إيران وروسيا: قوى تدمير لا تعمير؟ تحليل استراتيجي للمشهد الإقليمي

تقرير من إعداد قسم الإعلام الإستراتيجي بوكالة بث
عند النظر إلى المشهد في سوريا، لبنان، العراق، واليمن، نجد أن هناك قوى رئيسية ساهمت في إغراق هذه الدول في الفوضى والدمار. برزت إيران وروسيا كفاعلين أساسيين في هندسة هذا الخراب، سواء من خلال الدعم العسكري للأنظمة الاستبدادية أو من خلال تمويل وتسليح الميليشيات المسلحة التي تعمل ضد استقرار الدول العربية.
🔹 هل إيران وروسيا تجيدان التدمير وليس التعمير؟
✅ إيران: التوسع عبر الفوضى
منذ الثورة الإيرانية عام 1979، تبنت إيران عقيدة "تصدير الثورة"، مما حولها إلى دولة توسعية تستثمر في النزاعات الطائفية. عبر الحرس الثوري والميليشيات الموالية لها (حزب الله في لبنان، الحشد الشعبي في العراق، الحوثيون في اليمن، والميليشيات الموالية لها في سوريا)، ساهمت إيران بشكل مباشر في تدمير مؤسسات الدول، وتفكيك الجيوش الوطنية، وتحويل الدول إلى كيانات هشة تابعة لطهران.
النتيجة: لبنان والعراق واليمن تحولت إلى دول شبه فاشلة بسبب التدخل الإيراني، وفقدت سيادتها لصالح وكلاء إيران المحليين.
✅ روسيا: دعم الديكتاتورية بالقوة العسكرية
على غرار الاتحاد السوفييتي، لم تكن روسيا مهتمة بـ"التنمية"، بل كانت تستثمر في الحروب طويلة الأمد كوسيلة لتعزيز نفوذها.
في سوريا: دعمت روسيا نظام بشار الأسد بآلة عسكرية وحشية، استخدمت القصف الجوي واسع النطاق، والأسلحة المحظورة، والمجازر الميدانية لإبقائه في الحكم.
في أوكرانيا: اعتمدت روسيا على القصف العشوائي والتدمير الممنهج لفرض سيطرتها، دون أي محاولة لبناء نظام سياسي مستقر.
📌 النتيجة: حيثما تدخلت روسيا، نشأت حالة من الدمار الشامل، وتحولت الدول إلى ساحات حرب مفتوحة، دون أي استثمارات في إعادة الإعمار.
🔹 سوريا: كيف تجرأ بشار الأسد على تدمير بلاده؟
بشار الأسد ليس مجرد ديكتاتور فاسد، بل هو حالة خاصة من "الديكتاتورية المدمرة" التي ترى في بقاء النظام أولوية مطلقة، ولو كان الثمن هو إبادة الشعب وتدمير الوطن.
أسباب قبوله بتدمير سوريا:
1️⃣ الهوس بالبقاء في السلطة: منذ بداية الثورة السورية عام 2011، رأى بشار الأسد أن أي تنازل أو إصلاح سياسي قد يؤدي إلى سقوطه، فاختار الحل العسكري الوحشي لقمع المعارضة.
2️⃣ الدعم المطلق من إيران وروسيا: لولا الدعم الإيراني (الميليشيات الطائفية) والدعم الروسي (القوة الجوية والصواريخ المدمرة)، لما استطاع الأسد الصمود.
3️⃣ عقلية النظام الأمنية: النظام السوري لا يرى سوريا كدولة، بل كعائلة حاكمة، ويفضل أن يدمر البلاد بالكامل على أن يخسر السلطة.
4️⃣ الاستفادة من الحرب كأداة اقتصادية: استغل النظام الحرب عبر نهب المعونات الدولية، وبيع الأراضي والممتلكات المصادرة، والتحكم في شبكات التهريب والاقتصاد الأسود.
🔹 النتيجة: سوريا تحولت إلى "دولة ميتة"، حيث فقدت مقومات الدولة الفاعلة، وتحولت إلى مسرح نفوذ إيراني وروسي، مع بقاء الأسد كدمية سياسية بيد موسكو وطهران.
