حمير تحمل الأسفار… وعقول تصنع الطريق

✍️ عبدالله العميره
في وادٍ مهجور، كانت الطبول تقرع بقوة، والصوت يرتد ولا يسمعه سوى أصوات الجن وهمس الجهل.
هكذا كانت قصة القومية العربية: ضجيجًا بلا مجدى، شعارات تلعق جرح الانكسار وتزين سور الهزيمة.
في صندوق ضيّق مظلم، مازالت بقايا "القومية" تختنق، وفيه يعشعش طائرا البوم والغراب، ضبح ونعيق، بصوت مقتول في وقت لا يسمع فيه أحد.
في السياسة، دول تسير إلى الأمام، وأخرى تقلع الطريق بأحجارها العتيقة، تطبخ فكرًا في غرف الاستفهام والشك.
يصنعون أحجارًا ليعطلوا المسيرة، لا لشيء سوى أن يقول كل منهم: "هأنذا".
حركة العالم العربي نحو الحضارة قائمة، لكنها لم تحصل على سرعة النهوض المطلوبة، بفعل أن بعض الدول لا تزال عالقة في الماضي، تنادي بالسلام والكرامة، وفي الخفاء تقبع في زوايا الاستسلام.
وفي الإعلام كذلك، تقدم، وجرٌّ للخلف، استثمار غير ذكي لـ"القومية" ورهان على أنصاف المتعلمين، كمثل حمار يحمل أسفارًا لا يعرف ما فيها.
الحمار يدل على الطريق، ولكنه يجهل البداية والنهاية.
هذه مشكلة العرب: تصدُّر من لا يدري، ومزاحمة من يعلم كيف يصنع للنهاية أفقًا لصالح العرب والعالم.
من يقرأ الطريق، هو من يصنع النهاية، وليس من يسمع فقط صدى الطبول.
📦 خارج الصندوق !
حين التقيت فكرة "فرِّق تسُد" وجهًا لوجه
قبل أعوام، سافرت إلى تركيا بدعوة رسمية عبر صحيفة الرياض، من قِبل شركة إعلامية وسياحية.
في لقاءاتنا هناك، لم أفاجأ بوجود ثلاثة صحفيين (شابين وفتاة) من إسرائيل، إلى جانب صحفيين عرب يمثلون دولهم.
قضينا بضعة أيام معًا.
كنت أعرف جيدًا منهج وطريقة تفكير الصحفيين العرب.
أما الصحفيون الإسرائيليون، فقد اقتربت منهم بقصد فهم أعمق لكيفية تفكيرهم.
مع مرور الوقت، توطدت العلاقة الصحفية بيني وبين أحدهم.
ولا أنسى سؤالًا وجهته له ذات يوم:
هل تستفيد إسرائيل من الخلافات العربية؟
ابتسم، وهز رأسه بالإيجاب قائلاً ببساطة:
"بصراحة... نعم، ونتمنى استمرار الخلافات العربية!"
مرت السنوات، ونضجت الذاكرة، وتأملت حديثه القديم.
اكتشفت أن إسرائيل تفكر بطريقة شبيهة بطريقة بعض العرب —
مع اختلاف الجهة، إلا أن المعادلة واحدة:
عند الإسرائيلي: "فرِّق تسُد".
وعند بعض بقايا الفكر القومي والتقدمي: "فرِّق تسُد" أيضًا!
الإسرائيلي يؤمن بأن استقراره مرهون باختلاف العرب،
وبعض العرب يؤمنون بأن زعامتهم لا تُثبت إلا بتفرّق العرب!
أما الحقيقة اليوم:
فهي أن أولئك وهؤلاء يسيرون في طريق متهالك، بسياسة مهزومة لا محالة.
الصحيح أن:
القيادة والوحدة الحقيقية لا تُصنع بالشعارات، بل تُفرض بعقلية متفتحة، تتطلع إلى سلامٍ واستقرارٍ حقيقي، عبر تغيير العقول... فتتغير معها المناهج.