صانع المعرفة… وسارق الفكرة

✍️ عبدالله العميره
ثمة فرق دقيق لكنه جوهري…
بين من يُنتج فكرة من رحم العقل والتأمل والوعي،
وبين من يسرقها كما تُسرق القِطَع اللامعة من متجر لا حارس له.
صانع المعرفة لا يُنظّر فقط… بل يُخطّط، ويجعل من الفكرة مشروعًا، ومن المشروع واقعًا.
أما سارق الفكرة، فهو من يلتقطها دون فهم، يلوّنها دون روح، ثم يعرضها كإنجاز لا يدرك بنيته.
الفكرة، حين تُنقل دون عقل منتج، تُصاب بالتشوه…
لأنها مثل آلة بلا دليل تشغيل، أو كائن حي في بيئة لا تملكه.
في عالم الأفراد والدول… من يصنع؟ ومن يستعير؟
هناك مجتمعات تتوهّم أنها مبتكرة، لكنها في الحقيقة مجرّد مستهلكة لأفكار الآخرين، تُقلّد دون إتقان، وتتبنّى دون تفهّم، وتفشل عند أول محاولة تنفيذ.
ما يفضح هذا الخلل؟
عدم القدرة على التطبيق.
فصانع الفكرة وحده يعرف تضاريسها، يعرف متى تتسع، ومتى تنكمش، ومتى تنقلب على صانعها.
الحل؟ ليس في الحراسة… بل في التكامل
الحل ليس أن نخفي الفكرة…
بل أن نبني جسرًا واعيًا بين من يُنتجها ومن يُنفّذها.
أن نُقرّ بحقيقة:
الفكر لا يصنع شيئًا وحده… والتنفيذ دون فكر، لا يصنع إلا الفوضى.
السعودية… نموذج صانع ومُنفّذ
المملكة العربية السعودية لا تشتري الأفكار من الخارج، بل تصنعها:
تمتلك العقول.
تملك القرار.
وتملك رأس المال.
وهي اليوم تُعيد صياغة مفهوم “الثروة” لا بوصفها مالًا… بل قدرة عقلية وإدارية تُحوّل الريال الأول إلى استدامة، لا تبديد.
الثراء لا يصنع عقلًا… بل العقل هو من يصنع الثراء
ذات مرة، قال أحدهم:
“أعطني مليون دولار وسأصنع فكرة.”
لكن الردّ الحكيم كان:
“العقل هو الفكرة… وهو الذي يصنع المليون، ويحفظ القرش الأول ليُثمر.”
تلك هي الفلسفة الحقيقية…
بين من يحلم ويهدر، وبين من يفكّر فيثمر.
🛑 الوعي الزائف… أول طريق الانكشاف
كم من شخص حصل على المال قبل أن يُنتج فكرة…
فضاعت أمواله، وتكشّفت هشاشته.
مثل رجل ظنّ أن المال هو السعادة، ثم أنفقه على علاج مرض بسيط… ولم يستمتع لا بالمال ولا بالحياة.
هكذا تتصرف العقول غير المنتجة.
تستهلك الفرصة… ولا تصنع منها أثرًا.
العقل المنتج… لا ينضب
سألني صديق ذات مرة:
"أفكارك في بث عظيمة… ألا تخشى أن تُسرق؟"
قلت:
"بل أتمنى أن تُقتبس… فما أملكه ليس فقط أفكارًا، بل عقلًا منتجًا لا يتوقف عن العطاء."
أنا لا أؤمن بنضوب المعرفة، بل أؤمن أن العقل الإبداعي يشبه البئر الصافية الغزيرة، كلما سُحب منها… ازدادت صفاءً وغزارة.
الإبداع لا يتوقف… لكنه لا يكتمل إلا بالتكامل
العبقرية ليست أن تملك فكرة فقط، بل أن تعرف من تُشركه في تنفيذها.
ولذلك… لا بد من التكامل بين:
العقول الإبداعية
والعقول التنفيذية
والعقول التنظيمية
والعقول الاقتصادية
كل عقلٍ يُكمّل الآخر…
لكن العقل الإبداعي هو من يُشعل الفكرة… ويضيء الطريق.
🖋️ توقيع رمزي: صانع المعرفة لا يخشى من يستعير… بل من يُشوّه.