الانحياز للشر !

news image

 
كتَب - عبدالله العميرة

الصراع بين الخير والشر باقٍ إلى أن يشاء الله.. هي سنة الحياة.
كل منهما يريد الانتصار - طبعًا أعني الحرب بين حامل الخير ومتبني الشر.
والتاريخ يقول إن للشر صولات وجولات، ولكن الخير هو المنتصر في النهاية.

عند متابعة الأخبار على الشاشات، يظهر لنا بوضوح أن المحطات الإخبارية تنحاز بشكل فاضح إلى الشر: إلى التدمير والهدم والقتل والحروب، وتظهر القتلة والمجرمين وكأنهم أبطال، وتضخم في هوامشهم وتبرزهم، حتى من كانوا (رؤساء) أو (زعماء)، وتجعل من الهوام، أو من الطغاة عمالقة لهم قيمة وتأثير. وهم في الحقيقة لا شيء، لكن الإعلام نفخهم.

بينما نشهد قليلًا من الأخبار تركز على الخير.
أتفهم ذلك! هناك أسباب طبيعية، وأسباب مهنية.
الطبيعة، في كثرة الحروب والمصائب في المنطقة العربية، بسبب تهافت اللصوص، أو من يسميهم إعلام النفخ في المجرمين، بالمحتلين المطورين، الجالبين معهم الورود والسعادة!!

ومن الأسباب الطبيعية ما يتعلق بالسلوك البشري، الناتج عن التربية والتعليم، والمعايشة في الحياة، والمعيشة في الدنيا.

أما الأسباب المهنية، فتتعلق بقوة الشغف والحرفية في الإعلام.
فكلما كان الإعلامي متمكنًا ومتطورًا، كلما كان منحازًا إلى الواقعية، والإيجابية، والبحث فيما وراء السلبي، والتعامل مع الأحداث بحيادية. أما الدخلاء على هذه المهنة العظيمة (الصحافة)، أو المبتدئين، الذين لا يوجد من يوجههم إلى العمل الصحيح (!) فإنهم يجدون من الأسهل نقل المصائب والكوارث الظاهرة، بدون بحث وتحليل في الأصل، ويعملون بدون هدف. وهناك من يستثمر في جهل أولئك، فينقلون الحدث بلغة خطاب وحيدة بليدة، غير حيادية (!).

عادة؛ المراسل (درجة مخبر صحفي) يجمع مادته من الشارع، مما هو مشاهد، ولا يستطيع البحث أو الابتكار. وهؤلاء يمثلون اليوم غالبية المنتسبين للصحافة. (ألا ترون أن المتمسكين بصحفنا العريقة هم - اليوم - من لا يقدمون فائدة للمجتمع والبلد؟!) إلا صحيفتين ما زال فيهما بقايا روح من مهنية الأمس.
(ممكن يخرج أحد ليقول: يوجد وسائل متنوعة لإيصال الرسالة أفضل من الصحف اليوم. وردي البسيط، إذا أغلقوا الصحف التقليدية، وابقوا على تلك الوسائل، لماذا تركت صحفنا العريقة في أيدي تهين تاريخ الصحافة السعودية؟!)
والسؤال الأهم: بلد لا يوجد فيه تاريخ صحفي ولا مستقبل إعلام مميز، فإنه يفتقد سلاحًا قويًا.
وأشير إلى أقوال بعض الكسالى وقليلي الخبرة، بقولهم أن الورق انتهى.
أقول: ليس الورق فقط، بل حتى الصحافة التقنية، انتهت، لأن المحتوى منتهي وضعيف، لأسباب فنية وإدارية.. كلها تتعلق بالكفاءات، أو من يعمل ويدير تلك الصحف.

