التكنوقراطية * .. والجهلة
كتب - عبدالله العميره
من هواياتي تقليب القنوات التلفزيونية، والتوقف عند برامج مختلفة: سياسية، اقتصادية، ثقافية، رياضية، وثائقية... إلخ، أقرأ في عناوين المذيعين وعقلياتهم ومحتواهم الثقافي، وأسلوبهم في العرض والحوار، وفي فكرة البرنامج، وإذا ما كانت هناك أفكار جديدة.
وكثير من البرامج، وخاصة تلك التي تخاطب فئة تسمى في الإعلام "العالم السفلي"، أو من هم في المرتبة الثانية من تقسيم أنواع الجمهور، وهم "المترددون"، أجد فيها العجب العجاب!
فوجئت بـ (مذيع برنامج رياضي) – أضع الوصف بين قوسين، لأنني لا أراه إعلاميًا بالمعنى الصحيح، وعليه لغط واختلافات بسبب "إدعاء " الإثارة ، وترسيخه للتعصب والإنشقاق بين الجمهور السعودي، ولأنه لايمثل المجتمع الرياضي السعودي الراقي.
ليس صعبًا على أي شخص أن يخلق إثارة، أويجعل نفسه في مصاف المؤثرين، بالتركيز على مثيرات الغرائز وما يثير المشاعر، وهذا ما يسمى في الإعلام "الانحياز السلبي".
فوجئت به يأتي بمصطلح ويقحمه في برنامجه الكروي المتطرف في التعصب والموجه للمتعصبين والجهلة! نطق بكلمة "التكنوقراطية".
وباعتباره مذيع برنامج رياضي؛ لا أدري ما يعني بالضبط؟!
هل يعني المطالبة بإدارة تكنوقراط في وزارة الرياضة، أو في اتحاد كرة القدم، أو في الأندية؟ أم ماذا يريد؟!!
هذا النوع من المذيعين يعتبر هذه السقطة طبيعية، ويمكن أن يرد بكل برود: "مشي حالك، لا تدقق". كما مشى الحال في سقطات سابقة كثيرة !
هكذا، أي شخص عندما يتم محاصرته بمصطلحات أو مفردات تفضح جهله، ومن الجهل اعتقاده بأن الرد "مشي حالك" ينجيه من فضح محتواه.
وكثيرة هي السقطات الفاضحة، ولا أرصدها لأنها أصبحت معتادة، كما لا أتابع برنامجه كثيرًا.
إلا أن "التكنوقراطية" في برنامج غارق في التعصب الكروي ، ولايمكنه تقديم برنامج بفكر"تكنوقراطي" عالي... لايمكنه !
وقعت منه الكلمة أمامي صدفة، فكأني أسمع أم الفضائح التي لم أتمكن من السكوت عنها.
لا أبحث في جهله وعلمه أو من على شاكلته، الجهل واضح ومفروغ منه. إلى حد التعجب من تركه مستمرًا في إدارة برنامج منتسب للرياضة السعودية، مع المتغيرات الحضارية العظيمة في البلاد، ومع تنظيم أعظم المناسبات الرياضية بكفاءة تدل على جهود شباب سعودي واعٍ (لا أعتقد أنه يتابع مثل هذا البرنامج).
وهذا لا يعني أن البرنامج يخاطب المجتمع الداخلي فقط، بل يعطي مؤشرًا للآخرين بحجم التعصب والتخلف عند الجمهور، وإدارة كرة القدم القائمة على التعصب والتخلف في برامج الرياضة السعودية.
مثل هذا البرنامج مضيعة للوقت والمال، وهو سيئ ومسئ للمملكة وللجمهور السعودي، وللبرامج التي تنظمها وزارة الرياضة، والمناسبات العظيمة التي تستضيفها المملكة.
(أقسم بالله لا أعرفه شخصيًا، ولم أقابله أبدًا، وليس بيني وبينه أي نوع من التواصل)... فقط أخاطبه من منظور عمل - نقد في عمله، وفي أدائه. ومثل تلك العقليات، لا ينفع معها "المرهم السهل السلس" يحتاج إلى مبضع جراح، مع اعتقادي أن هناك نوعًا من البشر، لو وضعت عليه سكين من النقد الساخن، لن يؤثر فيه!
أنا هنا أخاطب من وضعه على رأس برنامج مهم في قناة مشهورة في العالم العربي، ومتابعة من الرياضيين في العالم.
وكأني أرى النقاد الرياضيين المتابعين، يسخرون من برامجنا، وأسلوبنا، ونقصنا في طرح المواد بعلم وخبرة، كما سخروا من دورينا عندما كان العدل غائبًا، وهو يطبل ويرفع الصوت بالمكبرات !
