في منتصف العمر .. والقادم أجمل

news image

كتبه - عبدالله العميره

اليوم؛ أكملتُ 42 عامًا في العمل الصحفي.
كانت البداية مع مطلع يناير 1983 في صحيفة الرياض.
ولكم أن تتخيلوا أن بدايتي كانت مراسلًا رياضيًا في محافظة الخرج (80 كم جنوب الرياض).
لم يكن هذا طموحي!
فالسبب الرئيسي في التحاقي بالعمل الصحفي هو حصولي على المرتبة الأولى في القصة القصيرة لثلاث سنوات متتالية على مستوى منطقة الرياض في ذلك الحين، بتقييم الرئاسة العامة لرعاية الشباب (وزارة الرياضة حاليًا).
ميولي أدبية، وليست رياضية، وكانت نصيحة من أحد المقيّمين للأعمال الأدبية والفكرية، مابرح اسمه في ذاكرتي، (حجاج الجركوك).
من مكتب صحيفة الرياض بالخرج بدأت، وكان مدير المكتب أ. عبدالرحمن المقرن - رحمه الله.
بكل تأكيد، لم أكن مرتاحًا لتوجيه رئيس التحرير أ. تركي السديري - رحمه الله، أن أكون مراسلًا رياضيًا، أركض وراء الأندية ومباريات كرة القدم.
منذ صغري إلى اليوم، أعتبر كرة القدم نشاطًا فيه الكثير من السلبيات، وتأكدت بعد الغوص في وحل كرة القدم، نعم يمكن إطلاق هذه الكلمة "وحل"، ومن الوحل ما يغذي الأرض - هذا قليل في كرة القدم، وكثير من الوحل أسود نتن الرائحة!
تنافس غير شريف، وتعصب يفيض جهلاً.
وهذا يتنافى تمامًا مع توجهاتي.
لم يسهل مهمتي ويجعلني أستمر إلا أمران:
الأول: معرفتي بشخصيات مميزة، خلقًا وأدبًا واعتدالًا، وعلى رأسهم اللاعب الدولي شايع النفيسة - رحمه الله، الذي أعتبره أنموذجًا للاعب والشخصية الرياضية الوطنية.
الثاني: تأكيد الأستاذ تركي السديري لي بأنني لن أبقى في الرياضة، بخاصة بعد أن أكدت له طلبي بالابتعاد عن كرة القدم، فأنا لم أكن لاعبًا في يوم من الأيام، ولا أفهم في قانون كرة القدم، ولا أعرف حتى طول الملعب من عرضه!
واكتشفت أن 99% من المحررين والمحللين في الصحف - كل الصحف - هم على شاكلتي في فهم الرياضة، ولايخرجون عن إطار ذلك الفهم الكروي!!

المهم، قال لي أ- تركي : "لا أريدك لاعبًا، أريد أن أجرب أسلوبك في نقل المتحرك إلى حروف "!
صبرت، وتحولت - بعدذلك -  إلى التحريرفي الشأن المحلي، وانتقلت إلى العاصمة، وركزت على التحقيقات والتقارير، وأعتقد أنني كنت بارعًا فيها، لأسباب:

قدراتي وميولي الأدبي.
وجود شخصيات وخبرات داعمة: أ. سلطان البازعي في التحقيقات، وأكثر من مر عليَّ براعة في التقارير، أ. ناصر القرعاوي.
كنت بين عمالقة في الصحافة السعودية.
وقد تندهشون، لو قلت لكم أن بداياتي كانت في التعليم (معلم) في المرحلة الابتدائية .. وأيضًا لم أستسغ التعليم، ففيه كثير من السلبيات .. عقول غير واسعة، لا تساعد على الانطلاق- مع كل الإحترام والتقدير لهم - والبعض القليل منهم متميز جداً، وإدارة العمل في التعليم أسلوب كلاسيكي غير متطور - ويمكن اكتشاف هذا بزيارة المدارس حتى اليوم.. المبدعون في التعليم يعانون من ضيق مساحة ملعب الإبداع.

