سباق عالمي نحو وقود المستقبل "الهيدروجين" .. السعودية تسعي للصدارة في 2050

news image

هالة عرفة - بث:

أحدث الهيدروجين ثورة في معادلة الطاقة والتي اعتاد أن يتزعمها الوقود التقليدي، ومن ثمَّ فهو يمثل رهانًا مستقبليًا للعديد من الدول في تحقيق الريادة في مجال الطاقة ولاسيمّا في إقليم الشرق المتوسط ومن المتوقع أن يلعب دورًا كبيرًا في تحديد المركز الإقليمي للطاقة مستقبلاً، خاصة وأن هذا التوجه يدعم تناميه معطيات كثيرة منها بأنه قادرًا على تحقيق أهداف حماية المُناخ ، فضلاً عن تبني العديد من الدول الكُبرى لتوجه الهيدروجين وصياغة استراتيجيات تتعلق بالهيدروجين على رأسها الاتحاد الأوروبي كما أنه يُعد الأعلى في محتوى الطاقة مقارنة بباقي أنواع الوقود الأخرى.

انطلق السباق بين دول العالم في إنتاج الهيدروجين منذ أن ارتبطت استخداماته بالطاقة كمصدر للطاقة النظيفة.

وشهد الهيدروجين ثورة في الاستخدامات تطوَّر على إثرها من مجرد “مادة خام” تدخل في العديد من الصناعات إلى”حامل للطاقة” و”مصدر مُباشر للوقود النظيف”، ومنذ ذلك الحين سارعت العديد من الدول في مختلف أقطار العالم باتخاذ خطوات سريعة نحو تحقيق الريادة في هذا السوق الناشيء الواعد؛ لاسيّما في ظل ما يؤكده خبراء الطاقة وثقتهم في قدرة الهيدروجين على الإسراع من تحقيق أهداف حماية المُناخ.

يقول خبراء الطاقة “أن العالم لا يحتاج لإعادة هيكلة نظام الطاقة العالمي لتحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية، وإنما ما يحتاجه فقط هو الهيدروجين “.

ويمكننا في هذا التقرير إلقاء الضوء على رحلة الهيدروجين منذ اكتشافه، والموقف الحالي للتحركات، وآفاقه المستقبلية.

بداية اكتشاف الهيدروجين ثم استخدامه كوقود

بدأت رحلة الهيدروجين في عام 1671م؛ حيث تم اكتشافه على يد العالم البريطاني “Robert Boyle” ولكن لم تظهر استخداماته إلا مع مطلع القرن العشرين في تعبئة “المناطيد” لكونه أخف من الهواء، حيث أنه كان أرخص وقتها من الهيليوم الذي يحمل نفس الخاصية، إلا أن حدوث انفجار منطاد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1937 حال دون ذلك.

وظهر استخدام الهيدروجين مجددًا كوقود مع تأسيس وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) في عام 1958؛ حيث استخدمته الوكالة في دعم بعثاتها إلى الفضاء، واستطاعت وكالة الفضاء الأمريكية على مدار عقد لتطوير استخداماته إلى أن أصبح علامة مميزة لبرنامج الفضاء الأمريكي.

استخدام الهيدروجين في الصناعة واهميته للحد من انبعاثات الاحتباس الحراري

للهيدروجين حاليًا سوقًا ضخمة مع تطور استخداماته التي تقوم عليها العديد من الصناعات في الوقت الحالي، إلا أنه لا يزال ينحصر استخدامه كمادة خام لتلك الصناعات مثل، صناعة الأمونيا والميثانول، حيث تتميز هذه الصناعات بأن لها استثمارات باهظة والطلب عليها مرتفعًا.

حيث عاد الحديث مجددًا عن الهيدروجين وبقوة خلال السنوات الماضية، في إطار الجهود الرامية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث شهد الهيدروجين نموًا في مجال استخداماته كحامل/مصدر الطاقة، وتنامي الحديث بقوة عن استخداماته كمصدر للطاقة وقدرته على خلق مستقبل للطاقة منخفض الكربون للوصول لأهداف حياد الكربون.