🔹 ماذا بعد؟ السيناريوهات المستقبلية للمنطقة
1️⃣ استمرار النفوذ الإيراني والروسي (احتمالية 50%)
✅ إيران وروسيا تستمران في السيطرة على سوريا، مع تحويلها إلى قاعدة عسكرية واستراتيجية لإدامة الفوضى.
✅ لبنان يبقى في حالة شبه انهيار بسبب سيطرة حزب الله، والعراق يواجه تحديات مستمرة بسبب الميليشيات الموالية لإيران.
2️⃣ صحوة عربية وعودة الاستقرار (احتمالية 35%)
✅ الدول العربية، بقيادة السعودية ودول الخليج، تعيد استراتيجيتها تجاه المنطقة، وتبدأ في تحجيم النفوذ الإيراني في لبنان والعراق.
✅ الجهود السياسية والدبلوماسية تدفع نحو إنهاء الوجود العسكري الإيراني والروسي في سوريا.
3️⃣ انفجار داخلي في إيران أو روسيا (احتمالية 15%)
✅ إذا سقط النظام الإيراني أو حدثت اضطرابات واسعة في روسيا بسبب الحرب الأوكرانية، فقد يؤدي ذلك إلى انسحاب إيران وروسيا من مناطق نفوذها، مما قد يتيح إعادة بناء الدول المتضررة.
🔹 كيف يمكن تسريع انهيار النظام الإيراني والحد من النفوذ الروسي في المنطقة؟
1️⃣ استراتيجية تقويض النفوذ الإيراني
✅ دعم القوى الوطنية داخل الدول المتضررة.
✅ عزل إيران اقتصاديًا وسياسيًا عبر العقوبات والضغط الدبلوماسي.
✅ تعزيز الإعلام العربي والدولي لكشف جرائم النظام الإيراني.
✅ تفكيك تحالفات إيران في المنطقة عبر دعم الحكومات الوطنية.
2️⃣ الحد من النفوذ الروسي في الشرق الأوسط
✅ تقليل اعتماد الدول العربية على السلاح الروسي.
✅ تعزيز الطاقة العربية كمنافس للطاقة الروسية.
✅ عزل روسيا دبلوماسيًا، واستثمار ضعفها بسبب الحرب في أوكرانيا.
🔹 ما الذي يجب على الدول العربية فعله لمنع إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح القوى العظمى؟
1️⃣ تعزيز التحالفات العربية القوية
✅ بناء تحالف عربي قوي يقود المنطقة، وتحقيق تكامل اقتصادي وعسكري.
2️⃣ تقليل الاعتماد العسكري على الغرب
✅ الاستثمار في التصنيع العسكري العربي.
✅ بناء تحالفات أمنية عربية لحماية المنطقة.
3️⃣ ضبط التوازن بين القوى الكبرى
✅ اتباع سياسة "التوازن الاستراتيجي" بين أمريكا، الصين، وأوروبا.
✅ عدم السماح لأي دولة بفرض أجندتها على المنطقة.
4️⃣ بناء اقتصاد عربي مستقل
✅ تنويع مصادر الدخل، وتعزيز التجارة والاستثمارات البينية العربية.
✅ إنشاء منظومة مالية عربية قوية.
5️⃣ استثمار القوة الناعمة والدبلوماسية
✅ إطلاق "رؤية إعلامية عربية موحدة".
✅ تعزيز الدور الدبلوماسي العربي في حل النزاعات الإقليمية.
✅ الترويج للصورة الحقيقية للعالم العربي كقوة صاعدة.
🎯 الخلاصة النهائية:
✅ إيران وروسيا لا تمثلان قوى بناء، بل تستخدمان الدمار كوسيلة للهيمنة.
✅ السعودية ودول الخليج تلعب دورًا محوريًا في محاولة إعادة الاستقرار، لكن التحديات ما زالت كبيرة.
✅ المنطقة أمام مفترق طرق: إما استمرار التدمير، أو تحرك عربي قوي لإنهاء النفوذ الإيراني والروسي وبناء مستقبل جديد.
تشابه السياسات التدميرية بين روسيا وإيران وإسرائيل
رغم الاختلافات الأيديولوجية والجغرافية، فإن روسيا وإيران وإسرائيل تتشابه في استخدام القوة المفرطة، وفرض الأمر الواقع، وتعزيز الفوضى للحفاظ على النفوذ. ولكل منها منهج خاص في تنفيذ هذه السياسات، لكنها تشترك في النهج التدميري والاستفادة من الأزمات الإقليمية.