هناك من يقول: "يتم منحه فرصة"... أي فرصة؟ هل البلاد خالية من عقول ذكية مبتكرة، مثقفة وطنية موالية، ذات كفاءة إعلامية عالية، لإدارة برامج تخاطب شريحة مهمة من المجتمعات المحلية والعربية والعالمية؟!
وعلى ذكر الكفاءة والولاء... أيهما أقرب للثقة التي تخدم بشكل صحيح؟
الإعتماد على من يمتلك الكفاءة، أم من يُظهر الولاء؟
هذان المصطلحان يترددان في الوقت الحاضر كثيرًا، بخاصة مع المتغيرات السياسية في المنطقة...
الكفاءات أم الولاءات؟
وأخونا استلم المصطلح وأذاعه في برنامجه الرياضي!
من المؤكد أن المطلوب الإثنان معًا" الكفاءة والولاء".
فالكفاءات بدون ولاءات كارثة.
والكارثة الأعظم أن أسلم المهمة لأصحاب الولاءات من ولا يملكون علم ولا معرفة، (أي منح المهمات إلى غير أصحاب الكفاءات).
من لديه ولاء فقط، لا يمكنه أن يحقق الإيجابيات بعمل فيه إبداع، ودائم الإبتكار.
الجهلة يصيبونك بالخلل والتشويه والضعف إلى أن يصل التأثير إلى درجة الصفر... وإذا استمر الاعتماد على أصحاب الولاء من غير كفاءة؛ أو العكس؛ فتتحول الحالة الصفرية إلى العكس، إلى السالب. فيحدث تضخيم "ألا ولاء" في المجتمع.
لا تعتقدوا أن هذا تضخيم في العرض... هذا علم، ومن تجارب الزمان يمكن الاستفادة منها.
تمامًا مثل الحرية المطلقة، استجابة لدعاوى التحرر المتماس مع الانحلال الفكري قبل الخلقي.
أجزم أن ذلك المذيع 100% لايفهم معنى التكنوقراطية، ولادلاىتها، واستخداماتها وعلى من يتم إطلاقها..
(ولتعريف التكنوقراطية، وتقديم شرح موسع عنها في آخر هذا المقال)
استُخدم مصطلح تكنوقراط في الأصل للدفاع عن تطبيق المنهج العلمي في حلِّ المشكلات.
السؤال: هل مثل ذلك " المذيع" يمتلك العلم والتقنية والخبرة القائمة على فهم إدارة العمل الإعلامي والبرامج المتطورة المؤثرة إيجابياً ؟
لنخرج من فكرة "أشغلوهم بالتعصب" ومن "الاستثمار في الجهل".
أمامنا في المملكة استحقاقات حضارية ومناسبات عالمية، يجب الاستعداد لها برسائل حضارية راقية تليق بالاستعدادات وبسمعة المملكة على مستوى العالم.
أتمنى أن يأتي العالم لدينا، يسبقهم تأثير إعلامي على مستوى عالٍ من الجودة.
هذا يتطلب مراجعة للبرامج والأفكار، وأساليب التقديم والإخراج. وقبل ذلك، تنظيم مميز للمسابقات المحلية، يحكمها العدل، وبما يليق بقوة الدوري السعودي لكرة القدم - هذه اللعبة الأكثر شعبية وانتشارًا في العالم.
المطلوب: إبعاد كل الجهلة والمتعصبين، والتقليديين، وصغار العقول.
وإعداد برامج يديرها شباب وشابات على مستوى فكري وعلمي عالٍ، وبأفكار جديدة.
__________
ما هي "التكنوقراطية".. ومن هم التكنوقراطيون؟
تعريفات كثيرة .. وقد اخترت مقالا شارحاً وافياً للدكتور د. عبدالله جمعة الحاج ( هذا المقال البحثي منشور على موقع العربية)، وهو من أفضل الموضوعات عن التكنوقراطية وأكثرها تركيزاً واختصاراً..
"إلى جانب مناداة بعض المواطنين العرب في شوارع مدنهم بحكومة مدنية، ينادون أيضاً بإرساء قواعد حكومة تكنوقراطية يكون الوزراء المعينون فيها تكنوقراطيين، فما هي الحكومة التكنوقراطية ومن هم أولئك التكنوقراطيون الذين يشغلون مقاعد وزاراتها؟
لغوياً التكنوقراطية في عالم السياسة هي حكم الفنيين، وهي مقولة أميركية استخدمها في بداية الأمر المفكر هنري سميث من جامعة بيركلي في كاليفورنيا عام 1919، ثم شاع بعد ذلك استعمالها حول العالم.