للهيدروجين أكثر من نوع ولون

تم التوصل مؤخرا لمعرفة أن “الهيدروجين” له العديد من الأنواع ترتبط بألوان عِدة؛ تختلف فيما بينها وفقًا للمصدر الذي يتم إنتاجه منه فهناك الهيدروجين الأسود ويتم انتاجه من الفحم، والهيدروجين الرُمادي، ويتم إنتاجه من الوقود الأحفوري من خلال فصل الهيدروجين عن الميثان، والهيدروجين الأزرق الذي يتشابه إنتاجه أيضًا مع إنتاج الهيدروجين الرُمادي والأسود إلا أنه يختلف عنهما في تطبيق تقنية اصطياد وتخزين الكربون للانبعاثات المُصاحبة، والهيدروجين الأخضر صديق للبيئة ويتم إنتاجه من خلال التحليل الكهربائي للماء، والهيدروجين الأصفر صديق البيئة ويتم إنتاجه من خلال التحليل الكهربائي للماء باستخدام كهرباء مولدة من محطات الطاقة النووية، والهيدروجين الفيروزي الذي يتم إنتاجه من خلال التحلل الحراري للغاز الطبيعي أو الكتلة الحيوية في غياب الأكسجين.

جحم السوق الحالية لإنتاج الهيدروجين

بالنظر إلى سوق الهيدروجين الحالي، فقد بلغ إنتاج خلال عام 2021 نحو (120) مليون طن سنويًا على مستوى العالم، بزيادة تُقدر بنحو (56%) عن عام 2018 والذي بلغ إنتاجه نحو (77) مليون طن.

ويُنتج معظم الهيدروجين الحالي من المصادر التقليدية حيث بلغت مساهمة الوقود الأحفوري في إنتاج الهيدروجين خلال عام 2018 نحو (99%) معظمها من الغاز الطبيعي الذي يُهيمن على نحو (76%) من مصادر إنتاج الهيدروجين، يليه الفحم بنسبة (23%) ومع ارتباط الهيدروجين بقضايا حماية المُناخ انخفضت مساهمة الوقود الأحفوري (الغاز الطبيعي والفحم) تدريجيًّا لتصل لنحو (95%) عام 2021 وهو ما يعني زيادة نسبة الهيدروجين صديق البيئة من (1%) إلى نحو (5%) خلال الفترة (2018-2021).

أهمية الهيدروجين كسوق واعدة

وللهيدروجين آفاقًا مستقبلية واسعة تؤكدها سوق الطلب على الهيدروجين حيث ارتفع الطلب العالمي على الهيدروجين خلال الفترة (1995-2018) بنسبة (109%) ليصل إلى (115) مليون طن عام 2018 مقارنة بـ(55) مليون طن عام 1995، فمن المتوقع أن يشهد الطلب على الهيدروجين نموًا سنويًّا خلال الفترة (2020-2044) قدره 35% وبمعدل سنوي 28% حتى عام 2050.

أدركت العديد من دول العالم الحقيقة بأهمية الهيدروجين كسوقٍ واعدة يُمكن أن تُسهم في عملية تحول الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية بشكل واضح؛ وقد عزز هذه الجهود دعم المفوضية الأوروبية لهذا التوجه؛ حيث أطلقت الاستراتيجية الخاصة بالهيدروجين (استراتيجية الهيدروجين لأوروبا المحايدة مناخيًا) في عام 2020 بهدف جعل الاستخدام الواسع للهيدروجين ممكنًا بحلول عام 2050.

وعلى إثرها بدأت العديد من الدول في إعداد رؤى واستراتيجيات لتحديد المسارات التي يُمكن أن تسلكها في بناء اقتصادات وطنية للهيدروجين، إما بغرض توفير إمدادات الهيدروجين (عبر الإنتاج المحلي أو الاستيراد)، واستكشاف المجالات/القطاعات التي يُمكن أن يُستخدم فيها، أو بغرض دراسة فرص الاستثمار في مجال إنتاج الهيدروجين للتصدير للأسواق المُحتملة.

