مدن مصرية في إسرائيل

news image

كتب - محمد وازن

 أبو كبير، كفر مصر، المنشية، هل تتخيل أن هذه الأسماء المصرية الأصيلة لمدن أجنبية، ليس هذا فقط فهذه المناطق موجودة فعليا في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية،  وأسس بعضها مصريون، ومنها ما لا يزال قائما باسمه حتى اللحظة، والآخر تم تهويده ومحو عروبته كغيره من الأحياء والمدن العربية داخل فلسطين، فما هي حكاية وأصل هذه المدن؟.

 كفر مصر 

اعترف المؤلف الإسرائيلي أرييه بيتان في كتابه "تحولات استيطانية في الجليل الأسفل 1800-1978"، في صفحة 53 ، من الكتاب المنشور عام 1982، بأن "كفر مصر" الواقعة  جنوب الناصرة، على بعد 13 كيلو مترا من مدينة "العفولة"، أسسها مصريون أرسلهم إبراهيم الابن الأكبر لوالي مصر محمد علي باشا وإليهم تعود تسميتها.

 يغلب على كفر مصر الطابع الزراعي، وتبلغ مساحتها 5199 فدانا، أي ما يعادل حوالي 16332 دونما، وبحسب موقع "فلسطين في الذاكرة" فقد بلغ عدد سكانها عام 1922 حوالي 253 نسمة، ومع إعلان تأسيس "إسرائيل" وصل عددهم إلى 213 نسمة، حتى وصل عام 2000 إلى 2800 شخصا، ولقيت المدينة المصرية الفلسطينية مصيرا مشابها لمعظم الأحياء، حيث هدمها الإسرائيليون وأقاموا بدلا منها مستوطنة "كفار كيش".

ظلت المدينة تحت السيطرة الفلسطينية حتى عام 1948، في نطاق محافظة بيسان الفلسطينية، ومع قيام إسرائيل ووفقا لقانون التقسيم، خضعت المدينة للسيطرة الإسرائيلية،  ووفقا لما جاء في أرشيف المكتبة القومية لجامعة تل أبيب، وتحديدا في المجلد الرابع من "دليل إسرائيل الجديد" في صفحة 138، فقد سكنها في البداية 37 جنديا يهوديا خدموا في الجيش البريطاني، وأقاموا غرفة طعام مشتركة للجميع، وظل طابع المستوطنة الناشئة اشتراكيا في المقام الأول، لكن بسبب الخلاف بين المقيمين ترك العديد من سكانه المستوطنة وتوجهوا إلى أماكن أخرى، ووصل عدد الأسر الساكنة هناك في عام 1953 إلى ما يقرب من 43 أسرة يهودية، وفي عام 2008 بلغت إلى 84 أسرة.

 

المنشية


يعترف المؤرخ الإسرائيلي، جدعون بيجر، في كتابه "تاريخ تل أبيب" المنشور في جامعة تل أبيب في عام 2001، بأن مدينة المنشية الموجودة في يافا، أسسها عمال مصريون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حينما أرسل إبراهيم نجل محمد علي باشا عددا من المصريين لفلسطين، وهو أحد أكبر أحياء يافا، يقع في شمالها،  ومن أشهر معالم المدينة مسجد حسن بك، ويعتبر هو الأثر الإسلامي العربي الوحيد المتبقي بالمدينة حتى يومنا هذا، على الرغم من تعرضه للعديد من محاولات الحرق والهدم والتخريب.

وفي عام 1891 تم تشييد محطة قطار يافا، التي تربط المدينة بالقدس، وبدايتها حي المنشية،  وبدأت محاولات التهويد مبكرا، حيث تم بناء حي "يافيه نوف" اليهودي غرب المنشية في عام  1897، وهكذا استمر تهويد حي المنشية "المصري" بأحياء ومستوطنات يهودية في خطط واضحة للاستيلاء على المدينة، ومن ضمن الأحياء التي أحيطت بالمنشية مستوطنات،  أحوزات بايت، نافي شالوم، نفي تسيديك، يافي نوف، وبذلك امتدت المستوطنات لتتسع فيما بعد وتنضم إلى ما يعرف الآن بتل أبيب.