وأول ما يضيع الإبداع هو تساوي المهام والاهتمام بين الراكد والمبدع.
بل الراكدون ممن لا يشغلهم الشغف والإبداع هم المرتاحون من تأنيب الإدارات ومن تأنيب الضمير، بل أحيانا، الراكد المهمل، الضعيف، هو أقرب للمدير من الذكي المبدع !
كنت أحمل شهادة دبلوم معهد معلمين.. وهنا قصة طويلة.، ربما أتحدث عنها في وقت لاحق.
المهم، لم أكن مرتاحًا في التعليم.
أكملت الدراسة في كلية المعلمين بالرياض تخصص لغة عربية، وليس لها من الاسم نصيب كبير؛فالتخصص لا تركيز عليه في الكليات.
الأهم، كنت أمارس الصحافة، ولم أترك كتابًا عن الصحافة، أو منهجًا صحفيًا إلا قرأته.
أطبق، وأطور..
وكنت أشعر بحاجة إلى المزيد، وإلى التخصص.
الممارسة شيء عظيم، ولكن الدراسات العليا والتخصص يجعل من عملك وتفكيرك ممنهجًا.
فقررت الحصول على الماجستير في تخصص فريد.
"المؤثرات الفكرية على الخطاب الإعلامي".
خلال ممارستي العمل الصحفي، خاصة بعد التفرغ (ولتفرغي وأسبابه قصة طويلة، أرجو أن أجد الوقت للتوسع في كل تفاصيل حياتي وأيامي المهنية)، وجدت أننا في السعودية.. بل اكتشفت أوسع من ذلك، بتشابه كل العرب - الصحفيين والصحفيات - من الخليج إلى المحيط - في صياغة الخبر.
البحث عن الصحفي العربي العالمي عملة نادرة، بل مفقودة، وأتعبني البحث عنها.

المنهج غير الممنهج عند الصحفي العربي؛ قائم على الاهتمام بالمثير المحرك لمشاعر الناس، بدون تأثير طويل المدى، ولا حتى قصير المدى، يترك قليلًا من الأثر في العقول، ثم يزول، ويبقى - التوهان - العربي- والبحث في ركام المصائب التي تبثها القنوات الفضائية، فيزداد الكبت، والقليل من الأمل.

الصحفي أو الصحفية لا يهتمون بالمرسل إليه/ الجمهور.. لا يهتمون، بل يعرفون الهدف، ولا إلى من يرسلون الأخبار.
مجرد اهتمام بالرسالة، وبدون مجهود. ومعظم من ينتسب للصحافة، لا علاقة لهم بالعمل الصحفي.

بقيت في صحيفة الرياض حتى 2006. عندما قدم لي عرض من المجموعة السعودية للأبحاث والنشر، مديرًا للتحرير في صحيفة الاقتصادية، ثم رئيسًا للتحرير بمجلة Parents، ثم رئيسًا لتحرير مجلة إمارة - إمارة الرياض، ثم مديرًا ورئيسًا للتحرير لوكالة بث الإعلامية - للأنباء - وما زلت حتى اليوم.

ولا أعرف ماذا سيكون بعد ذلك، فطموحي لم يتوقف، ولم أتوقف لحظة عن المساهمة في تطوير أي أعمال أتولاها أو أكلف بها.. : إما… ،،أو إستمرار في بث، أو ترك العمل الصحفي، والإستراحة حتى يأتي أمر الله، لي ولكم طول العمر مع العمل الصالح..

بودي أشير إلى نقطة شكلت تحولًا في عملي الصحفي، وهي:
عندما قُدم العرض من المجموعة السعودية، لم يرضَ الأستاذ تركي السديري بأن أرحل عن الرياض، ولكنه اقتنع بعد أن قلت له إن العرض مغرٍ ماليًا، ومدير تحرير، وفي صحيفة الرياض، لا يمكن أن أصل إلى مدير تحرير لأضيف ما لدي من أفكار وأشرف عليها، لأن المناصب في الرياض - بكل صراحة - بالعمر والأقدمية، لا بالكفاءة!
غضب قليلاً، لكنه اقتنع بالأمر الواقع.. والواقع أنني أعرف أكثر ما لا يمكن أن أصرح به!
المهم أنني انتقلت إلى المجموعة السعودية، وجدت مجموعة من الزملاء على مستوى عالي من المهنية والحرفية (المهنة تعتمد على المعرفة، والمحترفون هم الأشخاص الذين يستخدمون المعرفة المتخصصة للقيام بالمهنة).

