الغوبلزية .. والانفلونسرية
كتب - عبدالله العميره
(1)
في 2017 بدأ مصطلح "إنفلونسر" في الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يومنا هذا، وهو عبارة عن شخص ( غالباً ؛ هؤلاء الأشخاص لم يمارسوا الصحافة، ولم يدرسوا الإعلام وتأثيراته.
والمثير أن لهم تأثير كبير على المتابعين، ويحصلون على المال الكثير، من الترويج للمنتجات المختلفة.
سأقفز من إنفلونسر؛ دعاية البسطاء ، إلى الدعاية الصعبة.
العجيب أن العامل المشترك - في النتيجة - بين النوعين ؛ أن الصرف عالي وزمن التأثير وقتي .. وأحايين كثيرة؛ التأثير - في النهاية - سلبي.
من الدعاية الصعبة - الممنهجة :
الدعاية الألمانية
الدعاية الأمريكية
الدعاية الإنجليزية
لن أتحدث عن تاريخ الإنشاء، أو أستعرض أسلوب كل منهم.
فقط أشير إلى أشهر وزراء الدعاية ..
بول يوزف غوبلز ، الوزير الأول لهتلر.
ماذا بقي من غوبلز، وتاثير سياسته في الدعاية والإعلام؟
بنى قاعدته الإعلامية على جملة: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس".
دعاية تعمل على موقف الجمهور، وعادة هي مألوفة لدى الجمهورالمستهدف.
تمكن غوبلز من التأثير على الجمهور في زمنه. ثن انتهى !
بعد سنوات؛ تأكد لنا أن قوة الدعاية ليست وحدها التي تبقي على التأثير .
بل التأثير مرتبط بعوامل اجتماعية وثقافية، وتعليمية
وسياسة.
انتهت سياسة "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"؛ لانه لا يمكن الإستمرارفي تمريرها على مجتمعات واعية ناضجة متعلمة مثقفة.
تمر السنوات، وتتغير وسائل الدعاية، بحسب تطور عقل الانسان ، وقوة التخطيط لها، وبحسب وعي الجمهور.
ويظهر في كل مرحلة أسلوبها، وعقلياتها.
حتى وصلنا إلى " الإنفلونسرية ". وتهافت المتابعين عليهم.
هذا؛ يمكنني أن أطلق عليه في تقسيمات الإعلام بـ " رواد إعلام العالم السفلي".
أشخاص بسطاء، غير متعلمين، تلقائيين لديهم عدد كبير من المتابعين Followers والمعجبين الذين يثقون برأيهم !!
ماذا يعني هذا؟
الإجابة منكم ولكم..
لقد تزايد عدد الأنفلونسرز ( الإنفلونسرية ) في فترة ، ثم بدأ يخبوا ، بحسب ارتفاع نسبة الوعي عند الجمهور المتابع .
ثم يعود مع تنوع طرق عرض المحتوى الذي يقدمه لانلفونسرمثل البلوغر، ويعتمد "الانلفونسرية" على منصة انستغرام Instagram الاشهر .
والفلوغر هو الشخص الذي يحاول إيصال فكرة معينة لمجموعة من الأِشخاص الذين يتابعونه ولكن من خلال الصوت والصورة وعبر تطبيق اليوتيوب تحديداً.
وهناك العديد من الأشخاص الذين أصبحوا مشاهير، وقد ساعدتهم هذه الشهرة على جني الأموال .
وهذا النوع من النشاط، هو إعلام بلا علم. أو علم بلا فائدة دائمة للمجتمع.
غالباً أولئك " الإنفلونسرية " و " الفلوغرية " يروجون للسلع الإستهلاكية الرخيصة، وتنتهي الفعالية، بانتهاء الصلاحية!
لايبقى لها أثر.. فقاعة.
ويشبههم المجتمع الشعبي بـ " المشخصاتية ".