ومع وجود الانتداب البريطاني على فلسطين زادت حدة المواجهات، حتى استولت منظمة "الأتسال" الإسرائيلية المسلحة على الحي عام 1948، وهدموا الحي، لأن المنشية كانت ميدانا خصبا للثورة العربية ضد الاحتلال الوليد لفلسطين، وبالفعل تم تهجير جميع سكانها العرب إلى غزة والأردن، وتم استقطاب الأسر اليهودية بعد تفريغ الحي من سكانه الأصليين.

وتعد المنشية - التي تربط يافا بتل أبيب - موقعا استراتيجيا، يصعب تركه دون صبغه بالصبغة الإسرائيلية، لذلك قررت الحكومات العبرية مبكرا تحويله إلى مكان يجمع أفخم الفنادق، ففي عام 1963، كان قرار حكومة إسرائيل بتحويلها إلى مركز تجاري، ومنتزهات، والمشاريع قائمة في هذا الحي حتى اليوم على قدم وساق، بحسب ما جاء في كتاب "مدينة بيضاء ومدينة سوداء" للإسرائيلي شارون روتبراد المنشور في تل أبيب عام 2005.

أبو كبير


تقع المدينة ذات الاسم المصري في يافا، وأسسها مصريون أوفدهم إبراهيم بن محمد علي باشا إلى فلسطين فأنشأوه في عام 1832، وظلت المدينة عربية يسكنها العديد من المصريين، حتى بدأت المصادمات قبل عام من "إعلان قيام إسرائيل"، أشهرها ما حدث في ديسمبر 1947، إذ مرت حافلة يهودية بها 4 عمال كانوا في طريقهم إلى تل أبيب مرورا بأبو كبير، فاعترضها سكان الحي وقتلوا من فيها، فكان رد عصابة الهجاناة سريعا، حيث فجروا منزلا، وتبعته عملية مشهورة تسمى "عملية داود"، قتل فيها 29 من السكان، بحسب ما أورده المؤلف مصطفي مراد الدباغ، في كتابه بلادنا فلسطين، المنشور في الديار اليافعة، دار الطليعة، بيروت1972.

وبحسب المصدر نفسه لم يختلف مصير أبو كبير عن مصير المنشية أو كفر مصر أو غيرها من الأحياء العربية، حيث واجهها التهويد المستمر المبكر، فحاولت إسرائيل وعصابات الهاجاناة إخفاء الطابع العربي للمدينة المصرية المنشأ، وسعى اليهود لمحو آثار مقابر طاسو، وبناء مكانها أبراج تجارية، حتى أصبح العرب 2% فقط من إجمالي السكان.

وتعد كنيسة القديس بطرس من أهم معالم أبو كبير، حيث بنيت في عام 1654، وتسمى كذلك بكنيسة القلعة، ومعها معهد أبو كبير للتشريح الذي أنشىء في يوليو 1955، وتم فيه تشريح جثة الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، كما أن مقبرة طاسو الإسلامية في مدينة يافا هي الوحيدة التي يدفن المسلمون موتاهم فيها، بينما تحاول إسرائيل تجريفها.

مُصْمُص

بحسب أرشيف موقع "أم الفحم" الفلسطيني، يعود أصل تسمية قرية مصمص الواقعة شمال منطقة المثلث، إلى الفرعون المصري، تحتمس الثاني، حيث غزا فلسطين ووصل جيشه إلى منطقة  اللَجُّونو، فسماها على الاسم نفسه.

التواجد البشري للقرية لم يكن كبيرا، حيث وصل عدد سكانها في عام 1940 إلى 360 نسمة فقط، وعدد سكانها في الفترة الحالية لم يتجاوز 5 آلاف نسمة، وتقع مصمص تحت الحكم الإسرائيلي الإداري، وتقاوم من فترة لأخرى المحاولات الاستفزازية للمستوطنين من المناطق المحيطة بها، ولا تزال تحتفظ بطابعها العربي الفلسطيني.