الهذرلوجي .. وأبو حنيفة

news image

 

 

كتب – عبدالله العميره

 

الهذرلوجي

مصطلح مشتق من الهذر، وهو الكلام الكثير الذي قد يكون بلا فائدة أو غير مترابط.

سبق أن كتبت حول ذلك..

قد يكون المقصود به شخصًا يكثر من الكلام بلا طائل، أو مجرد وصف لمن يتحدث بكثرة دون فائدة واضحة.

أحيانًا يستخدم في السياقات الأدبية أو النقدية لوصف الكتابة غير المحكمة أو الأفكار المبعثرة.

أبو حنيفة

الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (699-767م) هو أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ومؤسس المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي.

اشتهر بفقهه العميق، ومنهجه في الرأي والقياس، واعتماده على العقل في الاستنباط الفقهي.

له تأثير واسع في الفقه الإسلامي.

"الآن يمد أبو حنيفة رجله"

عبارة "الآن يمد أبو حنيفة رجله" تُنسب إلى الإمام أبو حنيفة النعمان، وهي تحمل قصة ذات دلالة على حكمته وصبره في التعامل مع الناس.

القصة باختصار:

كان الإمام أبو حنيفة جالسًا في مجلسه يُدرّس طلابه، وكان قد مدّ رجله بسبب ألم في قدميه. أثناء ذلك، دخل عليهم رجل يبدو عليه الوقار والهيبة، فجلس أبو حنيفة معتدلًا احترامًا له، وضمّ رجله.

بعد فترة، بدأ هذا الرجل بطرح أسئلة غريبة أو غير منطقية تدل على قلة فهمه للفقه، مثل سؤاله:

"متى يفطر الصائم؟ عند غروب الشمس أم عند شروقها؟"

عندها، أدرك أبو حنيفة أن هذا الرجل ليس على قدر كبير من العلم كما بدا في مظهره، فقال جملته الشهيرة:

"الآن يمد أبو حنيفة رجله!"

المغزى من القصة:

لا ينبغي الحكم على الناس من مظهرهم فقط، فقد يكون الشخص حسن الملبس والمظهر ولكنه قليل العلم.

أهمية الصبر في مجالس العلم، لكن أحيانًا يُدرك العالم أن بعض الأسئلة لا تستحق الجهد الزائد.

تستخدم العبارة اليوم بشكل ساخر أو فكاهي عندما يكون الشخص مضطرًا للتحمل والصبر على موقف صعب، ثم يكتشف أنه لم يكن هناك داعٍ لهذا العناء.

مثال حديث:

إذا كنت في اجتماع رسمي وتوقعت نقاشًا جادًا، ثم بدأ أحدهم يتكلم بكلام سطحي أو غير منطقي، يمكنك أن تقول مازحًا:

"الآن يمد أبو حنيفة رجله!" 

الهذرلوجيون في الإعلام والمجتمع

بعض القنوات الفضائية لا تزال تستضيف مثل ذلك الرجل المهندم:

هندام متوّج بالعقال والغترة الناصعة، والنظارة، وأحيانًا الكحل!

كامل "الكشخة"، كامل الأناقة والمظهر الجميل من الظاهر، لكن من الداخل سطحي هَطِف !

"هذرلوجي"، كثير الثرثرة – يتكلم كثيرًا لكن كلامه غير مفيد !

سؤال:

من يُقحم هؤلاء وأمثالهم في شاشة هي ملك المشاهد؟ ولماذا؟

الأدهى والأمرّ

ما سمعته أن هؤلاء الهذرلوجيين يفرضون أنفسهم في الاجتماعات والمناسبات، إلى درجة أن بعضهم يفرض آراءه على الناس !

الأسوأ أنهم يكرهون النقد والنقاد، حتى لو كانت آراؤهم صائبة ولمصلحتهم !

كيف تتعامل مع الهذرلوجيين؟

إذا كنت قريبًا من أي منهم، فافعل كما فعل أبو حنيفة!

 

التعامل مع الهذرلوجيين يحتاج إلى ذكاء اجتماعي، بحيث لا تحرجهم، لكنك أيضًا لا تستهلك وقتك بلا فائدة.