المجتمع الذي يعنمد عليهم، هو المجتمع المنتمي للعالم السفلي، مجتمع؛ الوعي فيهم ضعيف، سهل اختراقهم، وتغيير اتجاهاتهم. وإن كانت تلك الفئة من الجمهور تعرف بالجمهور " المتردد" ، بمعنى سرعة التقلب، إلا أن استمرار تغذيتهم بالدعاية السلبية؛ تُصعّب مهمة التصحيح.
(2)
" العبرية " والفارسية
نحن في دائرة الدعاية .. وكل دعاية؛ لها دعاية مضادة.
وما نشهده من مماحكات بين إسرائيل وإيران.
نتساءل:
هل الإعلام الإسرائيلي حرُ، أم يملى عليه ؟
من إطلاعي على الإعلام في العالم.. متابعة ودراسة وتحليل ؛ يتبين أن حرية الرأي أو التعبير، في العالم كله ؛ عملية تخضع لمعايير. ومصالح، وتوجهات ، لا علاقة لها بالحرية.
بخلاف كون العمل في الإعلام يتطلب معرفة وعلم وخبرة في الممارسة، فإنها تتطلب دراية وقدرة على فهم أبعد للأهداف.
وهناك إعلام في العالم - غربه وشرقه - تسيره الأهواء والإيدلوجيات، والسياسات الخاصة. وأهواء منفلتة، بعيدة عن الضبط والإنضباط. وفيها تعدي على حريات وإرادة الآخرين.
لاتنطلق من واقع، ولا تتوافق مع مبدأ.
( غوبلز يتجدد..)
أسئلة:
مالذي يدير ويضبط الإعلام في الغرب - مثلاً ؟
هل هي وزارات معنية، أو شركات، أو أفراد؟
هل التوجهات واضحة أو خفية؟
إذا كانت واضحة، فهي لاتحتاج إلى تفسير.
وإذا كان هناك من يراها خفية، فهذا ليس إعلام.
فالإعلام - دائما - يفضح السياسات، ويكشف عن الحقيقة التي لايمكن إخفاءها .
مثال صغير عن الحرية في الولايات المتحدة:
كيف تم تغييب الرئيس ترامب عن الإعلام، إبّان الإنتخابات السابقة ؟
أما السؤال الأبعد: كيف عرفنا أنه تم تغييب ترامب عن الإعلام، أو عن أهم وسائل الإعلام الأمريكية - آنذاك؟
أليس عن طريق الإعلام!
تخبطات وتناقضات ، وارتباك بين الرسائل .. وبطبيعة الحال تركت تلك الفترة المزيد من عدم استساغة الإعلام الغربي. تماماً ، كما إعلام غوبلز.. وبعد أن سقط هتلر ، كما حدث مع صدام وإعلام الصحاف؛ انكشقت الحقائق.
ولا أحتاج إلى تذكير بسياسات الإعلام في أوروبا، أو الصين، أو غير ذلك من بلاد تتحدث عن الحرية. ومقاييس الحرية الفضفاضة، وغير المنطقية، وأحياناً غير المهنية ( من مقياس ضبابية رمادية الأهداف)، بل وغير الإنسانية، بالإنعكاس على البشر / الرأي العام.
ثم يسألون: لماذا العالم يكرههم؟!
ونأتي على الجار الغريب، الذي لايريد الإندماج والعيش بسلام في المحيط العربي، كما كان يفعل أجدادهم، عندما حققوا نوعاً من الإستقرار في كنف المسلمين.
أعني إسرائيل، التي مازالت ثقافة الشتات معشعشة فيهم. أو لنقل في بعضهم، ممن وضعوا أنفسهم قادة لليهود.
عند الجار اللدود.. استوقفني تقرير في صحيفة معاريف، عنوانه:
"مقترح جريء لإنقاذ التطبيع مع السعودية"
قبل قراءة التقرير، سألت: أي مقترح هذا ؟!
