2025 عام الوحدة الاقتصاديّة الخليجيّة l خاص

news image




عدنان كريمة*

إذا كانت قمّة “العلا”، وهي تحمل الرقم 41 طَوت صفحة ثلاث سنوات سلبيّة من عمر مجلس التعاون الخليجيّ، وفتحت الطريق نحو خطواتٍ مستقبليّة لمسيرةٍ إيجابيّة طيلة أربعة عقود لتحقيق هدفها “الاستراتيجيّ” بإنجاز مراحل التكامل الاقتصاديّ وصولاً إلى “الوحدة” التي نصّت عليها الاتّفاقيّة الموقّعة بين الدول الستّ في 25 أيّار/ مايو 1981، فإنّ قمّة “الرياض” التي تحمل الرقم 42 والتي انعقدت في منتصف كانون الأوّل/ ديسمبر 2021، حدّدت عام 2025، هدفاً “استراتيجيّاً” لتحقيق “الوحدة الاقتصاديّة”، وخصوصاً أنّ الاقتصاد الخليجيّ بات على مقربة من أن يكون سادس أقوى قوّة اقتصاديّة في العالَم عام 2030. مع التأكيد على أنّ تسريع وتيرة التعاون، وخطوات الترابط الأمنيّ والعسكريّ المؤدّية إلى استكمال منظومتَيْ الأمن والدّفاع، تُشكّل سدّاً منيعاً أمام التحدّيات الخارجيّة التي تواجه المنطقة، وبما أنّ الأمن هو ركيزة للتنمية، وأساس رفاهيّة الشعوب، لذلك أجمع قادة الدول الستّ على أنّ استقرار منطقة الخليج وصيانة أمنها يأتي في مقدّمة الأولويّات.

لقد سبق انعقاد القمّة 42 جولة خليجيّة، قام بها وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، وأسفرت نتائجها عن إيصال رسائل إلى القوى الدوليّة، فحواها أنّ الموقف الخليجي موحّد خلف المَملكة العربيّة السعوديّة، وأنّ دول المجلس داعمة لها في أيِّ مَسارٍ سياسي إقليمي ودولي، وأنّ مركز القرار الخليجي يقع في الرياض، بما يؤكّد أهميّة دَور المَملكة، ليس في الخليج فقط، بل أيضاً في النطاق العربي بأكمله، ولاسيّما لجهة إعادة تفعيل النظام الإقليمي العربي. وقد حصل ذلك في ظلّ سلسلة تحدّيات مستجدّة تعصف بالمنطقة، وفي وقت تحدث فيه متغيّرات سريعة وتحالفات سياسيّة وتكتّلات اقتصاديّة مهمّة وفاعلة حول العالَم.


لذلك جاء تأكيد القادة الخليجيّين في البيان الختامي لقمّة الرياض على أهميّة الجَولة، ومُشيداً بها، ومُرحّباً بالنتائج الإيجابيّة التي حقَّقتها لتعزيز التعاون والترابط والتنسيق، وكذلك تأكيد التنفيذ الكامل والدقيق لرؤية خادم الحرمَيْن الشريفَيْن الملك سلمان بن عبد العزيز لتحقيق أعلى درجات التكامل واستكمال مقوّمات الوحدة الاقتصاديّة، والمنظومة الدفاعيّة والأمنيّة المُشتركة، وتنسيق المواقف، بما يُعزِّز تضامُن دول مجلس التعاون واستقرارها، ويحفظ مصالحها، ويجنّبها الصراعات الإقليميّة والدوليّة، ويلبّي تطلّعات مواطنيها وطموحاتهم، ويُعزّز دَورها الإقليمي والدولي.

حتميّة الوحدة

بما أنّ الأمن هو ركيزة للتنمية وأساس رفاهيّة الشعوب، فقد أجمع القادة الخليجيّون على أنّ استقرار منطقة الخليج وصيانة أمنها هُما في مقدّمة الأولويّات على أساس الأمن القائم على مبادىء العلاقات الدوليّة وحُسن الجوار، وعدم التدخُّل في شؤون الآخرين. ولذلك صادَقَ المجلس الأعلى في قمّة الرياض على قرارات مجلس الدّفاع المُشترَك في دَورته الـ 18، وأكّد دعم جهود التكامُل العسكري المُشترَك لتحقيق الأمن الجماعي، مُعرباً عن ارتياحه لما تحقَّق من إنجازاتٍ أمنيّة. كذلك جدَّد المجلس حرص دوله على تعزيز علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظّمات الإقليميّة والدوليّة، انطلاقاً من دَوره كركيزة أساسيّة للحفاظ على الأمن والسِّلم الإقليمي والعالَمي، وتعزيز هذا الدور في تحقيق السلام والتنمية المُستدامة، وخدمة التطلّعات السامية للأمّتَيْن العربيّة والإسلاميّة، واحترام مبادىء السيادة، استناداً إلى المواثيق والأعراف والقوانين الدوليّة.