وبنهاية الربع الثالث من عام 2021 بلغ عدد الدول التي أعلنت عن استراتيجيتها الوطنية للهيدروجين 16 دولة بعد انضمام كل من المملكة المتحدة وكولومبيا إلى القائمة. كما ارتفع عدد الدول الإقليمية (العربية/الإفريقية) التي أبدت اهتمامها بمجال الهيدروجين إلى ثماني دول منها (7) دول عربية وهي: الإمارات، والسعودية، ومصر، والمغرب، وعمان، والعراق، والجزائر فضلًا عن دولة جنوب إفريقيا التي أعلنت عن خريطة طريق لها في الهيدروجين.

كما بلغ إجمالي عدد مشروعات إنتاج واستخدام الهيدروجين المعلن عنها بنهاية الربع الثاني من عام 2021 نحو (359) مشروعًا باستثمارات إجمالية بلغت حوالي (500) مليار دولار، و(80%) من هذه المشروعات تستحوذ عليها السوق الأوروبية ومع ذلك ما يزال يواجه الهيدروجين تحديات إنتاج كبيرة في تخزينه ونقله، فضلًا عن ارتفاع تكلفته.

الدول العربية تدخل مجال إنتاج الهيدروجين

وفقًا لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول “أوابك” فقد ارتفع عدد مشروعات إنتاج واستخدام الهيدروجين المخططة إلى (20) مشروعًا في الدول العربية منها حوالى (12) مشروعًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، ونحو (6) مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء، ومشروعان لاستخدام الهيدروجين كخلايا وقود.

السعودية تنافس علي صدارة الإنتاج

تخطط المملكة العربية السعودية لإنشاء مصنع هيدروجين على الشواطئ الشمالية الغربية حيث تتمتع تلك الشواطئ بأشعة الشمس على مدار العام والرياح التي يمكنها تشغيل الألواح الشمسية وطواحين الهواء، فتراهن “الرياض” على أن تصبح أكبر منتج لمصدر الطاقة النظيفة فإذا حقق المصنع الجديد هدف الإنتاج اليومي البالغ 650 طنًّا من الهيدروجين الأخضر الصديق للبيئة، فسوف يصبح الأكبر إنتاجًا في العالم.

وجدير بالذكر أن سعي الرياض لإنتاج الهيدروجين يُعد جزءًا من محاولتها لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط والغاز، وخلق فرص العمل؛ حيث احتلت الإيرادات النفطية حوالي 149 مليار دولار من الميزانية السعودية لعام 2021.

وتشهد المملكة منافسة مع وجود روسيا والإمارات العربية المتحدة وعديد من الدول التي تسعى أيضًا للحصول على حصة من سوق الهيدروجين عالميًّا، حيث تهدف روسيا إلى الحصول على 20% من سوق الهيدروجين بحلول عام 2030، بينما أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن إمكان إنتاج الهيدروجين من الطاقة النووية للاستفادة من القدرات الكبيرة لمحطة براكة وكذلك إنشاء مصنع هيدروجين للحصول على حصة سوقية بنسبة 25% بحلول 2030، كما أعلن كل من عمان والمغرب ومصر عن خطط لإنشاء مصانع.

وعلى صعيد نفسه ، يعتقد بعض المحللين أنه إذا انطلقت السوق السعودية على النحو المتوقع، فمن المتوقع أن تصل إيرادات الهيدروجين الأخضر إلى نحو 600 مليار دولار بحلول عام 2050 .

خطط مصرية لإنتاج الهيدروجين

تأتي مصر ضمن قائمة الدول التي بدأت بالفعل في إعداد استراتيجية للهيدروجين حيث تم تشكيل لجنة تضطلع بمسؤولية إعداد استراتيجية وطنية لإنتاج الهيدروجين، كما أعلنت مصر عن العديد من مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء، وذلك في سبيل تحقيق رؤيتها بأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة.