بعد وفاة تركي السديري (؟!)

news image

 

كتب - عبدالله العميره

رغم مرور 7 سنوات على وفاته - رحمه الله؛ لم أنساه أبداً، ولا يمكنني نسيانه.
كلما يزداد اشتياقي له؛ اتصل على العزيز ابراهيم القدير، الرجل الوفي الذي كان أكثر إلتصاقاً بأبي عبدالله، الأستاذ تركي السديري - رحمه الله.
وعندما أشتاق لزمن المنافسة الجميلة بين عملاقين، وبين صحيفتين من أكبر صحفنا السعودية، اتصل على الأستاذ القديرخالد المالك - أدعو الله أن يمده بالصحة ويطيل في عمرهما.

أمضيت معظم حياتي الصحفية في جريدة الرياض، ولكن علاقتي برئيس تحرير الجزيرة الأستاذ خالد المالك؛ قوية،  ومازالت مستمرة، مبنية على المحبة والوفاء المشترك لقيادتنا وبلادنا، ولمحبتي لكل مخلص وأستاذ في الصحافة وغيرها من مجالات العمل الوطني.
سيخطر على أي منكم - من المتابعين هذا الموضوع، أو أي من موضوعاتي؛ سؤال:
مالذي دعاك لتتذكر العمالقة؟

جواب: حال صحافتنا اليوم، وكل يوم يأتي من يذكرني بسوء الحال.
ودعوني أستثني زميل أعرفه، وأعرف مهنيته وحرفيته العالية، أعني الأستاذ جميل الذيابي.
وزملاء مميزين، أعتقد أنهم بعيدون ، أو مبعدين عن العمل الصحفي.
لم يبتعدوا بقرارات رسميه من الوزارة أو من الجهات المنظمة للعمل الإعلامي ( لايوجد جهة منظمة للصحافة، وتخطط للعودة إلى صحافة سعودية قوية).

سيأتي من يسأل:
هل بقي من الصحافة شئ مؤثر؟ وهل يوجد مكان للصحافة الورقية التي كانت متسيدة الساحة؟

الإجابة ببساطة:
وهل في صحافتنا محتوى مؤثر، سواء كانت مطبوعة أو إلكترونية؟
ومن قال أن الصحف العالمية القوية الورقية انتهت، وانتهى تأثيرها؟
إبحثوا عن الورق في أوروبا، وأمريكا والصين والهند.. وابحثوا في المحتوى، وكيف تدار الصحف، وما هي اهدافها.

مع أن محور موضوعي هذا، لا أقصد به الحديث عن الصحافة الورقية أو الالكترونية.
إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن التنافس، أو من يبقى مؤثراً وحياً، الورق أو الإلكتروني، يعتمد على المحتوى.
نجاح الصحافة في إعادة التعريف بنفسها وتحديد وظائفها، وبناء علاقة جديدة مع الجمهور .. ولذلك  قواعد: المصداقية والثقة وجودة المضمون.
لايمكن أن يتحقق ما نريد، في ظل الحال القائم، ضعفاء يديرون عمل لاعلاقة لهم به، وجامعات مازالت بعيدة عن مهمة تخريج صحفيين قادرين على مناقشة القضايا التي تهم الجماهير، وتقديم تغطيات متعمقة للأحداث.
أضرب مثال: 
لماذا نجحت واشتهرت صحف عالمية وانتشرت، مثل الواشنطن بوست.
ببساطة لأنها تركز بصفة خاصة على السياسة المحلية.. تركز على الشأن المهم ، ذي الأبعاد العميقة، لصالح الأمة.
تميزها في اختيار الموضوعات وتفردها في الإختيار والطرح - وفي لغة الخطاب. ولاتركز على الأخبار المشاعة، بل الإنفراد، في المعلومة، أو التحليل.. توجهها متابع عالمياً.
وأدرك أن بعض الأخبار، وخاصة الرسمية، والأحداث المؤثرة الظاهرة للعالم، لايمكن إغفالها بحجة أنها أخبار مشاعة ستكون موجودة في كل وسائل الإعلام، وبثها الكترونيا يسبق الورق.
إنما، أين التحليل.. القراءة.. أين اللوحات الفسيفسائية المبهرة؟
الإجابة ببساطة ، لأن من يدير صحفنا المعروفة بقوتها سابقاً ؛ أقل من أن يرسموا لوحات ذات أبعاد استراتيجية.
لايفهمون في  الإعلام الاستراتيجي.. ولا في الإرسال الاستراتيجي، ولا في اللغة المناسبة، ولا في الجودة العالمية والتميز والابتكار...
سؤال:
كيف تنجح معارض الكتاب في جذب القارئ، وتفشل الصحف؟
الإجابة؛ فيما ذكرت قبل هذا السؤال.

الصحافة العالمية المتقدمة ، والمؤثرة، تديرها خبرات تمتلك عقولاً مبتكرة. وتُبنى على استراتيجيات وطنية بعيدة المدى.
أين نحن من أولئك؟ 
من يدير صحافتنا المهمة اليوم؟!

هناك من يتحدث عن الإعلام الجديد..
دون فهم لخصائصه، وطريقة التعامل مع وسائله، والظواهر المصاحبة له، وسلبيات الإعلام الجديد.

