الطائفية بين تحولات الشرق الأوسط وخطوط التماس الخفية

✍️ إعداد: قسم الرصد والتحليل – بث
في خضم التحولات الإقليمية المتسارعة والتوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، بات من الضروري الغوص بعمق خلف ظواهر السلام والخصام، حيث تدرك العقول أن جذور الصراع غالبًا ما تكون فكرية قبل أن تتحول إلى نيران مواجهة مدمرة.
عبر التاريخ، لم تكن العداوات نتيجة خلافات آنية فقط، بل كانت تُغذى عبر استثمار في الانحراف الفكري، وتضخيم الفروقات الدينية أو القومية، لا لتعزيز الوئام، بل لتوسيع الشرخ، وتأبيد التوتر.
ظهرت جماعات ومعتقدات، بعضها رُبط بالإسلام أو العروبة، لكنها كانت — بحكم الجهل أو سوء النية — بمثابة منصات لزرع بذور العداء، وتحويل المعتقد إلى معول هدم بدلًا من أن يكون جسر بناء.
في هذا السياق، ومع تراجع دور جماعات متطرفة وانكشاف حقيقتها، عاد اسم "الدروز" إلى واجهة المشهد بقوة.
تزايد الحديث عن هذه الطائفة مع تصاعد الصراع في سوريا، وتعقيدات الوضع في الجولان المحتل، والدور الحساس الذي يلعبه الدروز داخل فلسطين المحتلة ولبنان.
تسلط الأحداث الأخيرة الضوء على الدروز بوصفهم مجتمعًا صغيرًا لكنه مؤثر، يقف على خطوط التماس الجغرافية والسياسية الدقيقة، ويثير اهتمام القوى الكبرى بسبب توازنهم المعقد بين الانتماء الوطني والحفاظ على الخصوصية الدينية والسياسية.
الدروز جماعة دينية ظهرت في القرن الحادي عشر الميلادي خلال عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القاهرة، ويتبعون مذهبًا خاصًا يُعرف بالتوحيد الدرزي، يتميز بسرية العقيدة واختلافه الجذري عن المفهوم التقليدي للإسلام.
وهكذا... تعود الأسئلة إلى الواجهة:
ما حقيقة الدور الذي يلعبه الدروز اليوم؟
ولماذا تجدهم بعض القوى الورقة الأخف والأثقل في آنٍ معًا على طاولة الشرق الأوسط المضطربة؟
🟢 النشأة والبداية:
ظهرت الدعوة الدرزية سنة 408هـ / 1017م في القاهرة.
المؤسس الروحي للمذهب هو حمزة بن علي بن أحمد.
حمل الدعوة شخص يُدعى محمد بن إسماعيل الدرزي، الذي نسبت الطائفة إليه اسميًا، رغم أن الدروز أنفسهم لا يفضلون هذا الاسم ويعتبرون الدرزي شخصية مشبوهة في تاريخهم.
🟢 العقيدة:
الدروز يعلنون عن أنفسهم بأنهم موحدين بالمعنى الفلسفي – الروحي.
ولكن لا يُفصحون عن معتقداتهم للعامة (سرية عقائدية).
لديهم كتب مقدسة خاصة بهم مثل رسائل الحكمة.
يؤمنون بتناسخ الأرواح.
🟢 الانتشار الجغرافي:
يعيش الدروز حاليًا بشكل رئيسي في:
لبنان (جبل الدروز – الشوف وعاليه).
سوريا (جبل العرب / السويداء).
فلسطين المحتلة (الداخل الفلسطيني والجولان المحتل).
توجد جاليات درزية صغيرة في الأردن، وأمريكا الجنوبية، وكندا.
عددهم التقريبي: حوالي 1 إلى 1.5 مليون نسمة في العالم.
🔵 علاقتهم بإسرائيل:
الدروز في الداخل الفلسطيني (أراضي 1948) أصبحوا مواطنين إسرائيليين.
فرضت إسرائيل عليهم الخدمة الإلزامية العسكرية (خلافًا لمعظم العرب).
إسرائيل تهتم بالدروز للأسباب التالية:
استقطابهم كجزء من الأقليات لمواجهة العرب الفلسطينيين.
لأنهم جماعة صغيرة ومنظمة، وتاريخيًا كانت لهم خصوصية في علاقاتهم مع أنظمة الحكم.
بعضهم شغل مناصب في جيش الاحتلال وأجهزة الدولة الإسرائيلية.
ومع ذلك، هناك دروز يعارضون إسرائيل بقوة خصوصًا في الجولان السوري المحتل، ويتمسكون بهويتهم العربية السورية.
🟢 ملاحظات إضافية:
الدروز مجتمع منغلق بشدة: لا يسمحون بالدخول إلى مذهبهم، ولا يقبلون التحول الديني إليه.
يحافظون على ولاءهم الوطني للدول التي يعيشون فيها (كما هو الحال في سوريا ولبنان).
لعبوا أدوارًا سياسية بارزة في لبنان (خاصة عبر زعامات مثل كمال جنبلاط ووليد جنبلاط).
🔵 إشارة فكرية أخيرة: حين يتشابه المسار ويختلف القالب
على مرّ العصور، ظهرت تيارات متعددة خرجت من رحم الفكرة الدينية الكبرى، لكنها اختطّت لنفسها دروبًا مغايرة لما جاء به الأصل الأصيل.