🔹 1️⃣ فرض الهيمنة بالقوة العسكرية
✅ روسيا:
استخدمت القوة العسكرية الوحشية في أوكرانيا وسوريا لتغيير الواقع السياسي بالقوة، من خلال القصف العشوائي، المجازر، واستخدام المرتزقة (فاغنر).
تدعم الأنظمة الاستبدادية لضمان بقائها تحت نفوذها، مثل نظام الأسد في سوريا.
تعتمد على مبدأ "حرب الاستنزاف"، كما تفعل في أوكرانيا لإرهاق العدو والسيطرة على الأرض.
✅ إيران:
تستخدم الميليشيات المسلحة (حزب الله، الحوثيين، الحشد الشعبي... إلخ) لضرب استقرار الدول وتحويلها إلى كيانات ضعيفة تابعة لها.
تنتهج استراتيجية الحروب غير المباشرة، حيث لا تدخل المواجهات العسكرية بنفسها، بل تحرك وكلاءها لنشر الفوضى.
تعتمد على إضعاف الجيوش الوطنية وتحويل الدول إلى مناطق نفوذ دائم تحت سيطرتها، كما فعلت في العراق وسوريا ولبنان.
✅ إسرائيل:
تعتمد على القصف المكثف، الاغتيالات، وحروب الاستنزاف ضد الفلسطينيين ودول الجوار.
تستخدم القوة العسكرية المفرطة في كل مواجهة، كما حصل في لبنان 2006، وغزة 2021 و2023، حيث تستهدف البنية التحتية المدنية عمدًا.
تسعى إلى تفتيت أي تهديد محتمل قبل أن يتحول إلى قوة، كما فعلت مع العراق (ضرب المفاعل النووي) وسوريا (استهداف مواقع إيرانية).
🎯 النتيجة المشتركة:
جميعها تعتمد على فرض الأمر الواقع عسكريًا، حتى لو كان ذلك يعني تدمير المدن، وقتل آلاف المدنيين، وخلق أزمات إنسانية طويلة الأمد.
🔹 2️⃣ استخدام الفوضى كأداة نفوذ
✅ روسيا:
تعزز الفوضى في الشرق الأوسط، أوكرانيا، وأفريقيا لتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري.
تدعم الجماعات المسلحة والانقلابات في بعض الدول لضمان حكومات موالية لها.
✅ إيران:
تغذي الصراعات الطائفية (سنة/شيعة) لضمان استمرار أزمات الدول العربية وإضعافها لصالحها.
تدعم الميليشيات المسلحة وتحول الدول إلى ساحات حرب مفتوحة، كما فعلت في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
✅ إسرائيل:
تعتمد على استراتيجية "إدارة النزاع" بدلًا من حله، حيث تسمح للفوضى بالبقاء في غزة والضفة لضمان عدم ظهور دولة فلسطينية قوية.
تستفيد من استمرار الصراعات الإقليمية لضمان بقاء تفوقها العسكري والاقتصادي.
🎯 النتيجة المشتركة:
كل طرف يستخدم الفوضى كسلاح جيوسياسي يضمن استمرارية نفوذه، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار المنطقة وشعوبها.
🔹 3️⃣ تقويض الدول المستقلة وتفكيك المجتمعات
✅ روسيا:
تحارب كل دولة تحاول الابتعاد عن نفوذها، كما فعلت مع أوكرانيا، جورجيا، والشيشان.
تستغل الأقليات العرقية داخل الدول (مثل الروس في أوكرانيا) لتبرير التدخل العسكري والتقسيم.
✅ إيران:
تعمل على إضعاف الهوية الوطنية في الدول التي تتدخل فيها، من خلال دعم الطائفية وتقوية الميليشيات المسلحة على حساب الحكومات.
تسعى إلى تحويل المجتمعات العربية إلى تابعة لنظام ولاية الفقيه، كما هو الحال في العراق ولبنان.
✅ إسرائيل:
تنتهج سياسة التهويد والاستيطان لتغيير التركيبة السكانية في الضفة الغربية والقدس، ومنع قيام دولة فلسطينية.
