خطاب ترامب أمام الكونغرس - وتحليله

news image

متابعة وتحليل إدارة الإعلام الإستراتيجي بوكالة بث:

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء أن إدارته "لا تزال في بدايتها"، متفاخرًا في خطاب ماراثوني أمام الكونغرس بأن جهوده لخفض حجم القوى العاملة في الحكومة الفيدرالية، وإعادة توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتصعيد حرب تجارية محفوفة بالمخاطر، تمثل بداية "أيام ستكون الأكثر إثارة في تاريخ بلادنا". في المقابل، احتج النواب الديمقراطيون داخل القاعة برفع لافتات مكتوب عليها "أكاذيب" و"تزوير".

افتتح ترامب خطابه الذي ألقاه في وقت الذروة أمام الكونغرس، وهو أول خطاب له في ولايته الثانية وأطول خطاب في تاريخ الولايات المتحدة، بالقول: "أمريكا عادت". وقوبل تصريحه بهتافات صاخبة من الجمهوريين الذين رددوا شعار "الولايات المتحدة الأمريكية! الولايات المتحدة الأمريكية!".

على مدار ساعة وأربعين دقيقة، أشاد ترامب بـ"الإجراءات السريعة والحازمة" التي اتخذتها إدارته، وأثنى على عمل مستشاره الملياردير إيلون ماسك، الذي قاد جهود الإدارة لإجراء تخفيضات كبيرة في حجم الحكومة الفيدرالية عبر ما يُعرف بـ"إدارة الكفاءة الحكومية". وقال ترامب: "شكرًا لك، إيلون"، مشيرًا إلى ماسك الذي كان جالسًا في قاعة مجلس النواب، حيث رفع الديمقراطيون لافتات مكتوب عليها "ماسك يسرق".

استغل ترامب هذه المناسبة المهمة للدفاع عن الإجراءات التي اتخذتها إدارته خلال الأسابيع الأولى من عودته إلى السلطة، مشيرًا إلى أنه وقع على ما يقرب من 100 أمر تنفيذي وأكثر من 400 إجراء إداري.

وقال: "لقد انتخبني الشعب للقيام بالمهمة، وأنا أقوم بها"، دون أن يتطرق إلى التحديات القانونية التي أوقفت العديد من قراراته، أو إلى المخاوف المتزايدة من أن حربه التجارية قد تدفع الاقتصاد إلى الاضطراب.

السياسة الخارجية: "أمريكا أولًا" ونهج جديد تجاه أوكرانيا وروسيا

توسع ترامب في رؤيته للسياسة الخارجية القائمة على مبدأ "أمريكا أولًا"، وذلك بعد أيام فقط من اجتماع متوتر في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث وجه ترامب وعضو مجلس الشيوخ جي دي فانس انتقادات لزيلينسكي بسبب "عدم إظهار الاحترام الكافي".

وأثناء خطابه، قرأ ترامب مقتطفات من رسالة أرسلها له زيلينسكي في وقت سابق من اليوم، والتي أعرب فيها عن استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. وأضاف ترامب أن الولايات المتحدة تلقت في الوقت ذاته "إشارات قوية" من روسيا تفيد بأن موسكو "مستعدة للسلام". وقال: "ألن يكون ذلك جميلًا؟"

وتحدث ترامب عن طموحات الولايات المتحدة في التوسع الإقليمي، حيث أعلن أن إدارته تعمل حاليًا على "استعادة قناة بنما"، وكرر تهديده السابق بالاستيلاء على غرينلاند، قائلاً: "بطريقة أو بأخرى، سنحصل عليها".

إصلاحات الحكومة وكفاءة الإنفاق: "إيلون ماسك يقود التغيير"

استعرض ترامب بعض المبادرات التي حددها فريق ماسك باعتبارها غير ضرورية، مثل تمويل برنامج "شارع سمسم العربي"، وتمويل أبحاث حول "تحويل الفئران إلى متحولين جنسياً"، وبرامج لدعم حقوق المثليين في ليسوتو، وهي دولة أفريقية قال إنها "لم يسمع بها أحد من قبل".

وبلهجة ساخرة، قال: "هذا حقيقي"، مما أثار ضحك نصف الحاضرين. لكنه زعم أيضًا أن جهود ماسك لخفض الإنفاق حددت "مئات المليارات من الدولارات من الاحتيال"، وهي مزاعم يشكك فيها الخبراء، حيث أظهرت تقارير أن الحسابات المالية التي يستند إليها فريق ماسك مليئة بالأخطاء والتشوهات.