يعملون ليقال؛ أنهم  يعملون.. وليس من أجل أن يقال، مالذي تفعلون حتى أصبح عملكم مؤثراً.
( أرجو قراءة الجملة السابقة أكثر من مرة !).


هنا؛ لا أتحدث عن إلغاء الإعلام الجديد ، أو التقليل من أهميته.
أتحدث عما هو أعمق وأبعد.
عن التأثير، والترسيخ الممنهج..
أتحدث عن فوضى التقنية، واختلاط الحابل بالنابل.

سأطلب منكم طلباً بسيطاً:
تابعوا حسابات الجهات، من وزارات وغيرها، وقارنوها بحسابات  الجهات الرسمية  وغير الرسميةالأجنبية.
وتابعوا منشورات جهات شبه رسمية وتجارية، وقارنوا بين العربية والأجنبية.
ركزوا على شيئين:
المحتوى ولغة الخطاب .. اختيار المعلومة، والترابط بين المعلومات.
ستلاحظون الفرق بين خطاب الذات (علاقات عامة)، والخطاب الصحفي المؤثر؟
هل فكرتم في الهدف؟
رسالتنا موجه لمن؟ ورسالتهم لمن؟
وأيهما أكثر تأثيراً.

ويوجد من يعتقد أنه لامكان للصحافة المطبوعة ولا حتى الإلكترونية، ويعتقد بوسائل أخر، وكأنه يسبق الغرب بمئة سنة في رسم الاستراتيجيات الإعلامية وإدارة المحتوى !


الحال؛ يذكرني بوصف معلق (محلل) سعودي، عندما قال:
"يذكرني بمن وقف في صف ( طابور) عند خباز، وعندما وصل الرجل، سأل الخباز: عندك طماط ".
أمعقول: " خباز يبيع طماطم؟!".

دعوني أذكر نقطة رجعة، وليس خط رجعة، وأقول، ربما يوجد من فيه تميز عندنا عن الغرب، ولكن هذا الشخص، أو مجموعة قليلة ممن يفهمه، لن يحقق ما يريد ونريد، ، لأن الأهم تطبيق العمل  الجماعي المقنن المؤثر، وليس الأهمية في الأفكار.. الأفكار “ رائعة ” لكنها “جهنمية” تتحول إلى رماد أو هباء منثوراً إذا لم نحسن التطبيق.. والتطبيق يحتاج خطة كاملة، وكوادر قادرة على التطبيق..

أعود للسؤال الأصل:
مالذي دعاني لتذكر الأستاذ تركي السديري - رحمه الله؟
الصحافة ماتت بموت تركي السديري قبل 7 سنوات.
وأتطلع إل انتهاء السبع العجاف، وبدء أعوام سمان، وإعادة الهيبة لصحافتنا، والقوة لإعلامنا.
نعم .. يوجد عمل ، لكنه على استحياء ، أو لم يظهر. أو بمعنى أن العمل الردئ الذي يديرة كل من هب ودب، من خبازين يبعون طماطم.. ويتم دعمهم. وبرعاية برامج بعضهم، ويتم وصفهم بأنهم مميزين. رغم أن برامجهم تخاطب الغوغاء وترسخ التعصب. ولايوجد شئ  من التميز أبداً في الأداء..  تأثير أعمالهم سلبياً، أكبر من تأثير الإعلام المعادي للمملكة.
ولا أعلم بماذا يوصف المميزين الحقيقيين.
باختصار؛ حتى الآن؛ الأعمال الرديئة مسيطرة، تطرد العمل الجيد.

 


أحزن على أيام تركي السديري، وفهد العريفي ، مدير عام مؤسسة اليمامة الصحفية - رحمهما الله، وعلى أيام قوة خالد المالك.
وأحزن أكثر على من أتى بعدهم. سواء في الصحافة، أو برامج منحوا  استحقاقات لايستحقونها، على حساب الرائعين، ممن يستحقون الدعم والتقدير.

لي مواقف رائعة مع أولئك الأساتذة العظماء. الأساتذة: تركي السديري، وفهد العريفي - رحمهم الله، وخالد المالك أطال الله في عمره، وغيرهم من أساتذة الخبرة والإبتكار في الإعلام، والشباب والشابات المبدعين.
ومواقف سلبية مع من يحاولون إلغاء تاريخ العظماء أو يفسدون صفحات تاريخ العظماء.
لايمكن أن يحدث..
مازلت أتطلع إلى عودة أقوى من الماضي، بخاصة أن قوة بلادنا ومكانتها تضاعفت مرات ومرات، تستحق أن يكون فيها صحافة قوية مؤثرة على مستوى العالم.
وأن يتم جمع العمل الجيد، لتكون أسهمه منطلقة  ككتلة واحدة ، بدلاً عن البعثرة (في الأموال والتأثير).

 

____________
أتطلع  إلى تكريم كبير يليق بجيل العمالقة، ممثلاً بالرمز المتبقي الباقي، الأستاذ خالد المالك.
وأن يستفاد من خبراته الكبيرة في الجامعات، وفي الوزارة.