من علّم من؟

news image

✍️  عبدالله العميره

 

في زوايا بعض المجالس، وعلى أطراف نقاشات سريعة، يُلقي البعض كلماتهم كما يُلقي الغبار في وجه النسيم.
"نحن من علّمناكم..."
"نحن من بنيناكم..."
"نحن من بدأ… وأنتم من تبِع."
عبارات تُقال بلا دليل، وتُردّد بلا روح… وكأنها تبحث عن اعتراف لم يُطلب، أو فضلٍ لم يُثبت.

لكن السؤال الأصدق الذي لا يُقال غالبًا:

وماذا فعل من "علّم"… بعد أن "علّم"؟

📌 العبرة ليست في من بدأ… بل في من استمر وأتقن

في تاريخ الأمم، لا يُقاس المجد بالبداية، بل بالقدرة على الفهم، والتطوير، والبناء المستدام.

فكم من دولة امتلكت النهر والتاريخ البائد، لكنها غفلت عن بناء المستقبل.
وكم من أمة رفعت راية "الماضي المجيد"، لكنها تركت الحاضر للصدفة، والمستقبل للريح.

وأمة لاتتحدث عن الماضي ، لا لأنه غير موجود، بل للثقة في أنه راسخ عتيد ضارب في أعماق قلب الأصل العربي، وعمق التاريخ البشري.

 السعودية… ليست حكاية نفط بل فلسفة تاريخ وبناء

كثيرون قالوا: "لولا النفط، لما كنتم شيئًا."
وهذا قول يسهل الرد عليه:

النفط كان متاحًا لغيرنا… فماذا فعلوا به؟
العراق، ليبيا، الجزائر، السودان… كلها دول تملك ثروات، لكنها افتقرت إلى عقول تُدير، لا أفواه تُنظّر.

الفرق لم يكن في الإمكانات، بل في العقل الجمعي، والإرادة السياسية، والمنهجية السعودية التي تقول منذ الملك عبدالعزيز:

"نبدأ من حيث انتهى الآخرون… لا من حيث توقفنا نحن."

الملك عبدالعزيز اختار مستشارين من العرب ليؤسس وحدة عربية ، يقدموا ما لديهم ويتعلموا  من الفكر السعودي الجديد.، مع أنه  متاح أمامه الإستعانة بخبراء أجانب.
وسار على طريقه  ملوك المملكة .. ورحب بالأشقاء شعب يثق في قيادته، ومحب لأشقائه. .

🌍 من علّم السعودية؟

ربما نسوا أن السعودية لم تعارض التعلم من الآخرين، لكنها قررت منذ التأسيس أن لا تستنسخ أحدًا… بل تستفيد، وتُضيف، وتُطوّر.
لم تُغلق بابًا في وجه أي خبير مخلص،
لكنها لم تسمح أن يُملى عليها طريقها باسم المساعدة.

المؤسس، الملك عبدالعزيز، قالها بوضوح:

"نأخذ من خبراتهم، نُطوّرها، ونُضيف لهم من عندنا."

🧩 حين يتحول النقد إلى مرآة تعكس قائلها

الذين يكررون عبارات:
"نحن من علمكم، نحن من بنيناكم…"
هم في الحقيقة لا يُهينون غيرهم… بل يكشفون ألمًا داخليًا، لا يُقال صراحة: لماذا تراجعنا بينما تقدم غيرنا؟

ولذا، فإن أذكى رد على مثل هذه العبارات ليس الصراخ، بل التذكير الهادئ:

"لو كان فيكم خير… لبنيتم بلادكم أولًا."

🔹 ليست مفاخرة… بل توضيح ناعم

المقال هذا لا يُكتب للمفاخرة، ولا لرد الشتائم، بل لتذكير من نسي:
أن من يُهاجمك لأنه يرى تقدمك… ليس عدوًا بالضرورة، بل مرآة تعكس كم أنت أثرت في وعيه.

 

خاتمة رمزية:

في عالم اليوم، لا يُقاس العطاء بمن بدأ… بل بمن خطط منذ البداية و استمر.
ولهذا أنصح الأخوة والأصدقاء من العرب وغيرهم:

قبل أن تتكلموا عن الآخرين… ابحثوا أولًا في التاريخ، وفي حاضر أنفسكم،
حتى لا تُفضَح الكلمات… بما لم يُقصَد منها.

وما يُدهشني في بعض النقاشات، أن أسمع أحدهم يقول:

!"أدري أني لست على حق… بس أنا على حق."

تلك ليست حجة… بل حالة عقلية تستحق الشفقة لا الجدال.
فمن لم يعد يفرّق بين الوهم والحق، فقد اختار أن يعيش في ظل الغبار، ظنًّا منه أنه الغيم. 

هذا المقال لم يُكتب ردًّا، ولا هجومًا،
بل كُتب لتحريك "اللاوعي"،
لعلّه يُوقظ شيئًا من الوعي الغائب…
لا من أجل الجدل، بل من أجل أولئك الذين لا يزال فيهم متّسعٌ للحقيقة. 

🟦 على الجميع أن يسعد… فهذه البلاد ليست مجرد وطن، بل موئلكم ومهدكم،
بلاد العرب، ومنطلق الإشعاع والخير للإنسانية جمعاء،
وأرضٌ خُتمت فيها الرسالات، وابتدأ منها طريق النور، وتنطلق منها حضارة جديدة يفتخر بها الجميع.