السياسات الاقتصادية والتجارية: حرب جديدة مع كندا والمكسيك والصين

قبل ساعات من الخطاب، أطلق ترامب حربًا تجارية جديدة ضد ثلاثة من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، مما أدى إلى اضطراب الأسواق المالية وتجدد المخاوف من التضخم.

فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، وزادت إلى 20% التعريفة المفروضة على المنتجات الصينية. وأصر ترامب على أن هذه الخطوة ستساهم في تنمية الاقتصاد وخلق وظائف جديدة، رغم تحذيرات الخبراء من أنها قد تؤدي إلى زيادة الأسعار على المستهلكين وارتفاع معدلات التضخم.

وقال ترامب: "الرسوم الجمركية تجعل أمريكا غنية وعظيمة مرة أخرى"، لكنه اعترف بوجود "اضطراب بسيط"، مضيفًا: "لكننا بخير مع ذلك. لن يكون كبيرًا".

الهجرة والضرائب: تشديد الرقابة على الحدود

احتفل ترامب بسياسات التشديد على الهجرة واللجوء، ودعا الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون إلى تقديم مزيد من التمويل الفيدرالي لتعزيز هذه الإجراءات.

كما دعا إلى تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرتها إدارته خلال فترته الرئاسية الأولى. وفي الوقت نفسه، رفع بعض النواب الديمقراطيين لافتات كتب عليها "أنقذوا برنامج ميديكيد"، في إشارة إلى البرامج الاجتماعية التي قد تتأثر بالميزانية الجمهورية.

خطاب المواجهة: التهكم على الديمقراطيين وإثارة الجدل

على عكس الرؤساء السابقين الذين كانوا يستخدمون مثل هذه الخطابات كفرصة للتقريب بين الأحزاب، اختار ترامب نهجًا تصعيديًا، حيث سخر من خصومه السياسيين، وألقى باللوم على الرئيس السابق جو بايدن في ارتفاع الأسعار، وادعى أن فوزه الانتخابي جلب استثمارات ضخمة في مجال التكنولوجيا لم تكن ستحدث لو فازت كمالا هاريس.

وقال ترامب ساخرًا: "لماذا لا تنضمون إلينا للاحتفال بالعديد من الإنجازات المذهلة لأمريكا؟"، بينما جلس الديمقراطيون عابسين.

ردود الفعل: انقسام حاد واحتجاجات داخل الكونغرس

بينما كان ترامب يتحدث، قام بعض النواب الديمقراطيين بمغادرة القاعة، ومن بينهم النائبة ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، التي فضلت بث ردود فعلها المباشرة على الخطاب عبر منصة "بلو سكاي".

أما السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، فقال عبر بث مباشر قبل الخطاب: "لا أحتاج إلى إضفاء الشرعية على أكاذيبه بمجرد التواجد في القاعة".

في المقابل، ألقى الحزب الديمقراطي ردًا رسميًا على خطاب ترامب عبر السيناتور إليسا سلوتكين من ولاية ميشيغان، التي قالت: "لقد شهدنا فترات من عدم الاستقرار السياسي من قبل، وفي النهاية، اخترنا الاستمرار في تحسين هذا البلد للأفضل".

المصدر

 ________________________________________

تحليل فريق وكالة بث  لخطاب ترامب 

1. طبيعة الخطاب: المواجهة بدلاً من المصالحة

عادةً ما تكون خطابات الرؤساء أمام الكونغرس فرصة لإيجاد قواسم مشتركة بين الأحزاب، وطمأنة الناخبين حول رؤية الإدارة. لكن ترامب، كعادته، اختار نهج التصعيد والمواجهة بدلًا من مدّ يد التعاون للديمقراطيين.

استخدم نبرة انتصارية، وكرر شعارات مثل "أمريكا عادت" و"أيامنا الأكثر إثارة قادمة"، وهو أسلوب يعكس محاولته إظهار القوة والثقة.

استغل المناسبة لتوجيه انتقادات حادة للديمقراطيين، والتفاخر بسياساته، حتى عندما كانت هناك مؤشرات على آثارها السلبية.

2. السياسة الداخلية: تقليص الحكومة والفصل المجتمعي

إصلاحات الحكومة: اعتمد ترامب على إيلون ماسك لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية عبر "إدارة الكفاءة الحكومية"، لكن هذه الخطوة قد تؤدي إلى فوضى إدارية إذا لم تُنفّذ بشكل مدروس، خاصة مع اتهامات بتضخيم أرقام الفساد لتبرير التخفيضات.

