العميق.
- استمرار حضورهم داخل دوائر معينة.
هؤلاء الإعلاميون غالبًا بنوا شهرتهم على تناول هذه القضايا، وأصبحوا مرتبطين بها.
- جمهورهم التقليدي يفضل سماع نفس الخطاب القديم، ويعتبرهم مصدرًا للمعلومة، حتى لو كانت مكررة.
استخدام التاريخ لتفسير الواقع بشكل سطحي.
- إعادة فتح ملفات الجماعات المتطرفة يُستغل كأداة لتفسير الأوضاع السياسية الحالية، رغم أن الواقع قد تغيّر.
- بعض الإعلاميين يستخدمون العدو القديم كذريعة لتفسير أي أزمة سياسية معاصرة بدلًا من تحليل العوامل الحقيقية.
- استثمار إعلامي في الصراع العاطفي.
- الإعلاميون يدركون أن المواضيع المثيرة للجدل تجلب التفاعل الجماهيري، حتى لو لم تكن تقدم شيئًا جديدًا.
- الجمهور، وخاصة الفئات التقليدية، تنجذب إلى النقاشات الساخنة التي تستعيد ذكريات قديمة للصراعات مع الجماعات المتطرفة.
لماذا تفتح القنوات الكبرى المجال لهم؟
- بعض القنوات الكبرى لا تزال تمنح هؤلاء الإعلاميين مساحة واسعة لإعادة تدوير هذه القضايا لعدة أسباب:
- بعض القنوات تلجأ لهذه الملفات عندما لا يكون لديها محتوى جاد أو تريد تشتيت الانتباه عن مواضيع أكثر أهمية. بدلًا من مناقشة الأزمات الاقتصادية، تحديات التعليم، أو التحولات الرقمية، يتم تقديم النقاش حول الجماعات المتطرفة كأنه أولوية إعلامية.
استغلال العواطف الجماهيرية
القنوات تعلم أن قضايا مثل الإخوان تثير مشاعر قوية لدى الجمهور، مما يزيد من معدلات المشاهدة والنقاش.
- إبقاء العدو الإعلامي حيًا.
- بعض المؤسسات الإعلامية تحتاج دائمًا إلى عدو تُحاربه إعلاميًا، والجماعات المتطرفة هي الخيار الأسهل.
ذا يمنح القناة استمرارية في السردية الإعلامية، بحيث تكون لديها دائمًا قضية مشتعلة تحافظ على جمهورها.
هل هذه الاستراتيجية الإعلامية فعالة أم أنها تعيق التقدم؟
السلبيات:
- إعادة تدوير المواضيع القديمة يستهلك وقتًا إعلاميًا كان يمكن استثماره في بناء وعي جديد حول المستقبل.
- الجمهور أصبح أكثر وعيًا، ويدرك أن بعض هذه النقاشات لم تعد تلامس الواقع الحقيقي.
- هذا الخطاب يعزز عقلية الماضي - وقد يحرك ناراً إنطفأت - بدلًا من التركيز على قضايا الشباب، الاقتصاد، والثورة الرقمية.
البدائل الأفضل:
- إعلام يركز على تحليل الحاضر واستشراف المستقبل بدلًا من اجترار التاريخ.
- خلق محتوى يناقش كيف نتجنب تكرار الأخطاء، بدلاً من مجرد استذكارها.
- توجيه النقاش إلى القضايا الحقيقية والتحديات التي تواجه جيل اليوم وأجيال المستقبل.
كيف نعيد رسم استراتيجية الإعلام؟
✅ سياسة "النسيان الإعلامي" .
✅ التركيز على الحاضر والمستقبل
✅ مواكبة التطورات الإعلامية
✅ برامج تبني الوعي وتفكك التزييف الإعلامي
✅ إستراتيجية الاستبدال التدريجي للإعلام التقليدي بمحتوى أكثر حداثة وتأثيرًا
الهدف النهائي: صناعة إعلام عالمي ذكي، يخاطب العقول، يتجاوز الضجيج، ويبني وعيًا حقيقيًا للمستقبل.