للوهلة الأولى، نلاحظ أن اختيار كلمة " مقترح"، تكشف أن التقرير موجه.
ومن صياغة العنوان، يدل على تظاهر متغطرس بالقوة، والتأثير، وهو ليس كذلك.
أما الإجابة عن "العبري"، تأكيد مساعي إسرائيل في محاولاتها للتطبيع مع السعودية.
وهنا فرط بين التمني، والواقع.
وزعمت صحيفة "معاريف" أن مصدر سياسي رفيع المستوى ( هذه الجملة تؤكد التوجيه !).. يقول مصدر معاريف رفيع المستوى، أن "علاقات القوة الدقيقة في المنطقة يمكن أن تسمح الآن باستخدام الضغط الدبلوماسي والاستراتيجي، للضغط على السعودية للتطبيع مع إسرائيل وتعزيز السلام البارد بين القاهرة وتل أبيب".
هذا السياق، يعني أن المنطق، قوة، والواقع ضعف المنطق ، في الطرح المتضارب، بين ما تم اختياره من كلمات، والحقيقة.
هذا مقتبس من إعلام النازية الهتلرية، ومنهجية غوبلز وزير إعلام هتلر.
" غوبلز كان يؤمن بالإعلام الكاذب وله منهجيته ومدرسته الخاصة ، فهو صاحب المقولة الشهيرة: (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس)، فالكذب الإعلامي سر نجاحه ، وهو يعتقد أن الكذبة الكبيرة يمكن تمريرها عبر الإعلام، بل إنه يؤمن أنها الأفضل فهو يقول: كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها ، فمثلث نجاح الكذب الإعلامي بالنسبة لغوبلز يستند على ثلاثة أركان: كذب كبير الحجم وقليل العدد، والتكرار، ولطالما اشتهر بمقولته: يجب حماية الحقيقة بجيش من الأكاذيب".
استفاد الإعلام الغربي من مدرسة غوبلز في الحرب الباردة وطورها لتستخدم في الحروب الناعمة أيضاً، وفق المبدأ الشهير من يفقد الآلة الإعلامية لا يستطيع أن يحسم المعارك ومن ثم تم تعميمها علئ نظاق واسع.
وإلى ما هنالك من تروهات يتم طرحها كما في تقرير صحيفة معاريف، وفي وقت غير مناسب، ولاهو مبني على حقيقة. ولا حتى يدخل في إطار سياسة التمهيد إلى سياسات مستجدة، ولا لأي هدف.
أراد معد التقرير التبيان أن إسرائيل هي المسيطرة في المنطقة، وأنها صاحبة القرار في تحديد نوع العلاقة مع الجيران.
وتتضح لنا السيطرة من الهجوم المحدود على إيران اليوم.. بعد تهديد إسرائيل برد قاسي، أتى الرد بإعلام الإيرانيين عن المواقع التي سيتم ضربها.
( أسلوب جديد في الدعاية ضد عدو، وتطبيق الدعاية - التهديد ضد العدو؛ يتم بالإتفاق .. ربما هذا يعبر عن سيطرة ! ).
ومما جاء في التقرير: "من المحتمل أن يثير الاقتراح الذي قدمه المصدر – لم يذكر اسمه - نقاشا بين الخبراء في المنطقة، حيث يستند اقتراحه إلى استغلال معقد لعلاقات القوة في المنطقة، مع التركيز بشكل خاص على دور المملكة العربية السعودية".
وبعد فاصل من تكرار الفكرة السابقة، يأتي التقرير بهذه اللغة:
وبحسب المصدر نفسه، فإن "السعودية، تسير بين عمالقة الدول الذين يقاتلون بعضهم البعض". ويشير على وجه التحديد إلى ولي العهد محمد بن سلمان، الذي وقع بالفعل اتفاق تطبيع مع إيران "لأنه كان خائفا من تهديدات طهران المسلحة في الخليج" ( لاحظوا هذلا الإستنتاج الذي نشرت معاريف!).