الهجرة والتشدد الأمني: واصل ترامب خطه المتشدد في ملف الهجرة، مما عزز الانقسام داخل البلاد، خاصة مع احتجاج الديمقراطيين على تأثير هذه السياسات على اللاجئين.

إثارة القضايا المثيرة للجدل: مثل إلغاء برامج لدعم المثليين، وتقليل تمويل التعليم المتعلق بالتنوع الثقافي، مما يزيد من الانقسام الاجتماعي.

3. السياسة الخارجية: البراغماتية المشوبة بالتناقض

أوكرانيا وروسيا: ترامب أعلن عن إشارات إيجابية من موسكو وكييف حول التفاوض، وهو ما يمكن أن يكون إنجازًا دبلوماسيًا، لكنه جاء بعد اجتماع متوتر مع زيلينسكي، ما قد يعكس عدم استقرار العلاقات.

تصريحات حول قناة بنما وغرينلاند: هذه التصريحات تعكس نهج ترامب القائم على الخطاب الشعبوي والاستفزازي، إذ إن فكرة "استعادة قناة بنما" أو "السيطرة على غرينلاند" غير واقعية دبلوماسيًا، لكنها تُستخدم لإثارة الحماسة بين قاعدته الشعبية.

4. السياسة الاقتصادية: مغامرة محفوفة بالمخاطر

الحرب التجارية: فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين في ليلة الخطاب يعكس رغبة ترامب في الظهور كمدافع عن الاقتصاد الأمريكي، لكنه تجاهل تحذيرات الاقتصاديين من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى زيادة التضخم ورفع الأسعار على المستهلكين.

دعم الطاقة المحلية: أعلن عن حالة طوارئ وطنية في قطاع الطاقة، وهو ما قد يكون محاولة لتحفيز إنتاج النفط والغاز محليًا، لكنه أيضًا قد يؤدي إلى تدهور العلاقات مع الدول المنتجة للنفط مثل السعودية وروسيا.

5. استراتيجية الخطاب: مخاطبة القاعدة الشعبية

ترامب لم يحاول توسيع قاعدة دعمه، بل خاطب أنصاره بأسلوب المواجهة والتحدي.

اعتمد على الاستعراض والشعارات أكثر من تقديم خطط تفصيلية قابلة للتنفيذ.

استخدم أسلوب السخرية والتقليل من خصومه، مثل وصفه بايدن بأنه "أسوأ رئيس في التاريخ"، مما يعزز الاستقطاب الحاد داخل المجتمع الأمريكي.

6. ردود الفعل: تأكيد على الانقسام

الجمهوريون احتفوا بالخطاب وهتفوا له بحماس، بينما كان الديمقراطيون مستائين، وبعضهم غادر القاعة.

الديمقراطيون احتجوا بلافتات مثل "أكاذيب" و"احفظوا ميديكيد"، ما يعكس الرفض القاطع لسياسات ترامب.

ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز والعديد من الديمقراطيين قاطعوا الخطاب تمامًا، ما يشير إلى انعدام فرص المصالحة السياسية في الفترة القادمة.

الخلاصة: خطاب تصعيدي لا يحمل حلولًا عملية

كان خطاب ترامب مليئًا بالوعود والاستعراضات، لكنه لم يقدم حلولًا واضحة للأزمات الكبرى مثل التضخم، الاستقطاب السياسي، والاستقرار العالمي.

إيجابيات الخطاب:

✅ تقديم نفسه كقائد قوي يعمل على إعادة هيكلة الحكومة.

✅ الترويج لسياسات "أمريكا أولًا" لتعزيز الاستقلالية الاقتصادية.

✅ التأكيد على دور بلاده في إنهاء الحرب في أوكرانيا.

سلبيات الخطاب:

❌ تجاهل المشكلات الاقتصادية الحقيقية وتأثيرات الحرب التجارية.

❌ تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي عبر القرارات المثيرة للجدل.

❌ التركيز على المواجهة أكثر من بناء التوافق الوطني.

النتيجة:

ترامب يواصل نهجه التصعيدي، مما يجعل ولايته الثانية أكثر استقطابًا واشتباكًا مع الديمقراطيين، وقد يؤدي ذلك إلى معارك سياسية داخلية قد تعيق تنفيذ أجندته.