حين تنام العقول في زمن الخرافة… ويظن الغبار أنه الغيم

news image

✍️  عبدالله العميره

 
🔵  مقال رمزي استشرافي خاص

 

هناك لحظات فارقة في التاريخ، لا تُقاس بالأحداث… بل بما غفلت عنه العقول أثناء وقوعها.
تغفو الحضارات أحيانًا، لا لأن أعداءها أقوياء، بل لأن الغبار ينجح في التنكر كغيم… والجهل يرتدي عباءة الحكمة، ويتكلم بثقة من فوق المنابر.

 

🔹 حين تترسّخ الخرافة على هيئة سياسة

في بعض بقاع هذا الكوكب، تُدار الملفات الكبرى بفتاوى النار والرماد، ويُعاد تدوير الأساطير كخطط إستراتيجية، وتُزيَّف موازين القوى عبر إعلامٍ لا يضخ الحقيقة… بل يستثمر في الوهم، ويُغذّي الخوف ليصنع "هيبة" لا أصل لها.

في هذا المشهد، لا يهم كم تملك من القنابل، بل كم نجحت في إقناع العالم أن وراء كل دخان… نار عظيمة.
بينما الحقيقة؟ كثير من الدخان ليس إلا عُشبة محترقة… أو وهمًا يُنفخ فيه ليُرعب العابرين.

 

🔸 المعضلة ليست في الخرافة… بل في من يصمت عنها

الخرافة لا تكبر لأنها عظيمة، بل لأنها تُترك حتى تتكلّس.
وليس أشد خطرًا على وعي البشرية من نظام يتنفس التاريخ بوهم، ويُقنع العالم أن شبح الماضي هو الدولة الحديثة.

بل الأخطر حين تنظر إليه حضارات عصرية، فتتردد:
– هل نواجه؟
– أم نساير؟
– أم ننتظر أن يسقط من تلقاء نفسه؟

وهنا تبدأ أخطر لعبة عرفها التاريخ الحديث: الصمت المحسوب، والاحتيال المتبادل.

 

🔹 الخرافة لا تحترم الفراغ… بل تحتله

كل منطقة تركها العقل، احتلتها الأسطورة.
وكل فراغ في القرار، ملأته الوقيعة والخطاب المزدوج، والمرجعيات المنفصمة.

في عالم اليوم، بعض الأنظمة لا تسعى لحل القضايا، بل لتمديد الأزمة… حتى تصبح الأزمة هي الحل.
يرفعون رايات القيم… ويُفجّرون مداخلها.
يتحدّثون عن الإنسانية… ويديرون الجوع ببرودة.
يتبجّحون بالتاريخ… وهم لا يملكون غير مقابر الجماجم.

 

🔸 ومن العرب من نام… أو ناموا له

لنكن واقعيين… كثير من الدول العربية تعاني ضعف الإرادة أو فوضى الأولويات.
ليست المشكلة في تنوّع الرؤى… بل في غياب الرؤية الجامعة، والرغبة المشتركة في تشكيل مشروع نهضوي واعٍ.

بعض الأنظمة العربية تُشبه قاربًا في بحر متلاطم، لا يعرف إلى أين، لكنه يخاف أن يُغضب أحد الأمواج.

ولكن في الجهة الأخرى… هناك من يفهم، ويبني، ويرى أن الزمن لا ينتظر المترددين.

 

🌟 السعودية… حين يكون الصمت حكمة، والموقف صلابة

من يقرأ عقل السعودية بإنصاف، يُدرك أنها لا تُجيد الصراخ، بل تُتقن إدارة الصبر بحزم، والحزم بهدوء.

فهمت أمريكا ذلك… حين رأت أن الحليف الموثوق ليس من يملأ الشاشات، بل من يملأ الفجوات.
وستفهم الدول الأخرى، يومًا، أن من لا يضع حساباته على أرض السعودية، سيُفاجأ بأن اللعبة قد أُغلقت… بينما هو ما زال ينتظر التعليمات.

 

📌 خلاصة استشرافية:

الخرافة لا تسقط بالقوة… بل حين تُسحب من تحتها هيبة الوهم.

العقول لا تُحارب بالنار فقط… بل بالمعرفة، واليقظة، وبناء البديل الحقيقي.

وفي زمن الغبار، لا بد من دولة تُشبه الغيم… تمطر وعيًا، لا ضجيجًا.

كما قال جان جاك روسو:

"بعد مئتي سنة ستفهمونني… إن لم تفهموني اليوم."

أما أنا فأقول:

إذا تأخرت الحضارات عن فهم ما يوشك أن يحدث… فسيكتبه من فهِم مبكرًا.