مزاعم إسرائيلية في القدس.. والحقيقة
إعداد - محمد وازن
تحاول إسرائيل بين الحين والآخر إثبات حقها التاريخي في أرض فلسطين، وتستغل أية مناسبة لتروج تلك الأفكار، وآخرها ما عرضته دولة الاحتلال في مقر الأمم المتحدة من مكتشفات أثرية تثبت تاريخ اليهود في القدس، والذي بحسب مزاعم هيئة الآثار الإسرائيلية وصل إلى 3 آلاف عام.
ومن تلك المكتشفات، ختم وزير المدينة في فترة تسمى "الهيكل الأول" وختم الملك حزقيا، وختم آخر دون عليه بالعبرية "نتنانياهو بن ياش"، وجميعها عرضت بالمعرض الذي شارك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في افتتاحه، بحضور سفراء ودبلوماسيين.
لكن هل بالفعل هناك أحقية تاريخية لليهود في أرض فلسطين، أم هنالك أدلة علمية وتاريخية تدحض تلك الرؤى والتفسيرات التاريخية اليهودية؟
استعراض إسرائيلي
قبل عرض الحقيقة التاريخية لأرض فلسطين، يجب الإشارة إلى تصريحات سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الذي قال: "الحقيقة التاريخية هي أفضل إجابة على القرارات المخزية ومحاولات تقويض الصلة الأبدية بين الشعب اليهودي وعاصمته، فأورشليم القدس هي قلب وروح الشعب اليهودي منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة وستبقى كذلك. حان الوقت لبلدان أخرى لاتخاذ القرار المصيب ونقل سفاراتها إلى أورشليم القدس"، بحسب ما نشرته صفحة السفارة الإسرائيلية في مصر.
هجرة العبرانيين الأوائل
تعرف أرض فلسطين الحالية بأنها أرض كنعان، وثبت تاريخيا أن العبرانيين الأوائل هاجروا إليها، رفقة النبي إبراهيم بناء على تعليمات الرب له في سفر التكوين الإصحاح 12، يبدأ السفر بضرورة ترك حاران البلدة التي عاش فيها أبرام "إبراهيم" حتى وصل إلى 75 عاما، والهجرة إلى أرض كنعان "فلسطين"، وتوضح الآيات (4-6) من الإصحاح 12 من سفر التكوين مسألة هجرة العبرانيين الأوائل – العبرانيين نسبة إلى الجد العاشر لابراهيم واسمه عابر "فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ..5 فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ، وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 6 وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ".
إذا بناء على النص السابق من سفر التكوين، كان الكنعانيون يقطنون أرضهم، وارتحل العبرانيون إليهم، لكن بسبب المجاعة التي حدثت في أرض كنعان، ما ارتحلت الجماعة العبرية إلى مصر وتركت أرض كنعان التي كانوا قد ارتحلوا إليها من حاران، كما جاء في التكوين 10:12 "10 وَحَدَثَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لأَنَّ الْجُوعَ فِي الأَرْضِ كَانَ شَدِيدًا".
الاستقرار في مصر والهجرة مجددا لكنعان!
يوضح الدكتور جمال الشاذلي أستاذ الأدب العبري أن العبرانيين حاولوا الاستقرار في مصر وبسبب المصادمات التي حدثت مع فرعون موسى، اضطر اليهود لترك مصر فيما عرف تاريخيا بقصة الخروج الشهيرة، والتي توجهت فيها الجماعة مجددا صوب أرض كنعان، ودخلها يوشع بن نون تلميذ موسى وخادمه، وقائد بني إسرائيل بعده، وقاد الجماعة للدخول لأرض كنعان "فلسطين"، مجددا وكانت أريحا الفلسطينية هي أول المدن التي غزاها بنو إسرائيل.
اختفاء ذكر اليهود من فلسطين القديمة
بعد استوطان اليهود لأرض فلسطين نجحوا في تكوين المملكة العبرانية الموحدة، لكنها انقسمت بعد ذلك إلى السامرة في الشمال ويهوذا في الجنوب، ومع تنامي المملكة البابلية على يد نبوخذ نصر كان بنو إسرائيل على موعد مع السبي البابلي عام 586 ق م، ويرى سيسيل روث في كتابه "الموسوعة اليهودية" أن السبي البابلي كان أول هجرة يهودية من فلسطين على نطاق واسع.
مع ضعف الإمبراطورية البابلية وظهور الإمبراطورية الفارسية، كان بنو إسرائيل على موعد مع كوروش الأول وسيطرته على أملاك بابل، ما سمح لليهود بالعودة إلى أرض فلسطين، لكن معظمهم اختار بابل، ومع ظهور الرومان ومحاولة اليهود الثورة ضدهم، كان آخر ذكر لليهود في فلسطين على موعد مع الدمار، فدمر الرومان الهيكل المقدس عام 70م، وتم سبي اليهود.
هذا ما جرى في العصور القديمة، ويرى المفكر الفرنسي روجيه جارودي في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" أن إسرائيل اعتمدت في تبرير احتلالها لفلسطين على نوعين من الأساطير؛ "دينية قديمة" كأسطورة شعب الله المختار أو أرض الميعاد، و"سياسية حديثة" كتلك المتعلقة بمعاداة السامية والهولوكوست.. إلخ.
وبيّن جارودي أن هجرات اليهود الحديثة إلى فلسطين كانت لأسباب سياسية ترجع لمعاناتهم في أوروبا، شارحا كيف نجح اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا في الترويج لمزاعم عديدة سبقت إنشاء دولة إسرائيل.