من لا يفهم في العمل الصحفي، أو التقليدي، ومن يسير على الأنماط القديمة، لا يستطيع البحث في الأسباب، ولا يمكنه الابتكار. وأعني بالابتكار؛ اختراع أفكار متطورة جذابة ومفيدة ومشوقة للمشاهد أو القارئ.
خلال مسيرتي الصحفية، تعاملت - مضطراَ - مع مثل ذلك المراسل.. وهم الأكثرية، وما زال لهم بقايا متاح لهم ممارسة العمل.
سأذكر نوعين من الأخبار، المشابهة - إلى حد كبير - توضح عقلية الأمس، وما زال منهم اليوم، تم جعلهم على رأس العمل في صحف كانت قوية.. وحتى في محطات إخبارية (أو نرى أثر لهم في نشرات الأخبار).
خبر من مراسل كتبه بصيغة معتادة ركيكة، وفكرة بدون فكر!
"باشر الدفاع المدني حريق شب في خيمة.. وتمت السيطرة على الحريق بعد أن التهمت النيران الخيمة!"

مثال آخر:
"قتل مجرم رجلاً بواسطة مسدس، وارتكب المجرم جريمة الفرار.. وتم الكف عن البحث عن الجاني بعد القبض عليه!"

مثال آخر لـ "العك" في الصياغة والبلاهة في التعاطي مع الأخبار:
"أطلق مجرم النار على شاب، فقتله حتى مات، وعندما أتت الجهة المختصة وحملوا القتيل وجدوا تحته بقعة دم!"

لا أرى اختلافًا بين مثل هذه الأخبار، وما تعرضه القنوات من مشاهد للهدم والتدمير في غزة، أو في نقل مباشر لما كان يحدث في سوريا.. أو غيرهما من بقع ملتهبة في العالم العربي. وتعليقات بعض المراسلين الغثيثة والغثاء والسفسطة البليدة، والتعاطي مع الخبر بسطحية، وتكرار ممل.

دائمًا أسأل نفسي هذا السؤال:
هل الخبر لا يكون خبرًا؛ إلا إذا كان عن مأساة؟
ولماذا يُعطى المجرمون الذين يخلقون الحروب ويديرون التدمير كل هذا الاهتمام والتركيز والتكرار؟ لماذا تقف معهم المحطات، تبرزهم كعظماء، تضخمهم، حتى انتفخوا وسعدوا بجرائمهم.. بينما ما يتم من أعمال مضادة للحروب، والسلام، وفيها كل الخير للشعوب، يتم التعامل معها بسرية؟!
جزء كبير يتحمله الإعلام، لأن من أدوار الإعلام الإصرار على البحث عن المعلومة الخفية.
أما الحريق الظاهر، فإن الناس تراه بسهولة - ولا بأس من عرض الجوانب التي تظهر جرائم المجرمين، سواء من ارتكب التدمير، أو من تسبب فيه. ويجب تسليط الضوء أكثر على من يتسبب في الحروب والتدمير.

يمكننا القول، أن الشر في الإعلام - هذا الزمن - هو المنتصر!
لا بد من ختام أقول فيه:
الأخيار والخير، هم دائمًا العباقرة، والإنتاج العبقري.
أما الشر فلا يحتاج إلى عبقري، فالحرائق والحروب والتدمير لا يشعلها إلا الأغبياء، أو المتخلفين عقديًا وعقليًا.

لو كنت مديرًا لتلك القناة، أو أي من القنوات ذات الإمكانات المالية الكبيرة، والمدعومة بقوة، لقمت بتحويل هذا العمل المتخلف إلى إنتاج يجمع بين الإبهار والفائدة، وكل ما يعزز قوتنا وقدراتنا.
والبداية، مسح شامل لكل العاملين، والتعرف على إمكاناتهم، وما في أدمغتهم!
من لا يحقق أهدافنا الوطنية السعودية والعربية، بحرفية ومهنية عاليتين، لا مكان له.

-  طبعاً أقول لو ، مع اعتقاد بأن هذا لن يحدث لأنني لا أنتمي لتلك الدائرة، التي لاتريد وجود أي شخص مخالف لهم ، أو لديه أفكار تطويرية !