بروموهات على الطريقة العتيقة

news image

 

✒️    عبدالله العميره *  

مقدمة

في زمنٍ يحتاج فيه المشاهد إلى عمقٍ ووضوح، سيطرت بروموهاتٌ ( الإعلانات أو الدعايات  الترويجية )؛ تنفخ في الغبار العتيق وتُعيد تدوير الشعارات القديمة على الشاشات، أكثر من عدد البرامج نفسها. هذا السيل الجاف من الزخرفة الإعلامية يعكس ضعفًا لا يُستهان به في تقدير عقلية المتلقي.

 

سيل الشعارات المكرورة

نحطم الزجاج والجليد والأحجار: شعارٌ يُشبه صياحَ مُذيعٍ وسط صمتٍ رهيب.

نحلل ونحلحل كل الصعاب: كلامٌ يفتقر للتطبيق حين يصل القلم إلى ورقة البحث.

نكشف الستار حتى تتعرى الأجساد والعقول: وواقع الأمر أننا نُقدّم إضاءاتٍ خافتة على قضاياٍ تختزن في عمقها تحليلًا حقيقيًا.

هذه الشعارات «الاستعراضية» باتت تُستعاد من مخزن الثورات القديمة، ولم يرتق الإعلام لتوظيفها بذكاءٍ يُخدم المتابع.

 

بين الشعارات والتطبيق

الشعارات التقليدية: كلامٌ كبير في الافتتاحية، لا يقابله إلا انعطافٌ سريع نحو شفير التفاصيل.

التطبيق الفعلي: برامجٌ قصيرة في الوقت، مساحاتٌ مفقودة للخبراء الحقيقين، وضيوفٌ يكررون ما قيل ألف مرة.

المعادلة المفقودة:
الإعلام الجيّد يدرس عقلية المتابع ويقدّم له ما يشبعه: يثقفه، يريحه، يحفّزه. لا يُشعله على فراغٍ من الحوارات الضعيفة.

 

قسوة النقد: سهم لاذع

على من يظنُّ أن الإثارة في الصيحات العالية، أن يراجع نفسه:

المذيع الذكي لا يحتاج إلى بروموهات مغلفة بالتسطيح.

الإثارة الحقيقية تكمن في الطرح المدروس والمعالجة العميقة.

البرنامج القوي يبقى بعد انتهاء البرومو، بينما البروموهات الجوفاء تزول.

 

خاتمة

صحيحٌ أنّ البروموهات تُلهِم الوهج البصري، لكنّها إن غابت عنها مادة تستحق الرؤية، تصبح مجرد قشرةٍ فارغة.
الإعلام الجيّد هو الذي ينتقل من «فمَحورٍ صاخب» إلى «قلبٍ نابضٍ بالمضمون». لنقف على قلب المُهمة: إعادة بناء المهنية، وتحرير المتابع من إرث البروموهات العتيقة.

إنصاف المشاهد يبدأ بإنصاف العقلية الإعلامية.

 

إشارة 
عندما أرى شابًا أو فتاةً من المذيعين يحملون بذور الإبداع، يفيض قلبي سعادةً، ويجذبني الفضول للحديث معهم. من خبرتي، تنقسم المواهب إلى ثلاث فئات:

بناة الأفق: يثنون على أدائك بامتنان حقيقي، هم من يستحقّون الاستثمار، لأنهم سيصعدون إلى الأفضل.

السجناء في شكوكهم: يستمعون إليك محاطين بأسلاكٍ وهمية من الحذر، يخرج حديثك بلا أثر.

النُسّابون: ينهلون من عطائك ثم ينسونك، محكوم عليهم بالانهيار؛ وحتى إن ارتقوا، فهبوطهم سيكون مدويًا.