طبعًا، لتراجع الصحافة في السعودية أسباب، ليس من قلة في المبدعين، ولكن كثير منها... (لا أريد أن أتحدث الآن)، فهذا المقال ليس من أجل البحث في السلبيات، وكيف يمكن النهوض بالعمل الصحفي في السعودية.
ربما يكون البحث في ذلك في وقت لاحق.
نعم، العمل الصحفي في السعودية اليوم متأخر، ولا يتناسب على الإطلاق مع ما يحدث من نهضة وإعمار وإنجازات عظيمة.. (لذلك أسباب ربما تحين الفرصة للبحث فيها، بعضها يمكنني الإعلان عنه، في مقالات، وبعضها لا تصلح مناقشتها على العلن).


ما يعنيني حاليًا هو تطوير المتاح أمامي، وكالة بث الإعلامية، التي شرفت بمنحي ترخيصًا عليها (بل ترخيصين: خدمات صحفية، ونشر إلكتروني). وهذا فضل من الله ثم تقدير من الزملاء في وزارة الإعلام.

وهو حافز على تقديم عمل، أحاول كل جهدي وخبراتي ليكون مميزًا ومشرفًا.
التطلعات كبيرة وواسعة - الآن دخلنا في الوكالة العام الثالث عشر. نبث جزءًا من عملنا عبر ثلاثة مواقع:
الرئيسية - بث العربية
بث الإنجليزية
بث للأعمال
وبفضل من الله وصلنا إلى أجزاء كبيرة ومهمة من دول العالم.


 بالمناسبة، كثير من الناس يسألني: كم عدد متابعين "بث"?
هذا سؤال تقليدي عجيب، لا يصلح أن تسأله وكالة أنباء، هذا سؤال يصلح أن تسأله صحيفة، أو قناة!
أولاً، لا نهتم بالمثيرات لمشاعر الناس، ليتابعني مليون (مثلًا) ثم ينطفئ، أو يبقى الأثر رمادًا.
فيكفيني متابعة المؤثرين، وأصحاب الشأن، ومن يهتم للقيمة والفائدة، ومن يفيد الوكالة، ويحقق أهدافها.
ثانيًا، متابعو "بث" ليسوا على ما نبثه في المواقع فقط، بل أيضًا هم كل من يتابع مواقع عملاء "بث".
للتوضيح : ممكن يتابع "بث" 10 - مثلًا، ولكن في صحيفة يابانية أو صينية أو عربية واسعة الانتشار في مكانها، أو قناة واسعة الانتشار، يتابعون الخبر المنقول عن "بث"، نضعهم في الحسابات.

ويهمنا الوصول لأكبر قدر من وسائل الإعلام في العالم.. فلا يهمنا الدائرة الضيقة.

