الإعلام المرئي… بين التهمة والضرورة

news image

 

✍️عبدالله العميره

في عالمٍ تتداخل فيه الصورة بالكلمة، والصوت بالتأثير، تتعدد الآراء حول الإعلام المرئي، لا سيما التلفزيوني منه.
بعضها يجلّه بوصفه ضرورة، وبعضها يراه سلاحًا مزدوج الحدّ، فيما آخرون لا يرونه إلا انعكاسًا للضجيج لا للوعي.

نضع الآراء المتضادة جنبًا إلى جنب، لا لنفاضل بينها… بل لنكشف من خلالها عن بنية الإعلام كما تُفهم لا كما يُسوّق لها.

 

 أولًا: الأصوات الناقدة – نقد له وجاهته

 1. "صوت من لا صوت له"

من أجمل الشعارات وأكثرها تضليلًا في بعض الأحيان.
ففي حين يُفترض بالإعلام أن يُعطي منبرًا للمهمّشين، كثيرًا ما يكون الصوت الحقيقي لمن يملك التمويل أو النفوذ، لا من يملك الهمّ أو الحقيقة.

 2. "تضخيم البسيط، وتبسيط الضخم"

أحد أبرز أمراض الإعلام المرئي: الإثارة تغلب الجوهر.
ما هو تافه يُضخّم ليصير "قضية رأي عام"، بينما تُبسّط قضايا كبرى حتى تفقد أهميتها، إرضاءً للزمن السريع والإيقاع الفضولي.

 3. "يُقدَّم وفق التوجيهات والتوجهات"

هذا ليس رأيًا بل واقع.
فالتحرير الإعلامي في غالب القنوات مقيد بخيط سياسي/اقتصادي مرئي أو خفي، يُملي ما يُقال، ومتى يُقال، وأحيانًا حتى كيف يُقال.

 4. "العالم أبسط مما يُثيره الإعلام"

تقدير فلسفي يستحق التأمل.
فالواقع أكثر بساطة من صورته الإعلامية.
لكن هذه "البساطة" لا تبيع… لذا يُعاد إنتاج الواقع بألوان أكثر حدة مما يحتمل، حتى يصبح صالحًا للبث.

 5. "لا تقدم إلا المصائب… لا تصنع سلامًا"

السلبية تُباع أكثر.
هذا ما تُثبته الأبحاث السلوكية التي تؤكد أن الدماء، الكوارث، والتوتر تجذب العين أكثر من مشاهد البناء والفرح.
لكن في ذلك اختلالٌ لمعادلة الوظيفة الإنسانية للإعلام.

📌 استنتاج:
هذه الأصوات ليست معادية بقدر ما هي ناقمة من خيانة الأمانة الإعلامية.
نقدها لاذع لكنه يستحق أن يُقرأ كمرآة لتصحيح المسار، لا كمجرد خصومة عابرة.

 

 ثانيًا: الأصوات المؤيدة – ثناء وظيفي حقيقي

 1. تُعرّفنا وتربطنا بالعالم

دور لا يُستهان به. الإعلام هو النافذة التي نطل منها على الكون، وهو من يضع الحدث في وعينا، سواء أعجبنا أو أقلقنا.

 2. تشرح الغامض

الإعلام الجيد يُترجم الحدث، لا يكتفي بسرده.
وهنا تبرز قيمة الإعلام التفسيري، الذي لا يركض خلف العنوان فقط، بل يدخل عمق الفكرة ويشرحها بلغة مفهومة.

 3. تُوجّه

الإعلام موجّه وموجِّه في آنٍ معًا.
لكن الفارق بين "الإعلام التنويري" و"الإعلام التحريضي" هو الوعي التحريري، لا فقط النية.

 4. تُثقّف

حينما تُدار البرامج والحوارات بعقل ناضج، يصبح الإعلام جامعة يومية مجانية.
تتداخل فيها المعارف، وتُصاغ فيها القناعات.

 5. تكشف الأجندات

في زمن الإعلام المفتوح، لا يعود التوجيه أحاديًا.
فالقنوات تنكشف، وخطابها يفضح توجهاتها، مما يتيح للمشاهد أن يُحصّن نفسه بدل أن يُخدع.

📌 استنتاج:
هذه الأصوات تعبّر عن جمهور "منتبه"، ليس ساذجًا ولا مخدوعًا.
يعرف جيدًا متى يتابع، ومتى يغلق، ومتى يتأمل ما لم يُقال.

 

🎭 ثالثًا: البُعد الرمزي في أداء المذيعين والمذيعات

 1. تكشف ضحالة البعض

المذيع/المذيعة هو مرآة المؤسسة.
وحين يكون الأداء هشًا، أو المعلومة ضعيفة، يتكشّف فراغ بنيوي في إعداد الكادر.

 2. جمال وأناقة المذيعات

مشهد حاضر بقوة، لكن المبالغة فيه تحوّل "الإعلامية" من صوت عقل إلى مجرد صورة مرئية.
والمشكلة ليست في الجمال… بل في احتلال الشكل لمكانة الفكرة.

 3. تكشف مستوى الإعلام العربي

وهنا نُصاب أحيانًا بالحزن:
مستوى بعض المقدمين/المقدمات لا يعكس طموح جمهور عربي مثقّف.
بينما تظهر ومضات نادرة تلمع كنجوم، لكن دون منظومة داعمة تضمن الاستمرارية.

 4. تُعرّفنا بثقافات محلية

اللكنات، الأداء، اللغة الجسدية… كلها أدوات تعكس اختلاف الذوق، والثقافة، وحتى المدرسة الإعلامية لكل بلد.
وهنا تتجلّى الهوية الإعلامية لكل مجتمع.

 5. تكشف للمسؤولين الحاجة للتطوير

كل ظهور ضعيف على الشاشة هو "نداء إصلاح غير مباشر".
وكل عبث بالمهنة هو شهادة تحتاج تدخلًا عاجلًا من صانعي القرار، والمؤسسات الأكاديمية، وصوت الجمهور.

 

✍️ تحليل 

الإعلام المرئي لم يعُد وسيلة فقط…
بل هو اختبار حضاري متواصل.
اختبار لمن يُديره، ولمن يُقدّمه، ولمن يُشاهده.

اليوم، لا يكفي أن تقول… بل يجب أن تُفكّر قبل أن تُقال.
ولا يكفي أن تظهر… بل يجب أن تُقنع بما تقول.

📺 الإعلام الحديث هو ساحة عقل لا شاشة فقط.
ومن لم يمتلك "رؤية تحريرية"، فليتراجع خطوة… فالمكان لم يعُد يتّسع للهواة.

 

🖋️ ختام :

  المذيع الحقيقي ليس من يُجيد القراءة… بل من يعرف متى يسكت، متى يسأل، ومتى يقول ما يُغيّر.

📺 تعليق الصورة:

بين وهج الإغراء… وصفاء الرسالة.
شاشتان… أحداهما تُغريك باللهب، والأخرى تُنيرك بالهدوء.
الإعلام ليس فقط من يظهر… بل ما يزرعه في داخلك بعد أن يختفي.