في موسم درامي اختلط فيه الجيّد بالمُبتذل، وقف مسلسل "يوميات رجل عانس" شامخًا كعملٍ سعودي أصيل، يُضحك بذكاء، ويُحلل بعمق، ويُصلح دون صراخ.
ليس مجرد مسلسل، بل مرآة ساخرة لمجتمع ناضج، عابر لكل قوالب الدراما الاستهلاكية، ومبشّر بمستقبل فني سعودي يُنافس عالميًا دون أن يُشبه أحدًا.
بماذا تفرّد العمل؟
الجرأة الذكية في العنوان والمحتوى: إعادة تعريف "العنوسة" من منظور الرجل، لا كسخرية، بل كمدخل نقدي واجتماعي ذكي يعكس تبدّل المفاهيم في المجتمع الحديث.
توازن فريد بين الكوميديا والتأمل: كل حلقة ليست فقط ضحكًا… بل دردشة مجتمعية مع النفس، عن الزواج، الفروقات بين الأجيال، القناعات الاجتماعية، والتوقعات العاطفية.
غياب الإسفاف وحضور الأصالة: لم يعتمد المسلسل على الغرائز أو القصص الرومانسية التافهة، بل قدّم سخرية راقية من واقع جادّ، بأسلوب يتطلب ذكاءً لتضحك، ووعيًا لتفهم.
التمثيل والنص والإخراج… كأنهم عاشوا القصة فعلاً: ثلاثي البطولة: إبراهيم الحجاج، فاطمة الشريف، وسعيد صالح، جعلونا ننسى أنهم يمثلون. والمخرج… ليس من جاء ليُسقط علينا قصة لا تُشبهنا، بل أعاد رسم ملامحنا بمرآة حقيقية… دون تجميل زائف، ولا تشويه ظالم.
وعي وتوعية لا غريزة وتشويه
هذا العمل لم يُكتَب ليراه الغرب ويقول: "انظروا كم هم غريبون!" بل كُتب ليقول: "نحن هنا، مجتمع حي، نخطئ ونضحك ونتطور… لكننا نحترم ذواتنا."
هو عمل يرتقي بالوعي لا يعبث به، ويعالج السلبيات من الداخل، لا عبر إسقاطات مستوردة أو خطاب درامي مشوّه.
ما الذي نريده بعد هذا النجاح؟
جزء ثانٍ وثالث، لكن بشرط: أن لا يُستسهل النجاح، بل يُعاد تجديد الفكرة، بنفس العمق والذكاء، دون الانزلاق إلى استهلاك الفكرة الأصلية.
استثمار العمل لصناعة محتوى توعوي – مدرسي، جامعي، مجتمعي (أمثلة من الحلقات تُستخدم في الندوات، كورش تثقيف مجتمعي)
تحويل تجربة المسلسل إلى حملة وطنية: "الزواج مسؤولية… مش عرض أزياء"
🎙️ لماذا أحببت "يوميات رجل عانس"؟
لثلاثة أسباب لا يلتقي فيها الترفيه بالوعي كثيرًا:
ذكاء السيناريو والحوار والأداء كل جملة كُتبت بميزان، وكل أداء صيغ بصدق… فلا ابتذال، ولا فوضى.
إخراج عصري يُشبهنا لم يأتِ مخرج ليرسم أجندته ويضع بصمته التي لاتشبهنا،. مخرج “يوميات رجل عانس” صنع منّا مرآة لنا… بإيقاع حديث دون تزييف.
رسالة تدخل القلب… لتستقر في العقل الكوميديا هنا ليست للضحك فقط، بل لتصحيح السلوك وتكبير مساحة الفهم… ببساطة، هذا عملٌ يعيش بعد عرضه.
🎭 ومضة ختامية:
"يوميات رجل عانس" ليس فقط قصة رجل يبحث عن زوجة… بل قصة مجتمع يبحث عن اتزان، وعن حُب لا يفسده التوقع… وعن وعيٍ لا تسرقه الدراما الهابطة.