المستوطنون القدامى
شهد القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي بدء هجرة يهود أوروبا، وعاشوا في الأماكن المقدسة مثل طبرية وصفد والخليل، بسبب الاضطهاد من ملوك إسبانيا، لذا رغبوا في العيش بأماكن هادئة، وعرفوا هؤلاء باسم "المستوطنون القدامى"، بحسب ما أشار إليه الدكتور زين العابدين محمود أبو خضرة في كتابه "الكيبوتس بين المثالية والواقع في القصة العبرية عند أهارون ميجيد".
الصهيونية والهجرة
مع ظهور الحركة الصهيونية، بدأت الدعاوى تزداد لانشاء وطن قومي لليهود، فانقسم الصهاينة لفريقين لإقناع اليهود في العالم للهجرة لفلسطين، فريق ردد عبارة المعاداة لليهود "السامية"، وفريق ألبس الهجرة عباءة الدين، معتمدين في ذلك على فكرتي الخلا والعهد الواردتين في العهد القديم، وأن الخلاص لا يتحقق سوى في أرض الميعاد "فلسطين"، أما الفريق الأول ردد عبارة الاضطهاد لليهود، لذلك يجب الفصل بينهم وبين الشعوب الأخرى وإقامة وطن قومي لهم، فكان هذان هما العاملان الأساسيان للهجرة اليهوية الحديثة، بحسب تصريحات خاصة من الدكتور جمال الشاذلي لــ "إكسترا نيوز".
الهجرات اليهودية الخمس وظهور المستوطنات
63 عاما هو عمر الهجرات اليهودية الحديثة لفلسطين لترسيخ دعائم الاحتلال، والتي بدأت عام 1881 وانتهت في 1944م، وكلها كانت بدعم من الحركة الصهيونية الحديثة، وتحدث الدكتور زين العابدين أبو خضرة في كتابه "الأدب العبري الحديث" عن تلك الهجرات بالتفصيل، وبلغ عدد اليهود في الهجرة الأولى من 20- 30 ألف يهودي، قدموا من شرق أوروبا وروسيا، وعملوا بالزراعة، وتأسس ما يعرف بالمستوطنات الزراعية، فدشن اليهود أول مستوطناتهم المتكاملة بمفهوم البيئة الزراعية الحديثة، وأسسوا ريشون لتسيون، زخارون يعقوب، روش بنياه عام 1882، وسبق هذه المستوطنات أول مستوطنة يهودية صغيرة وهي "مكفيه يسرائيل" عام 1870، أي قبل الهجرة بـ11 عاما.
الهجرة الثانية 1904-1914
بلغ عدد المهاجرين اليهود القادم معظمهم من روسيا بين 35-40 ألف يهودي، وزاد العدد عن الهجرة الأولى بسبب زيادة المنظمات الصهيونية الداعية للهجرة، بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897. وظهر "الصندوق القومي اليهودي" ومهمته شراء الأراضي الفلسطينية وعدم بيعها مرة أخرى لأي سبب، وكان معظم مهاجري هذه الفترة مشبعين بالأفكار الاشتراكية، وأطلق عليهم لقب "حالوتسيم"، أي "طلائع"، وركزوا على بناء اليشوف والكيبوتس ليدعموا أسس الاستيطان اليهودي في فلسطين، ومع حلول عام 1914 وصل عدد اليهود في فلسطين إلى 85 ألف نسمة، ومساحة الأراضي المستولى عليها وصل إلى 120 ألف دونم، وعدد المستوطنات 43 مستوطنة.
الهجرة الثالثة 1919-1923
مع اندلاع الثورة البلشفية عام 1916 في روسيا، نتج عنها مصادمات بين اليهود والروس، ما دفع قرابة 35 ألف نسمة للهجرة، وترجع الدكتورة، اعتماد جمال، المعيدة في قسم اللغات الشرقية، جامعة القاهرة، السبب لذلك كون هذه الفترة هي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وقبل وعد بلفور بعام واحد، كما سمحت بريطانيا لليهود بنقل ملكية الأراضي العربية لهم لإقامة مزيد من المستوطنات، وتضيف بأن هذه الهجرة كانت السر في الطفرة الاستيطانية، إذ بنوا سككا حديدية، وشيدوا مدارس، ويتحدث الدكتور جمال الشاذلي في كتابه "الأدب العبري- مجموعة دراسات" عن أن هذه الفترة شهدت نشأة المنظمة اليهودية الصهيونية المتطرفة "بيتار" التي دربت المستوطنين على العمليات العسكرية، كما تأسست منظمة منظمة "هاجاناة" التي كانت النواة لتأسيس جيش الاحتلال الإسرائيلي.
الهجرة الرابعة 1924 -1931
بلغ عدد المهاجرين فيها 82 ألف، وكان معظمهم بولندا والعراق واليمن وتركيا، لكن بدأت مشاكل البطالة تظهر للعدد الكبير للمهاجرين، فعاد نحو 23 ألف يهودي للبلدان التي أتوا منها فيما عرف بالهجرة العسكرية، على حد تعبير الشاذلي.
الهجرة الأخيرة 1932- 1944
شملت نحو مائتي ألف يهودي، سميت بالهجرة الألمانية لأن معظم أفرادها من ألمانيا بسب اضطهاد النازية لليهود، ونجح اليهود في تلك الفترة في بناء 80 مستوطنة جديدة، وهو ما يؤكد وثاقة الصلة بين الهجرات وبين ما سبقها من خلافات اليهود مع حكومات أوروبا، مع إقحام الشق الديني لاكتساب الشرعية.