استخدم التلميحات الذكية

اختصر الحديث

ضع حدودًا واضحة

استخدم لغة الجسد لإنهاء المحادثة بطريقة لبقة

إذا لم يفهم التلميحات، فالصراحة المباشرة هي الحل:

"أقدّر حماسك للكلام، لكن عندي التزامات لازم أخلصها."

 

لكن إذا أصررت على التعامل مع الهذرلوجيين، فإحدى هذه الأمور تنطبق عليك:

إما أنك منهم!

أو أنك لا تملك القدرة على التقييم!

أو أن الهذرلوجي مفروض عليك!

نصيحتي الأخيرة:

أبعدوا الهذرلوجيين عن الإعلام!

اتركوهم يمارسون التسطيح في المجالس الخاصة والاستراحات المناسبة لهم.

ولا تصدقوهم، فهم أقرب إلى الدجل والكذب، وسائرون في طريق الكيد والمكر.

إذا انتقدهم ناقد لمصلحتهم، فإنهم وأمثالهم لا يرون المصلحة، بل يعتبرونها انتقاصًا منهم، فيبدأون بحياكة الدجل ضد الناقد، حتى لو لم يعرفوه أو يقابلوه أو يتحدثوا معه!

لا تصدقوهم... مدّوا أرجلكم، واحذروهم.

هؤلاء لا يُؤخذ برأيهم، ولا يُستشارون.

وهذا جزء من العلاج، لعل الله يفتح عليهم عقولهم، ويبتعدوا عن الأقوال والأفعال التي تعود عليهم بسوءٍ لم يتوقعوه.

نصيحتي الخاصة لكل "هذرلوجي":

على الرغم من هذرجتك، فقد تكون لديك صفات لا تدركها، يمكن استثمارها!

عليك أن تتوقف، وتغيّر استراتيجياتك وطريقة تفكيرك، وأن تكون إيجابيًا تجاه الآخرين.

 هناك نوعان من النقد:

نقد ظاهره قاسٍ، لكنه يحمل هدفًا لينًا ومفيدًا.

ونقد يبدو لينًا، لكن نهايته سيئة وضارة.

لذلك، كن إيجابيًا عندما تسمع أو تقرأ نقدًا، وتفحصه جيدًا.

 في هذه اللحظة، فكر بعقلية الحكيم، وليس بعقلية الهذرلوجي السطحي.

خاصةً تجاه أولئك الذين تعتقد أنهم يكرهونك، في حين أنهم في الحقيقة ناصحون لك.

أنا على ثقة بقدرتك على "الثرثرة"، وهذا مطلوب في الإعلام، بشرطين:

  • تحديد الهدف بوضوح.
  • تنسيق الأفكار، وجعلها متناغمة، واختيار الفكرة العميقه الواضحه المعنى للمتابع.

 ولو كثّفت من القراءة والتركيز، فقد يصبح كلامك أكثر جودة وفائدة.

بعض الهذرلوجيين يمتلكون لباقة وطلاقة في الكلام، مما يجعلهم اجتماعيين وسهلين في التعامل. أرجو أن تكون منهم.

يمكن أن يكونوا جيدين في كسر الجليد في اللقاءات والمناسبات.

في غالب الهذرلوجيين طاقة كبيرة، لكنها مبعثرة.

يمكنني تشبيه الهذرلوجية بـ قطار الفحم أو الديزل:

ضجيج متتالٍ وطرقعات كثيرة... لكن الوصول متأخر!

بينما يمكن استبدال الفحم والديزل بالكهرباء، فيصبح القطار أسرع، وأكفأ، وأقل إزعاجًا.

 وهنا سر العلاج !

كيف يستبدل الهذرلوجي "الفحم"؟

كيف ينتقل من كلام بلا معنى إلى حديث نافع ومؤثر؟

كيف يوجه طاقته في الاتجاه الصحيح ليصبح فيلسوفًا مفيدًا بدلًا من مجرد مُثرثر بلا فائدة؟

الإجابة تبدأ من تغيير العادات، وتنظيم الفكر، وتكثيف القراءة، والتعلم المستمر.