ولدى سميث؛ هي تعني حكم المواطنين الأكثر كفاءة وتأثيراً ونشاطاً من خلال العلماء والفنيين المتخصصين في مجالاتهم الدقيقة. واستخدم مصطلح "تكنوقراطية" في الولايات المتحدة بكثافة أثناء فترة رئاسة الرئيس روزفلت، خاصة عندما ظهرت مقولات "الاتفاقية الجديدة"، وأصبحت تطلق على الأفكار التي تم تبنيها والدعوة إلى تطبيقها خلال سنوات الكساد الكبير، وهي الأفكار التي تنادي بضرورة استخدام العلوم في حل مشاكل المجتمع، خاصة العلوم البحتة.
تشير العديد من المصادر الأساسية في علم السياسة إلى أن التكنوقراطية هي وضع سياسي تكمن فيه السلطة السياسية الواقعية في أيادي الفنيين المتخصصين الذين يطلق عليهم التكنوقراطيون، وإلى أنها نظام سياسي يحظى فيه الفنيون بتأثير واسع على إدارة الأمور في القطر المعني على صعد الاقتصاد والإدارة الحكومية، وإلى أن الفنيين هم الذين يمارسون السلطة بحكم تخصصاتهم الفنية، وبأنها، أي التكنوقراطية هي الحكومة التي تستخدم العلوم البحتة من هندسة وكيمياء وفيزياء في حل المشاكل التي تلم بالدول، خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية الكبرى، وإلى أنها ممارسة السلطة السياسية عن طريق وضع الخبراء الفنيين في كراسي السلطة السياسية، وإلى أنها نظام سياسي تكون فيه السلطة السياسية مركزة في واقع الأمر في أيادي التكنوقراطيين.
ومن سياق هذه التعريفات يتضح بأنها تصب في معين واحد فحواه أن التكنوقراطية ظهرت كمفهوم نتيجة للتقلبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ألمت بالعالم الرأسمالي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية أثناء فترة الكساد الكبير في عشرينيات القرن الماضي، أي في أعقاب الحرب العالمية الأولى مباشرة.
لقد ظهرت كمفهوم كان يقصد منه العمل السريع واسع النطاق لتنظيم حياة المجتمع الاقتصادية على ركائز من خطط الترشيد المستندة على استخدام العلم في الحياة.
في زمننا الحاضر يتضح بأنه ربما لا يمكن للبشرية مواجهة المعضلات الكبرى التي تقف أمامها، كحماية البيئة ومكافحة الإرهاب ومشاكل الحروب وتحقيق السلم العالمي دون إسهام الخبراء والفنيين والمتخصصين في ذلك، بالإضافة إلى أهمية التقنيات الحديثة في الإدارة والتنظيم والرصد والمتابعة والتنسيق، وهي أمور تسلط الضوء على مكانة القائمين بها في تسيير أمور الدولة والمجتمع. فهم الأكثر خبرة، ومن دونهم لا يمكن للنظامين الاقتصادي والاجتماعي أن يتحقق لهما التنمية والاستقرار لكي يعملا بكفاءة.
لذلك فإن العصر الحاضر هو المجال والساحة التي يؤدي فيها العلماء والمتخصصون من الاقتصاديين والمهندسين والخبراء في كافة المجالات العلمية ومن شتى علوم الحياة أدوار جليلة تخدم الدولة والمجتمع، فما تتخذه السلطات السياسية من قرارات عليا هي قرارات ذات طبيعة تقنية، ولكي تتمكن من تنفيذها على أكمل وجه هي في حاجة ماسة إلى هؤلاء التكنوقراطيين للاضطلاع بها.
ودون شك أن علماء السياسة الذين أسهموا في توضيح فكرة التكنوقراطية هم كثر، لكن إسهاماً في هذا التوضيح ربما يمكننا تعريفها بأنها شكل من الحكم تكون فيه القرارات الأساسية قائمة على اعتبارات فنية، أي أنها نظام تكون فيه ممارسات السلطات المسؤولة هي عاكس للرغبة في ترشيد مقدرات وآليات وإمكانات المجتمع للاستفادة منها بأقصى درجة ممكنة.
ومن وجهة نظر علم السياسة، فإن السلطة التكنوقراطية لا تقوم على التفويض الشعبي، ولكن على اختيار أولي الأمر السياسيين لمن يؤدون الأدوار والتكنوقراطية، وهذا الاختيار يقوم على التخصص الفني والخبرة.
ويتبلور التعبير عن ذلك من خلال ثلاث طرق هي، أولاً، قدرة التكنوقراطي على تقديم النصح والمشورة والبيانات والمعلومات المطلوبة التي يتم الاستناد إليها في قرارات أولي الأمر. وثانياً، قدرة التكنوقراطي على الأداء وتنفيذ المهام المنوطة به لتحقيق أهداف السياسة. وثالثاً، وأخيراً، لا بد من منح التكنوقراطي السلطة والدعم المادي لمساعدته على تنفيذ السياسة العامة".