تجربة الفراغ .. والثراء

news image

كتب - عبدالله العميره
"إذا كان لديك فراغ ؛ فأنت رجل ثري"
توقفت عند تلك الجملة في كتاب يتحدث عن تجارب الحياة، ألفه أجنبي - غير عربي، وغير مسلم.
وبالمناسبة، لدي قاعدة من قواعد الحياة؛ أقٌول فيها:
" التجربة لاتؤخذ بمقدار العمر؛ بل بمقدار ما تأخذه من تجارب .. والذكي من يستفيد من تجارب الآخرين".
في ذات المعنى:
" من شاور العقلاء؛ شاركهم في عقولهم".

أعود للجملة الأولى "إذا كان لديك فراغ ؛ فأنت رجل ثري".
وأعني بأن الكاتب غير عربي ، ولا مسلم.
لأن لدينا حديث عن  النبي محمد ﷺ يقول: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
وقال ﷺ: "اغتنم خمساً قبل خمس... وذكر منها: فراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك".
حديث؛ قبل 14 قرن،  بتحدث عن هذا المعنى الرفيع !

بطبيعة الحال؛ الحكمة ضالة المؤمن، وهي حق مشاع، ويتناقلها البشر، وتتوارد الخواطر فيها، مع اختلاف الفهم والتطبيق؛ بنتهي إلى ذات الفائدة.
يقول أرسطو: "الطبيعة تكره الفراغ"، والحياة أيضًا لا تحتمل الفراغ".
كما يقول أرسطو: " الفراغ ذلك الشيطان الذي يغوي السنابل الحمقاء ويغريها فترفع رؤوسها بصفاقة وتتراقص مع رياح العشوائية ثم إذا جاء وقت الحصاد طرحت بعيدًا".
فلسفة، فيها تجربة من نوع مختلف.

نوع من جلد الذات في ثقافة الغربيين، تناقلوها من ماضيهم إلى الحاضر.

وجلد الذات؛ جزء من ثقافة النقد في الثقافة الغربية.
بينما في الإسلام  التفاؤل حاضر..

الفراغ يعتبر من أعظم النعم التي يتقلب فيها المرء.
وقد  تمر بالإنسان أوقات يعيش فراغاً،  ولا يدرك قيمة هذه النعمة، ولا يحسن استغلالها؛ ولذلك اهتم الإسلام ببيان قيمة الوقت، والتذكير بهذه النعمة، والحث علىٰ حسن استغلالها. 
قد نلمس توافقاً - في نهاية الأمر - بين النظرة (النقدية) المتعمقة في الغرب، وبين نظرة الإسلام التفاؤلية العميقة في الحياة.
الفاصل  بين الثقافتين ( ثقافة اليقين في الإسلام، وثقافة الشك في الغرب) ؛ فاصل عجيب، قد يبدوا عميقاً في أجزاء، وسطحياً في أجزاء أخرى .
دقيق الملاحظة؛ سيستنتج أن ثقافة اليقين التي ليست في  المنهج التعليمي الغربي، أو لتقل؛ ليست في منهج البحث والعلوم، هي في المقابل / أعني في الثقافة الإسلامية؛ قائمة على الكمال.. " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ".. هذه الحكمة البالغة في الإسلام، وردت في جزء من الآية رقم3 من سورة المائدة.

الدين الإسلامي، هو المسيّر لحياة الإنسان، إلى الكمال بكل معانيه؛ ينتهي بالوعد بالجنة. العلاقة مباشرة، بين الخالق والمخلوق، وهنا يكمن الإطمئنان.
والإسلام لاينكر التجربة في علوم الحياة.
ففي النهاية ؛ اليقين هو الحاضر، هو النتيجة.

العلم يبدأ بالشك، وينتهي باليقين. ثم يتطور اليقين، بتطور عقل الإنسان، فيحضر الشك مرة أخرى في عصر جديد، وينتهي باليقين.. وهكذا تتطور العلوم.
الدين الإسلامي، يقوم على اليقين.. علاقة مباشرة بين الله والإنسان، وتعليمات واضحة لسعادة الإنسان.