النصيحة الحاسمة: لا تضيع وقتك في استنصاح المغرور الذي يرى نفسه فوق النصيحة، ولا في المعتق القديم الذي لا يروق لفكره التجدد، ولا في من لا عهد له بالوفاء. كما يقول صديق:
“من يستحقّ الوصول، سيجدك دومًا؛ ومن لا يقدّر عطاءك سينساه وقد يسميه سقمًا!”
خذ بيد من يخطئ عن حسن نية، فأولئك وحدهم يستحقون التوجيه والتصحيح.

إشارة ختامية 

كما يذكّرنا خبيرٌ متمرس:
“الشعور الحقيقي بالمهنة يدفعنا نحو مستقبلٍ أفضل… ولكن ماذا إذا كان الزمن لا يحبّ النصيحة والتوجيه إلا من يشبهه ويشتهيه؟”

هذه المعضلة تُحتم علينا أن نبتكر أساليبٍ جديدةً لزرع بذور التجديد في نفوسٍ لا تسمع إلا صدى نفسها.

🔊 ربما تقول: “نحن أحرار نعرض ما نريد”..
وأقول:  القناة ملكُ الجمهور، لامكان لأجندات مأزومة، وخذ صراخك العتيق لبيتك ولا تعبث بعقول المشاهدين.

💡 نكشة

إذا اجتمعت «التناحة والبلادة والتفاهة» في شخصٍ منح مساحة وجودٍ في الإعلام، فلا بدّ من سببٍ خارج المنطق!

🔍 تفسير الجملة
عندما تلتقي هذه الصفات الثلاثة في شخصٍ حصل على مساحة على الشاشات—رغم أنها تنافي جدوى الإعلام—لا يمكن أن يكون الأمر مجرّد سوء اختيار مهنيّ، بل علامة على قوةٍ لا ترتبط بالكفاءة:

التناحة: التفاخر الصاخب… صوتٌ مرتفعٌ بلا مضمون.

البلادة: التخلف الذهنيّ أو بطء الفهم.

التفاهة: غياب العمق والقيمة.

ويُرجع ذلك إلى عواملٍ خارج المنطق المهنيّ:

الواسطة والمحسوبيات

اللوبيات والأجندات الخاصة

المصالح المالية أو السياسية

السؤال المحوري:

أي مصالحٍ خفيّةٍ دفعت بهذا الشخص إلى الواجهة رغم افتقاده لأي مبرّر موضوعيّ؟
أعرف الجواب جيداً، لكنني سأكتفي بتركه لتخميناتكم؛ فربما الكثير منكم يحمل مفتاحه. 
____________________________________________________________________________

متابعة خلال ساعات بعد الطرح لهذا الموضوع

تم تعديل طفيف،  هذه المؤشرات الدقيقة تكشف عن ثلاث سمات أساسية في قرار التغيير:

ضعف الثقة بالنفس القيادي: الكبرياء الملتوي يعوّض عن شعور بعدم الأهلية، إذ يخشى القائد أن تُنقصه الاستجابة مكانته.

الرؤية الضيقة: رفض النصيحة من أجل «الكرامة» يبيّن أن الإبداع وتلقي النقد لا يُعتبران قيمة، بل تهديدٌ لوهم السيطرة.

العناد والتحجّر: العودة إلى التناحة، التفاهة، والبلادة في الأسلوب دليل أن العقلية الإعلامية لم تتخلص بعد من إرثها الباهت.

🎯 الخلاصة العملية:

فرض «نصر شرفي»: تقديم التغيير على أنه ترقية للمنصة لا تنازل عن الاعتزاز.

التقديم بنقاط قوة قبل الضعف: لإقناع القائد بأن الإصلاح لا يطال شخصه بل يرفع مستوى المشروع.

إشراكه في صياغة الحلول: ليشعر بالسيطرة والمسؤولية بدل واجب مفروض.

إن نجحنا في تأطير النقد كـ«نصرٍ مشترك»، سنحظى بثقته ونتجاوز التناحة والتفاهة والبلادة إلى فضاء محتوى يرتقي بعقلية الإعلام والمشاهد معًا.

  *مدير وكالة بث