وفي ضوء تقرير الأمانة العامّة بشأن التقدُّم المُحرَز في تنفيذ رؤية خادم الحرمَيْن الشريفَيْن الملك سلمان بن عبد العزيز لتعزيز العمل الخليجي المُشترَك، أكّد المجلس الأعلى على مضامين إعلان قمّة “العلا” في كانون الثاني/ يناير 2021، والتنفيذ الكامل والدقيق والمُستمرّ، بما في ذلك استكمال مقوّمات الوحدة الاقتصاديّة والمنظومتَيْن الدفاعيّة والأمنيّة المُشترَكة. وشدَّد الأمين العامّ على أنّ دول المجلس تهدف للوصول الى الوحدة الاقتصاديّة بحلول العام 2025، موضحاً أنّ هيئة الشؤون الاقتصاديّة والتنمويّة تُتابع تنفيذ 99 قراراً تتعلّق بالسوق الخليجيّة المُشترَكة، وأنّ نسبة الإنجاز تتجاوز 85 في المئة، لجهة صدور التشريعات الوطنيّة داخل كلّ دولة، مع العلم أنّ الهيئة أُنشئت خصّيصاً لمُتابعة كلّ المشروعات المُشترَكة، وتحقيق متطلّبات الاتّفاقيّة الاقتصاديّة والسوق الخليجيّة المُشترَكة.

لقد كان قيام مجلس التعاون لدول الخليج أمراً “حتميّاً”، منذ أكثر من 40 عاماً، لأنّ هذه المنطقة تمتلك مقوّمات كثيرة للوحدة، حيث الروابط الدينيّة والثقافيّة، وصلات القربى بين مُواطني هذه الدول، ويأتي الموقع الجغرافي مُعزِّزاً لهذه الوحدة؛ لذلك كانت الرؤية التي يتمتّع بها قادة الدول الستّ هي رؤية استشراف للمستقبل.

ومع الأخذ بالاعتبار أهميّة الإنجازات الكبيرة والمُتعدّدة التي حقّقها المجلس طيلة السنوات الماضية حتّى أصبح قوة اقتصاديّة إقليميّة تُسهم في نموّ مسيرة الاقتصاد العالَمي، وحرصاً منه على استمرار هذه الإنجازات وحماية مسيرتها ونموّها، قرَّر الانتقال من “مرحلة التعاون” إلى “مرحلة الاتّحاد”، كونه ضرورة داخليّة وإقليميّة، وضرورة أمنيّة واقتصاديّة، على أن يكون عنصر استقرار للمنطقة يحفظ لكلّ دولة خليجيّة سيادتها ونظامها، وينهض بالعلاقات في ما بينها، بتحويلها من إطارِ التنسيق والتعاوُن المحدود إلى تكتُّلٍ اقتصادي، سياسي، أمني، قادر على أن يصمد أمام التحدّيات وتحقيق الأهداف والطموحات. ومن هنا تبرز أهميّة قيام الاتّحاد الخليجي الذي دعا إليه العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ نحو عشر سنوات. وقد اطَّلع المجلس الأعلى في قمّة الرياض (42) على نتائج المُشاورات بشأن تنفيذ هذا القرار، وقرَّر مُواصلة الجهود، وتكليف المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المختصّة باستكمال الإجراءات اللّازمة لذلك، ورفْع ما يتمّ التوصُّل إليه، إلى المجلس الأعلى في دَورته المُقبلة.

تحدّيات التكامُل

يواجه البيت الخليجي سلسلة تحدّيات لتحقيق التكامُل الاقتصادي والاجتماعي. وقد أكّد المجلس الأعلى على سلسلة قرارات اتُّخذت في قمّة “العلا” في العام الماضي، لتسريع “مرحلة التكامُل”، باستكمال خطوات قيام الاتّحاد الجمركي، والاتّحاد النقدي وتنفيذ السوق الخليجيّة المُشترَكة، وصولاً إلى إنجاز الوحدة الاقتصاديّة.

ولوحظ أنّ السنوات الأخيرة تميّزت بالعديد من الإنجازات التي يعيشها المُواطن الخليجي، سواء لجهة الانتقال والإقامة والعمل بالبطاقة بين الدول الأعضاء أم لجهة مُمارسة النشاط الاقتصادي والتجاري وانسيابيّة رؤوس الأموال وحقّ الإسهام في الشركات التي تؤسَّس في دول المجلس، أو شراء أسهم الشركات المُسهِمة من الأسواق الماليّة، ثمّ تملُّك العقار لأغراض السكن او الاستثمار.