القرآن الكريم، شامل ، كامل. يتوافق مع كل عصر.
إنما الحاجة في حكماء، ومفسرين، وشارحين ، عقولهم متطورة ، وتتطور باستمرار ، حاضرة في كل عصر..

مرة أخرى أعود للبداية.

"إذا كان لديك فراغ ؛ فأنت رجل ثري"
في النهاية؛ من الخبرات المشتركة  بين البشر؛ الشعور بالفراغ؛ يعني التوقف عن العمل، للراحة وتنشيط العقل.
وليس المقصود "الفراغ الناجم عن بطالة / عدم وجود عمل".

حكم:
لست شخصاً يحب الأمور السهلة.
أعمل.. وأحاول دوماً  ليكون عملي أجمل ما يكون، لامثيل له.
شغفت بقراءة القصص والكتب  بدءاً من الصف الثالث الإبتدائي، وبدأت  الكتابة ، والتأليف عام 1980. انطلقت بالقصة القصيرة. 
مشكلتي الأزلية، أنني لا أعرف التسويق لنفسي.
وكثير من الخبراء والأساتذة أكثر علماً وخبرة مني، لايعرفون التسويق لأنفسهم، لذلك يمكن أن يكون (تافه، أو تافهة) أصبحوا مشاهير عن طريق الإستثمار في الجهل.. بطبيعة الحال، ليس الإستثمار العلمي القائم على دراسات.. بل بـ " الفهلوة " وترويج التسطيح.
(العيب في جمهور يروق لهم التافهين!!)
هنا سؤال:  تطول إجابته ، وهو " كيف نصلح العيب؟! "

لابد من علاج تلك الظاهرة السيئة.

والسؤال الكبير: كيف نحقق أقصى درجات الترويج للفضيلة، والإنجازات السعودية الحضارية الرائعة؟
من واجبنا نقل تجاربنا.. ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا إلى العالم،  ليعرفوا من نكون أكثر مما هو معلوم.


__________

المثير أن أول جائزة  تم منحي إياها على الكتابة، جاءت من وزارة الإعلام السعودية، وتحديداً من الإذاعة. كانت هي الحافز الأكبر للإطلاق. منذ ذلك الحين تعلقت بالإعلام، رغم بدايتي بالتعليم.. ولم يكن التعليم غايتي.. بل الإعلام، وتحديداً الصحافة.
بدأت محرراً في صحيفة الرياض  عام 1983م. واستمر الشغف يتزايد.
مررت بمراحل متقدمة في الصحافة، يعلمها كثير من الزملاء. إلى اليوم؛ إدارة وكالة أنباء خاصة فريدة متفردة  في المملكة والخليج والعالم العربي .. وكالة "بث".
سنوات وأعوام من التجارب الكبيرة ..
الأكبر أنني استفدت، ومازلت أستفيد من تجارب  آخرين كبار. بل أستفيد أكثر من تطلعات وتجارب الشباب والشابات.
لا أستصغر إنسان يهوى التعلم والإرتقاء في الحياة.
نصيحة: لاتستصغروا  شاب أوشابة، مهما كانت طريقة تفكيرهم. لابد أن فيهم ما تجتاجه، ويحتاجه العالم.
لنتذكر أن الصحفي لايكتب ولا يعمل لنفسه، بل من أجل المتابعين.. الجمهور.. القراء.. المشاهدين..الخ ، في أي مكان تصل إليهم الرسالة.
لاتتركوا فراغاً يلعب بكم، بل اجعلوا من الفراغ إنتاجاً.
بمجرد أن تستمتعوا بوقت فراغكم، حتى في رحلة أو لحظات صمت، أو لقاء بأحبه وأصدقاء.. هذا مكسب يضاف لكم في الحياة.
حتى قساوة الحياة، فيها متعة التجربة..
"نرى في الحياة أموراً قد تبدو لنا سيئة و، ولكنها في النهاية لصالحنا".