تستخدم التقسيم الداخلي الفلسطيني (فتح/حماس) كأداة لإضعاف الفلسطينيين وضمان استمرار سيطرتها.
🎯 النتيجة المشتركة:
كل قوة تحاول إضعاف الدول القريبة منها لمنع ظهور أي قوة منافسة يمكن أن تهدد نفوذها الإقليمي.
🔹 4️⃣ استخدام الحرب الإعلامية والدعاية للتأثير على الرأي العام
✅ روسيا:
تمتلك إعلامًا قويًا مثل "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" لتوجيه الرأي العام العالمي وتبرير سياساتها.
تعتمد على التضليل الإعلامي لخلق انقسامات داخل المجتمعات الغربية والعربية.
✅ إيران:
تستغل الإعلام الديني الطائفي لنشر أيديولوجيتها وتعزيز ولاء الميليشيات التابعة لها.
تمتلك قنوات مثل "الميادين" و"العالم" و"المنار" لنشر دعايتها في الدول العربية.
✅ إسرائيل:
تستخدم الإعلام الغربي والتأثير على الصحافة الدولية لضمان انحياز التغطية لصالحها.
تحارب أي خطاب إعلامي مضاد لها عبر الضغط السياسي والتلاعب بالمعلومات.
🎯 النتيجة المشتركة:
كل طرف يستخدم الدعاية الإعلامية كسلاح استراتيجي لتبرير سياساته، والتأثير على الرأي العام، وشيطنة خصومه.
🔹 5️⃣ استغلال الحروب لتحقيق مكاسب اقتصادية
✅ روسيا:
تبيع الأسلحة والغاز والنفط للدول التي تقع تحت نفوذها، مما يجعل استمرار الحروب مفيدًا لها اقتصاديًا.
تستغل النزاعات لفرض عقود إعادة الإعمار لصالح شركاتها.
✅ إيران:
تستفيد من تهريب السلاح والمخدرات عبر شبكاتها في الشرق الأوسط.
تسيطر على بعض الموارد الاقتصادية في العراق وسوريا ولبنان عبر ميليشياتها.
✅ إسرائيل:
تستفيد من مبيعات الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية التي تختبرها في غزة والضفة.
تستغل النزاعات للحصول على دعم مالي وعسكري مستمر من الغرب.
🎯 النتيجة المشتركة:
كل طرف يحول النزاعات إلى فرصة اقتصادية، مما يجعله غير مهتم بإيجاد حلول سلمية دائمة.
🎯 كيف يمكن مواجهة هذا التشابه في السياسات التدميرية؟
✅ إنهاء الفوضى عبر تحالف عربي قوي يواجه النفوذ الإيراني والروسي والإسرائيلي في المنطقة.
✅ تعزيز السيادة الوطنية في الدول المتضررة، وتقوية الجيوش النظامية لإضعاف الميليشيات.
✅ إطلاق استراتيجية إعلامية عربية لمواجهة الدعاية المضللة التي تنشرها هذه الدول.
✅ فرض عزلة سياسية ودبلوماسية على الدول التي تستخدم القوة كأداة للنفوذ.
✅ تعزيز الاقتصاد العربي المستقل، بحيث لا يتم استغلال الحروب لإضعاف المنطقة.
🎯 هل يمكن قلب المعادلة؟
✅ نعم، يمكن للدول العربية قلب المعادلة وإنهاء النفوذ الإيراني والروسي والإسرائيلي، ولكن ذلك يتطلب:
1️⃣ تحالف عربي قوي ومستقل.
2️⃣ تصنيع عسكري محلي لإنهاء الاعتماد على القوى العظمى.
3️⃣ تقويض النفوذ الإيراني عبر دعم الدول المتضررة وعزل طهران اقتصاديًا.
4️⃣ إضعاف النفوذ الروسي عبر تقليل الاعتماد على موسكو دبلوماسيًا واقتصاديًا.
5️⃣ كبح التوسع الإسرائيلي عبر موقف عربي موحد.
6️⃣ تعزيز الاقتصاد العربي ليصبح قوة مستقلة عالميًا.
7️⃣ إطلاق استراتيجية إعلامية عربية مؤثرة لمواجهة الدعاية المضللة.