لا شكّ في أنّ دخول الاتّحاد الجمركي مرحلة النفاذ الفعلي مبكّراً، كان يُعتبر خطوة كبيرة في سبيل تنمية الاقتصادات الخليجيّة للاستفادة من اقتصادات الحجم الكبير، إلّا أنّ تراكُم المعوّقات الجمركيّة وغير الجمركيّة، أعاقت أداء الاتّحاد وفاعليّته، ما أدّى إلى تأجيل موعد تدشينه. ولكنْ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حجم التجارة الخارجيّة لدول المجلس تُقدَّر بأكثر من 1.3 تريليون دولار، منها 950 مليار دولار للصادرات ونحو 450 مليار دولار للواردات. ولوحظ أنّ الاتّحاد الجمركي حقَّق قفزة في حجْم التجارة البَيْنيّة بين دول الخليج من 6 مليارات دولار في العام 1984 إلى 110 مليارات في العام 2012 ثمّ إلى نحو 140 مليار دولار، وذلك يعود إلى الإجراءات التي اتّخذتها الدول الأعضاء لتسهيل انسياب السلع بينها، من خلال إقامة منطقة التجارة الحرّة وتوحيد التشريعات والإجراءات الخاصّة بالتجارة والاستيراد والتصدير والجمارك.

أمّا بالنسبة إلى الاتّحاد النقدي، فقد بدأت فكرة إصدار عملة خليجيّة موحّدة، مع نشأة المجلس منذ 40 عاماً. ونظراً للاستقرار النسبي في أسعار الصرف التقاطعيّة لعملات الدول الأعضاء خلال الثمانينيّات والتسعينيّات من القرن الماضي، ولكون إقامة الاتّحاد النقدي وإصدار عملة موحّدة، تُعتبر مرحلة تكامليّة متقدّمة يسبقها في الغالب، ووفق النظريّة الاقتصاديّة، مراحل تكامليّة أخرى، هي منطقة التجارة الحرّة والاتّحاد الجمركي والسوق المُشترَكة، فقد كان الرأي السائد داخل المجلس في أوائل التسعينيّات، أنّ الوقت لم يَحن بعد لبحث تفاصيل إقامة الاتّحاد النقدي وإصدار العملة الموحّدة، ولذلك ارتأى وزراء الماليّة والمُحافظون في دول المجلس تأجيل بحثه إلى نهاية عقد التسعينيّات.

وبنهاية عقد التسعينيّات من القرن الماضي، ونظراً لتحقيق تقدّم في ما يتعلّق بالاتّحاد الجمركي الخليجي، ولنجاح الاتّحاد الأوروبي في موضوع اليورو، أُعيد بحث موضوع العملة الخليجيّة الموحّدة، وقرَّر المجلس الأعلى في قمّته التي عُقدت في البحرين في كانون الأوّل/ ديسمبر 2000 تبنّي الدولار الأميركي مُثبِّتاً مُشتركاً لعملات دُول المجلس في المرحلة الأولى. وأُعدّ برنامجٌ زمنيٌّ تتّفق خلاله الدول الأعضاء على معايير تقارب الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي والنقدي اللّازمة لنجاح الاتّحاد النقدي. وما ذلك إلّا تمهيدٌ لإطلاق العملة الموحّدة في موعد لا يتجاوز الأوّل من كانون الثاني/ يناير 2010.

ولكنّ انسحاب سلطنة عُمان في العام 2007، والإمارات في منتصف العام 2009، وَضَعَ المشروعَ أمام تحدّيات صعبة، على الرّغم من أنّ أربع دول وقّعت عليه وهي: السعوديّة، قطر، البحرين، الكويت، وأصبحت “اتّفاقيّة إقامة وحدة نقديّة” نقطةَ انطلاقٍ مهمّة في بناء مؤسّسات الاتّحاد النقدي الخليجي والمتمثّلة في المجلس النقدي والبنك المركزي. وفي حال إقرار عملة خليجيّة موحّدة، فإنّ ذلك يعني أنّ 6 اقتصادات موحّدة أفضل من اقتصاد واحد على حدة. كما أنّ ذلك سيُسهم في التكامُل الاقتصادي بين دول الخليج، وفي صدور قرارات سياديّة ونقديّة تضيف قوّة لدول مجلس التعاون، فضلاً عن أنّ العملة الموحّدة ستُساعد في إمكانيّة التحكُّم بالتضخّم والانكماش على مستوى الدول الأعضاء، كذلك ستدعم اقتصاداتها كافّة، كما ستزيد من القوّة التفاوضيّة التجاريّة مع باقي دول العالَم، إضافة إلى أنّها ستُسهم في القضاء على المخاطر المتعلّقة بأسعار صرف العملات الخليجيّة وحلّ مشكلات التجارة البيْنيّة وتعميق مفهوم السوق الواحدة.

*كاتب ومُحلِّل اقتصادي من لبنان

__________________

هذا التقرير في إطار التعاون بين وكالة “بث” ومؤسسة الفكر العربي