وأتذكر دائمًا، دراسة كُلفت بها عندما كنت في صحيفة الاقتصادية، عن الإعلان والخبر، أيهما أولاً، واتجاهات المعلنين.
لا أنسى رجل أعمال شاب، سألته، أيهما تفضل أن يكون إعلانك؟ وذكرت له أمثلة: في الاقتصادية، أو الشرق الأوسط، أو الصحيفة (س).
قال: "بضاعتي سيارات فاخرة، لا يمكن أن أعلن في (س)، لأن متابعيها لا يستطيعون شراء بضاعتي".
إذاً، على المعلن البحث عن الوسيلة المناسبة.
هناك مستثمر في الجودة، وكما يقال "كل غالي ثمنه فيه".
وهناك مستثمر في اللاجودة، أو المغشوش، هذا ممكن يوزع ورقًا في الشارع أو يتجه لما يسمى "مشاهير"!
ولكن إن أراد المعلن أن يحقق نتيجة مميزة، فعليه بالوسيلة ذات الجودة العالية، والتي يثق فيها المشتري.
ولا أكشف سرًا إذا ذكرت قاعدة - كانت شبه سرية عند وسائل الإعلام المعتبرة، القاعدة تقول:
"وسيلة الإعلام المميزة؛ هي التي تستطيع شراء المعلن المميز لتبيعه إلى القارئ أو المشاهد".
وأصبح للإعلان صور وأساليب متنوعة ومتطورة.
هذا ما أحرص عليه في "بث".
من كان يتابع "بث" أمس، مؤكد سيجد فروقات اليوم، ومن يتابعها اليوم، مؤكد 100% سيجد فروقات بعد شهر، وفي العام المقبل، أكثر وأكثر وأكثر.
لدينا - بحمد الله - خبرات وقدرات يمكنها إدارة الملعب بكفاءة عالية، وببعد وطني يواكب الإنجازات في المملكة، وحتى في الخليج والوطن العربي والعالم، وبطبيعة الحال، الاهتمام الرئيسي بالإنجازات في المملكة.

المعادلة التي نسير عليها، وفق العناصر التالية:

1- ملاحقة الإنجازات، وإيصالها إلى العالم - بكل ما نستطيع.
2- المساهمة في معالجة الأخطاء ( لا أعني أخطاءنا - هذا طبيعي)، بسبب العمل المستمر والجاد في تنفيذ الإنجازات، من منطلق (من لا يعمل لا يخطئ).. الخطأ دليل عمل (بشرط عدم التكرار، أو الوقوع في خطأ صغير، أو خطأ كبير لا يغتفر).. والمؤشر للعالم، عند الخطأ، يعني عمل جاد، وعند العلاج، يعني أن هنا عقول قادرة على الإدارة والعلاج.
3- التطوير المستمر، مواكبة للأحدث في العالم، بل المبادرة في الإبداع والاختراع والتطبيق.
4- أدرك أن هناك ثلاثة أنواع من العقول:
- عقل غافل عن متابعتنا.
- عقل لا يفهم ما يجري.
- عقل يعرف بالمستوى الذي نقدمه، ولكنه حاسد، ولا يستطيع أن يجاري.
- عقل شغوف محب لنا ومعجب في عملنا.
- وعقل يريد أن يقف معنا، ويدفع بنا أكثر، ولكن لا يعرف كيف، أو لايستطيع؟

لكل العقول أقول: تواصلوا معنا، أبواب "بث" لعملكم مفتوحة، والفرص متاحة.. وقبل ذلك، التواصل يمنحكم فرصة الحكم علينا أفضل، من نقل صورة تنقلها لكم عقول حاسدة، أو لا تعرف في العمل الصحفي والجهود المبذولة.


يهمني جدًا أن ترتقي الصحافة السعودية - وكل الإعلام في العالم العربي، وأن يفرق المتابع بين عمل صحيفة، وعمل وكالة. عندما يرتقي العمل الصحفي، هذا مفيد لنا كوكالة، لأننا نضمن التعامل معنا..


بقي أن أبعث برسالة، من المؤكد سيفهمها المرسل إليه:
الوكالة ليست دكانًا، يتم منح سجل تجاري ورخصة عليها، و كفى؛ أترك صاحبه يضع البضاعة كيفما اتفق، دون الحرص على أن تكون البضاعة مناسبة، وتحقق الهدف الكبير، ولا يمكن أن تحقق البضاعة هدفها، بدون الاستفادة منها في مشاريع تدعم تقدمها وتحقيق أهداف أكبر وأكبر.
أكرر، هذه وكالة، وهي الوحيدة المرخصة كوكالة أنباء سعودية، غير حكومية.
هل فهمتم ما أقول؟ أم أن رسالة المراقب لم تصل لكم جيداً؟