الدروز، نشأوا في ظل بيئة دينية إسلامية، لكنهم نسجوا مسارًا خاصًا عقائديًا وفلسفيًا، ينأى تدريجيًا عن الأصول التقليدية. وقد غلّفوا فكرهم بالسرية، مما جعلهم يعيشون على هامش العلاقة مع الإسلام التقليدي دون صدام مباشر دائم، مع احتفاظهم بهوية ثقافية ودينية مميزة.
وظهرت الصوفية في جانب آخر من المشهد الإسلامي، لم تُظهر ابتعادها عقائديًا عن الإسلام، وأظهرت انشغالها بالزهد والروحانية والتأمل الداخلي، مما أبعد النظر عن الانخراط المباشر في الحياة السياسية والاجتماعية.
أما الإخوان المسلمون في العصر الحديث، فقد رفعوا شعار العودة إلى الدين، لكنهم حوّلوا العمل الديني إلى مشروع سياسي، وتطور إلى مواجهات عبثية، مما أوقعهم في صدامات مع الدول والمجتمعات.
ثم جاء فرع آخر أشد تطرفًا مثل القاعدة وداعش، الذين أخذوا نصوصًا دينية وفسروها بتأويلات حادة متطرفة، فأسسوا عقيدة العنف والكراهية باسم الدين، مما شوه المفهوم الأساسي للرحمة والعدل في الإسلام.
🔹 الجذور واحدة... لكن الانحرافات متعددة:
في كل هذه الحالات، تبدأ القصة من استغلال الدين (أو جزء منه) لغايات خارج نصه وجوهره، سواء كانت غايات فلسفية، أو روحية معزولة، أو سياسية سلطوية، أو دموية متطرفة.
وتختلف الآليات:
بعضهم اختار الغموض والسرية والانعزال.
وبعضهم أعلن التزهد.
وبعضهم اختار التأطير السياسي.
وبعضهم اختار العنف الصريح.
🔹 لماذا يحدث هذا؟ لأن القاعدة البسيطة تقول:
كل فكرة عظيمة قابلة للاختطاف، حين يغيب الوعي وتنشط المصالح.
🔵 من ظلال الفوضى إلى نور الحقيقة
مرّ الإسلام في العصر الأخير بفترة يمكن تسميتها بـ"الفترة الظلالية"، حيث تكاثرت أصوات تدعي العلم، فخرج من رحم الجهل كثير من العقائد التي انحرفت بعيدًا عن جوهر الإسلام النقي.
كانت تلك مرحلة امتزجت فيها الأصوات... اختلط فيها صرير الجهل بهمسات الفهم المزيف، وتسللت ثعابين الأفكار السامة تحت قش الشعارات البراقة.
لكن الأرض لا تغفل طويلًا...
فعندما سالت مياه الظلال وفضحت نفسها، أبصرت العيون الحقيقة.
رأت المجتمعات وجه المتسلقين… وانكشفت جحور الضلال… وسقط قناع العابرين تحت رايات زائفة.
وهنا… جاء الزمن الحاسم:
زمن قادة صدقوا في رؤيتهم، فأشعلوا شعلة المواجهة:
أغلقوا النوافذ التي تسربت منها رياح الفتنة.
أحرقوا قش الشعارات الكاذبة.
وسدوا جحور الثعابين التي تآمرت على عقول الناس.
🌟 إن نور الحقيقة لا يُطفئه ظلام اللحظة،
والمجتمعات التي تعلّمت من ألمها، صارت اليوم أقوى في الدفاع عن دينها، وهويتها، وإنسانيتها.
هكذا ينتصر الوعي… دائمًا.
🔵 إشارة ختامية: من تفريغ الإسلام إلى اختطافه
في ختام هذا الطرح، يبرز سؤال عميق يستحق التوقف عنده:
نعلم أن قوى كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل صاغت عبر التاريخ استراتيجياتها العسكرية واللوجستية على قاعدة "الحرب بالوكالة"، حيث تُدار الحروب نيابةً عنهم بأيدي أطراف أخرى.
لكن… ألا يمكننا اليوم أن نقرأ مشهدًا آخر أكثر خطورة؟
ألا نلحظ أن إسرائيل، التي زُرعت في قلب المنطقة، لا تكتفي بالمواجهة المباشرة، بل تسعى إلى تضخيم العداء مع العالم الإسلامي — لا عبر الحروب النظامية فحسب، بل عبر الاستثمار الذكي في الجماعات المنحرفة فكريًا وعقائديًا عن الإسلام الصحيح؟
الاستثمار في الشيعة المتطرفين .
توظيف القاعديين والداعشيين وأشباههم.
رعاية التيارات المنحرفة مثل بعض فصائل قسد وغيرها.
كل هذا، لتكريس صورة مشوهة عن الإسلام، ونزع رسالته الأصلية:
دين السلام.
كان بإمكان إسرائيل أن تخبر الغرب، بدعم السلام مع المسلمين الذين يحملون رسالة رحمة، لكنها اختارت الاستثمار في الفوضى.
فهل تفريغ الإسلام من معناه، وتشويهه بالانحرافات الفكرية، هو الوجه الخفي لمعادلة الحرب الأبدية؟
🌟كلٌ يمني نفسه بأن يكون الخليفة… حتى لو كان العرش مبنيًا فوق ركام الخلاف!
🔵 ملاحظة مهمة: في هذا العرض حافظنا على الطرح التحليلي دون إصدار أحكام دينية أو سياسية، بما يناسب مستوى "التقرير التحليلي العميق" وفق فلسفة بث الإعلامية.