وذكرت الصحيفة بالنص : " وأنه من المهم الإشارة إلى أن بن سلمان قاد برنامجا إصلاحيا واسع النطاق يسمى "رؤية 2030"، يهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط، والتطبيع مع إسرائيل".
أقل ما يقال عن هذا الطرح أنه " تخبيص" ناجم عن عدم فهم، وقلق. واستثارة الجاهل، لامكان لها من الإعراب.
كما قلت، الجملة السابقة، فيها استثارة وقيادة التحليل إلى حيث يفكرون، بعيداً عن الحقيقة..
إسرائيل من الممكن أن تصنف نفسها عملاقه، ويمكنها أن تصنف إيران عملاقة أمامها.
الواقع، لا إسرائيل ولا غيرها يمكن أن تتعملق وتظهر بأكثر من حجمها المعروف عنها، كما تعرف أحجام البقية.
لاحظ الجهل أين يكمن، ويظهر في أسلوب "الغوبلزي" عندما يحاول أن يسوق أفكاره.
هل ترون إلى أي درجة تأثروا بنظرية غوبلز التي يؤكد فيها؛ "حماية الحقيقة بجيش من الأكاذيب".
عندما يقول كاتب التقرير في معاريف أن هدف رؤية 2030 هو التطبيع مع إسرائيل !!
وأتفق مع كاتب التقرير ‘ذا كان يقصد أن تطور المملكة يمنحها المزيد من الإزدهار، ومزيد من القوة لفرض السلام والإزدهار في المنطقة والعالم..
سؤال البسيط:
عندما عقدت مصر الصلح مع إسرائيل، هل كانت مصر خائفة من إسرائيل؟!
ولو ( إفتراضاً ) وصلت المملكة إلى صلح مع إسرائيل، هل هذا يعني أنه خوف من أحد؟!
الواقع أن السعودية تعرف قدرات إسرائيل، وتعرف إمكانيات إيران.. ولكن السعودية لاتريد إدخال نفسها في حرب مع الجار الإيراني وبخاصة الشعب الإيراني - حتى لو كانت ضامنة الإنتصار ، وهذا مؤد - ولا أن تسبب قلق في المنطقة والعالم، والمملكة العربية السعودية تميل إلى السلم، وحل المشكلات بالطريقة السلمية. وتريد من الدول أن تتفرغ للبناء وتنفيذ برامج الإنماء والإزدهار لشعوبها.
قيادة المملكة العربية السعودية أكثر حكمة ورصانة وهدوء وإرادة على حفظ السلم والسلام للبشر في كل مكان.
سياسة السعودية، دائماً يعبر عنها قيادتها ، وعبر عنها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل - رحمه الله ، في المقولة الشهيرة قبل وفاته.:
" "نحن لسنا دعاة حرب ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها".
التقرير الإسرائيلي في صحيفة معاريف، أكمل طرحة غير المتناغم ، بكبرياء المرتعب.
وبتخبيص ملئ بالمتناقضات، بين إدعاء بالقوة، والتقليل من قدرة الدول العربية المؤثرة.
ما لايفهمون، أولا يريدون أن يفهموه، أن المملكة مع السلام والإستقرار في المنطقة والعالم، ولكن السلام القائم على الحق.
وفي كل مناسبة تعلن المملكة عن ذلك ، والمملكة تقرر وتؤكد، ولا يمكن لأي كائن أن يفرض رأيه على أمر لاتقره المملكة ، أو يملى عليها من أي مكان.
هذه سياسة المملكة المنطلقة من المنهج الإسلامي.
على منهج القرآن الكريم " وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ".
وعلى منهج رسول الله في الطريق إلى الحديبية، وما بعدها.. وفي رسائله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك وحكام العالم.
أما إعلام " غوبلز " فليس له قيمة ، لافي الماضي ولا الحاضر، ولا المستقبل.